الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد عمر يكتب: عمال مصانع الطوب الطفلي (1)

صدى البلد

لا يمكن أن نتخيل وجود إحصائية حقيقية تقول بالعدد والخصائص والأماكن وعدد العاملين قولا قاطعًا، حتي أنني لا أتوقع وجود هذه المعلومات في درج وحدة محلية أو غرفة صناعية أو في دفتر شئون اجتماعية حتى، وهذا تقصير بيّن من القائمين علي مثل هذه الملفات الحيوية، والتي تحتوي علي الكثير من جوانب اقتصادية وعمالية واجتماعية.


وهناك العديد والعديد من هذه المصانع غير المرخصة، وغير المدركة حكوميًا تحت مظلة الاقتصاد المصري؛ لأنها منشآت أهلية ذات الاتجاه الثالث المخفي من اقتصادنا، بعد الاقتصادين الحكومي والخاص.


ولقد ساهم الاقتصاد الخاص في حل العديد من الازمات التي لحقت بنا، خصوصا بعد ثورة يناير، وكان له الدور الأكبر في التعافي الاقتصادي ما بعد ثورة يونيه، والي اليوم وغدا تعمل الحكومة علي تعظيم دوره ببعض الامتيازات والمشاركات الجذابة، والتي تقدر رأس المال أن يعمل أكثر فأكثر؛ بعدما أثبتت الدولة رغبتها القوية في مساعدته، وتهيئة الظروف المحيطة به، ومن ثم زيادة استثماراته وطموحاته في توسيع رقعة عمله.


كما عملت الحكومة علي زيادة قوتها الاستيعابية لمزيد من العمالة -خاصة- غير المنتظمة، وذلك من خلال إنشاء العديد من المشروعات الضخمة لا سيما في المجال العمراني؛ مما ساهم في تقليل البطالة وتداعياتها الاجتماعية.


أما الاتجاه الثالث من اقتصادنا "الاقتصاد الاهلي" فهو مما لا يدعو للشك له دور مهم في توفير مئات الآلاف من فرص العمل للشباب، وله ميزة كبري بالنسبة للعاملين فيه؛ في إنشاء المصانع داخل هذه القرى والمدن القريبة، مما يجعل طالب العمل مجذوبا إليه بسبب القرب المكاني والبيئي.
ولكنه عمل حر لا يرتبط بعقد أو وعد!، وانما بورديات أو يوميات، وفي الغالب يرتبط بالكميات التي يشتغلها العامل، والذي يعتمد القيام به على صحته المفرطة .. أو الترامادول ومشتقاته!، ولا يرتبط بساعات العمل فهي تقديرية، وليست لها قيمة، لأن عايشها كذلك، لا يعنيه عمره الذي ضاع في مهنة لا امان لها، ولا يلهيه عن آلامه سوى بضعة مئات من الجنيهات، والتي لا تسد حاجته إذا مرض.. لعدة أيام فقط.


وعندما تنزل الرحمة في صدور أصحاب هذه المنشأة، يسولون بعض المتضررين.. شفقة إخلاصهم في العمل واحسان، وأثره يتحاكى العمال واصحابهم وأهلهم وجيرانهم بالخير الاعظم الذي قدمه صاحب العمل ..لأحد عبيده!؛ ودون أن يلتفت نظرهم ولو للحظة أن هذا المسكين قد تضرر اثر خدمته في عمل هذا الجواد!


وربما صمت الكثيرون أمام حقوقهم.. خوفا من طردهم من العمل الذين يأوون به أسرهم، ويخرس الكثيرين أصواتهم المكبودة.. فمن مستعد أن يسمعهم، وينافق العديد من زملاء العمل، بما لا يمليه القلب علي اللسان.. احتياطا أن تنقل الشكوى الي سيدهم.. فيخسروا كل شيء تقريبا.


وماذا تبقى لأن يخسروه؟، فهم قد خسروا صحتهم الهشة في أعمال غير انسانية؛ حيث تولوا كراسي عمل العبيد أو البعير!، وهو ما لا يتحمله انسان بوعيه؛ إذا فكر ولو للحظة :هل كمية الطوب التي لفحتها علي يدي وقلبي كمية معقولة؟، وهل انا أخذ عدلا مقابلها؟، وماذا عندما أمرض؟، وماذا عندما اموت؟.


كل عمل مهما يكن اختصاصه أو نوعه لا يمكن أن يضمن السلامه الكاملة لأحد أعضائه أو عماله، ولكني أعتقد أنه لابد وأن يملك شيئا من الإنسانية والرأفة والواجب تجاه القائمين عليه، وهذه ليست مساهمة في الخير أو تبرع؛ وانما حقوق نص عليها القانون صراحة ولصالح الاثنين، العامل الذي يتجرع الشقى والتعب في عمله، وسبيلا لاستقامة وضعه الاقتصادي والاجتماعي وأسرته، و"صاحب المصنع" الذي له كافة الصلاحيات القانونية في الحفاظ علي عمله واستمراره وتطوره.


ويجب أن يكون هذا التطور متماشيا مع التطور الذي سلكته الدولة، حيث اننا قد وضعنا خطة متكاملة في التنمية المستدامة والشاملة، ووفق اعتبار "الإنسان المصري" هدفا في هذه العملية، وهذا قد تمثل فعليا في المشروعات القومية التي تمس مستقبل وحياة الانسان؛ مثل مشروعات الإسكان الاجتماعى، ومشروع تطوير التعليم، ومنظومة الصحة الشاملة، وهذه كلها مشروعات تبني الجانب المعنوي للانسان، أو البناء التحتي للشخصية المصرية الجديدة.


أما البناء الفوقي للإنسان، والذي يحتاجه بقوة وجوده، هو العمل ثم العمل ثم العمل، وهذا ايضا كان محورا رئيسيا في فترة الرئاسة الاولى.. ومازال، ونجحنا الي حد ملموس في توافر وتوافد الفرص الحقيقية للاستثمار "المباشر"؛ بعدما هيأنا للمستثمر العوامل المؤثرة في بناء مجتمعه الاقتصادي من شبكة طرق توفر الجهد والوقت والتوصيل الآمن للمنتج أو الخامات، والقوانين التي أكسبته المرونة اللازمة في عمله، بل ومشاركة الحكومة في وضع الخطط المناسبة للاستثمار علي أرض مصر؛ وفق الحاجة والطلب.


مما لا يدعي قط أن يحاول اتجاه ما أن يسير بمفرده، ودون رقابة حقيقية من قبل الدولة؛ والا اهملنا القانون الذي يحكم العلاقة بين الحكومة وصاحب العمل، وبين صاحب العمل والعمال كطرف ثان، وهذا ما قد رأيناه منذ أول وهلة في مصانع الطوب الطفلى التي أهملت حق الاثنين؛ وبخاصة العامل الذي لم تراع فيه حقوقه القانونية من رعاية صحية واجتماعية.


حق الرعاية الاجتماعية في حالات الإصابة أو المرض أو الوفاة، انظروا كم مدخنة مصنع انهارت؟ وكم اصيب؟ وانظروا كم بلع فرن الحرق ضحايا واصبحوا مشوهين أو رمادا؟ وكم مريض صدري من انفاس المداخن؟ وكم لم تستوعب عضلاته المجهودات الجبارة في العمل.. فتعاطوا المخدرات وأدمنوا؟.


أين حقوق هؤلاء؟ ومن المسئول عن هؤلاء؟ ومن يعاقب هؤلاء؟، فإذا كان المصنع غير مرخص، وأسماء عمالة غير مقيدة في وثيقة أو دفتر، ولم تكن هناك المراقبة الكافية لضبط العمل واعطاء حق الدولة والعمال؛ ومن يستطيع مراقبة عمل... وهمي!.


نعم.. مصانع الطوب هي منشآت وهمية؛ لأنها غير مرخصة، لا يوجد ضابط قانوني لها أو رادع، ولا توجد أوراق رسمية تسهل علي الحكومة مراقبتها، أو علي أقل تقدير معرفة الملاك الحقيقيين لهذا المصنع أو ذاك؛ مما لا يساعد علي تحصيل الضرائب الحقيقية التي تستحقها الدولة، وكذلك إسقاط التهمة التي قد تلحق بصاحب العمل.. اثر اهمال أو انتهاك أو تقصير.


وأسأل الجميع.. أرأى أحد أو سمع ذات يوم عن وجود عيادة طبية في مصنع طوب طفلي علي مستوى الجمهورية؟؟ أنقل شخص قد اصيب أو احترق الي مستشفي خاصة أو حكومية يتعاون معها مصنع وفق اتفاق أو بروتوكول تعاون؟ أحصل عامل ذات يوم علي حق اطمئنانه علي صحته علي نفقة المصنع؟ وهل توجد أية إجراءات احترازية ووقائية داخل هذه المصانع غير المرخصة في التصدي لفيروس كورونا؟ وكيف أسأل عن الحقوق في شيء لا يملك لنفسه الحق في الوجود، الا بالتزوير أو الوهم أو الاسماء المستعارة ؟!!