الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: الإمام الشافعي انبهر به مالك.. وبلغ الغاية في الحفظ والاتقان

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، إن  الإمام الشافعي أسَّس الأسس ولذلك كانت مِنّته على كل من كَتَب بعد ذلك إلى يوم الدين، وفتح الله عليه في الربط بين الفقه والتفسير، وتعلَّم اللغة في البادية حتى قرأ أشعار الهُذيليين، وكان الأصمعي على جلالة قدره في اللغة يُصحح أشعار الهذيليين وهي صعبة جدًّا على الشافعي.

وأوضح جمعة عبر الفيسبوك: بلغ الغاية في الحفظ وفي الإتقان وفي تلقي القرآن، حتى في حِفظ الحديث فانبهر به الإمام مالك؛ ومالك هو أستاذ الأساتذة، وقد شهد له سبعون إمامًا من أئمة المدينة المنورة.



وأكمل : إذا اطلعت على كلام هؤلاء الأئمة وعلى تراكيبهم، وعلى تقواهم ،وعلى إخلاصهم، وعلى إدراكهم للكتاب والسنة وللغة العرب ولمقتضيات المصلحة والمقاصد والمآلات التي يؤول إليها الحال ؛لعرفت أنهم قد بُعثوا من عند الله سبحانه وتعالى لحفظ هذا الدين، وأن الله جعلهم أسبابًا لهذا الحفظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فحَفِظ الله هذا الدين بأولئك الأئمة، نوَّر قلوبهم، وطهَّر أرواحهم، وفتح عقولهم، وجعلهم على هذه الدرجة العالية من الخُلُق الكريم ومن العلم العظيم.


وأضاف: هؤلاء العلماء بَنوا، وبنوا بناءً مركبًا عميقًا حتى ظهرت النابتة، فكُّوا ما ركَّبوه، وسطَّحوا ما عمّقوه، وألغوا ما قرروه، وتجرأوا عليهم بما يجعلنا نقول : حسبنا الله ونعم الوكيل، سيغنينا الله من فضله ورسوله


روى عبد الله بن محمد البَلَوِي قال: كنت أنا وعمر بن نُبَاتَة جلوسًا نتذاكر العُبَّاد والزهاد، فقال لي عمر: ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه ؛خرجت أنا وهو والحارث بن لَبِيد إلى الصفا ،وكان الحارث تلميذ الصالح المُرِّي فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت فقرأ هذه الآية: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} فرأيت الشافعي رحمه الله وقد تغير لونه، واقشعر جلده واضطرب اضطرابًا شديدًا وخَرَّ مغشيًّا عليه، فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين، وإعراض الغافلين، اللهم لك خضعت قلوب
العارفين، وذَلَّت لك رقاب المشتاقين، إلهي : هَبْ لي جُودك ، وجللني بسترك ،واعف عن تقصيري بكرم وجهك . قال: ثم مشى وانصرفنا، فلما دخلت بغداد وكان هو بالعراق فقعدت على الشط أتوضأ للصلاة إذ مر بي رجل فقال لي: يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة. فالْتَفَتّ فإذا أنا برجل يَتْبَعه جماعة فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره، فالتفت إلي فقال: هل لك من حاجة؟ فقلت: نعم تعلمني مما علمك الله شيئًا. فقال لي: اعلم أن من صَدَق الله نجا، ومن أشفق على دينه سلم من الرَّدَى، ومن زهد في الدنيا قَرَّت عيناه مما يراه من ثواب الله تعالى غدًا، أفلا أزيدك؟ قلت: نعم. قال: من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان: من أمر بالمعروف وائتمر، ونهى عن المنكر وانتهى، وحافظ على حدود الله تعالى. ألا أزيدك؟ قلت: بلى. فقال: كن في الدنيا زاهدًا وفي الآخرة راغبًا، واصدق الله تعالى في جميع أمورك تنج مع الناجين. ثم مضى . فسألت من هذا؟ فقالوا: هو الشافعي.


فانظر إلى سقوطه مغشيًّا عليه، ثم إلى وعظه، كيف يدل ذلك على زهده وغاية خوفه؛ ولا يحصل هذا الخوف والزهد إلا من معرفة الله عز وجل، فإنه {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} .