الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مغامرة عثمانية بلا ملامح.. فورين بوليسي: التدخل التركي في ليبيا عشوائي وبدون استراتيجية متماسكة.. مصر الهدف الأساسي وليست المكاسب الاقتصادية.. وجنون عظمة أردوغان يقوده إلى فخ

مدرعات تركية في ليبيا
مدرعات تركية في ليبيا

مجلة فورين بوليسي:

تركيا أفسدت علاقاتها مع الجوارين العربي والأوروبي والمحافل الدولية
أردوغان لا يستطيع بناء زعامته إلا بعداوة مع مصر
التدخل في ليبيا رد فعل هستيري على التحالف بين مصر واليونان وقبرص
التدخل في ليبيا لا يخدم مصالح السياسة الخارجية والأمن القومي التركية المنطقية

أواخر العام الماضي، وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلقي خطبة على مسامع حشد من أنصاره في العاصمة البريطانية لندن، قال فيها "اليوم تستطيع تركيا إطلاق عملية لحماية أمنها القومي دون الحاجة إلى إذن من أحد".

وبحسب مجلة "فورين بوليسي"، كانت تلك الخطبة نموذجًا واضحًا على سمة أساسية في الخطاب السياسي التركي في عهد حكم أردوغان، وهي المظلومية الممزوجة بالطموح.

وأضافت المجلة أن مثل هذه "اللطميات" كانت لتُقابل بالرفض والاستهجان كخطاب سياسي فيما مضى، لكن بالنظر إلى ما اعتاد عليه أردوغان فلم تعد هذه الكلمات مثار دهشة أو استهجان.

وعلى النقيض تمامًا من شعار "صفر مشاكل" الذي رفعه حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم بزعامة أردوغان في بداية حكمه لتقديم تركيا كقوة تجارية حريصة على علاقات حسن الجوار مع بقية دول الشرق الأوسط، راحت أنقرة تجنح بشكل متزايد نحو عسكرة سياستها الإقليمية، سواء تجاه الجوار العربي أو الدول الأوروبية المشاطئة لها في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط.


ومع كل خطوة تخطوها تركيا في سياستها الخارجية كانت تزرع الغضب في أرض محفل دولي ما، تارة الاتحاد الأوروبي، وأخرى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وثالثة الأمم المتحدة، ورابعة الولايات المتحدة، ولكن مع كل استفزاز تركي أيضًا لم تكن استجابة أي محفل من هؤلاء تتعدى رد فعل هزيل كلامي لا يرقى إلى مستوى الردع المطلوب.

وتابعت المجلة أن تركيا صارت أبعد ما يمكن عن أن تكون رصيدًا مفيدًا في التحالف عبر الأطلسي أو قوة ملهمة لأوروبا وفق تصوراتها القديمة عن نفسها، لكن حتى مع كل العسكرة والجنوح نحو استخدام القوة في العلاقات الدولية، فإن السياسة الخارجية التركية لا تدور في إطار استراتيجية متماسكة ذات أهداف واضحة.

وتبدو هذه العسكرة والجنوح نحو القوة أوضح ما يكون في سياسة تركيا وتحركاتها تجاه ليبيا، ففي نوفمبر الماضي وقعت أنقرة وحكومة الوفاق في طرابلس مذكرة تفاهم لترسيم الحدود البحرية، وصفتها "فورين بوليسي" بأنها ذات طبيعة توسعية ولا تستند إلى أي أساس من الشرعية أو القانون الدولي.

وفي الشهر التالي أعلنت تركيا استعدادها لإرسال قوات عسكرية لحماية حكومة الوفاق ودعمها في مواجهة الجيش الوطني الليبي وتحركه لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات الموالية لأنقرة، وشرعت تركيا بالفعل في إرسال قوات وعتاد عسكري ثقيل ومرتزقة سوريين موالين لها إلى ليبيا.

وتساءلت المجلة عما يجنيه أردوغان من مغامرة عسكرية على مسافة 1200 ميل من بلاده، في ظل أزمة اقتصادية خانقة زادتها تعقيدًا أزمة فيروس كورونا، وفي معرض الإجابة رصدت المجلة 3 مصالح جيوسياسية تحدو التدخل التركي في ليبيا.

فأولًا، يحلم أردوغان ببناء زعامة شخصية مبنية على انتحال مواقف مبدئية زائفة، ولم يكن ليستطيع بناء هذه الزعامة من خلال علاقات متوازنة وطبيعية مع جيرانه، وإنما من خلال السعي لتحطيم بقية اللاعبين الإقليميين، وفي هذا الإطار يمكن فهم موقف تركيا العدائي تجاه مصر وسوريا وسعيه الدائم إلى تخريبهما ليبقى هو في النهاية لاعبًا إقليميًا وحيدًا، ثم يستثمر هذا الموقف لتعزيز شرعيته وقبضته في الداخل، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 2023.

وثانيًا، فإن تدخل تركيا في ليبيا هو رد فعل عصبي هستيري ضد تحالف يتشكل بين دول شرق المتوسط، وحجر الزاوية فيه العلاقات المميزة التي تجمع مصر واليونان وقبرص، ومع أن هذا التحالف ذا طابع اقتصادي بالأساس، وغرضه تنظيم استغلال ثروات شرق المتوسط بالتوافق والتعاون، ترى تركيا فيه تهديدًا أمنيًا لمصالحها، بالنظر إلى طبيعة علاقاتها العدائية مع كل طرف من أطراف التحالف على حدة، وأنقرة تدرك جيدًا أن نجاح هذا التحالف يعني حرمانها من ثروات هائلة في شرق المتوسط تتطلع إلى نهبها، كما يعني تقييد قدرتها على الملاحة بلا رقيب والعيث فسادًا في البحر المتوسط.

وثالثًا، فإن ليبيا هي الساحة التي تستطيع تركيا المناورة ضد خصومها الإقليميين، وفي مقدمتهم مصر، على أرضها. وعلى الرغم من اختلاف القاهرة وأنقرة حول جميع القضايا الإقليمية تقريبًا، وعلى رأسها التدخل التركي في سوريا والتحالف مع قطر وجماعة الإخوان، فإن ليبيا هي الساحة التي تطمح أنقرة لتهديد أمن مصر انطلاقا منها، فليبيا هي الجار الغربي الملاصق لمصر، ومعظم الجماعات الإرهابية في المنطقة تتمتع بموطئ قدم أو آخر فيها.

ومع ذلك، تصعب قراءة التدخل التركي في ليبيا باعتباره تحركًا في إطار استراتيجية شاملة للأمن والسياسة الخارجية، بقدر ما هو تحرك في إطار الشعور الزائف بالعظمة والرغبات الانتقامية، وما يجعل تفسير التدخل التركي في ليبيا صعبًا بحق هو ابتعاده التام عن مصالح السياسة الخارجية والأمن القومي التركية المنطقية، فحتى التدخل التركي في سوريا والعراق يمكن تفسيره بمخاوف أنقرة حيال تنامي قوة حزب العمال الكردستاني المسلحة وامتداداته داخل الأراضي السورية والعراقية، ومن ثم فالهدف الواضح في هذه الحالة هي تدمير قدرات حزب العمال الكردستاني وضمان عدم قيام دولة كردية على حدود تركيا الجنوبية الشرقية، ولكن لا توجد مخاوف مماثلة أو مكاسب مغرية تبرر تدخلًا تركيًا في ليبيا.

وأضافت المجلة أنه من دون استراتيجية واضحة تحدد أهداف التدخل في ليبيا، سيجد الأتراك أنفسهم مكشوفين ومعرضين لخسائر فادحة، فليس من الواضح حتى الآن ما الذي يجعل أردوغان واثقًا إلى هذا الحد من قدرته على ضبط الأوضاع في ليبيا وحسمها لصالح وكلائه في حكومة الوفاق، فحتى إن لم يتمكن الجيش الوطني الليبي من تحرير العاصمة طرابلس فإن حكومة الوفاق عاجزة عن بسط سيطرتها على مساحة البلاد بالكامل، ولا يجب إغفال أن مصر لن تسمح بسقوط ليبيا بالكامل في أيدي تركيا أو وكلائها.