الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حنان إبراهيم تكتب: بصيرة الأعمى.. وعمى المبصرين

صدى البلد

مشهد مؤثر نُشر على" الفيس بوك"، وتناولته قنوات التلفاز لرجل كفيف يعمل في حمل الأسمنت، ويقوده ابنه الطفل الصغير؛ لكي يوصله للدور الخامس، كما أنه يقوم بأعمال المعجون والدهان داخل إحدى الشقق، بعد أن كان يعمل سائقًا ولكنه تعرض لحادث أفقده البصر.

هذا الرجل اسمه عم "أيمن" ولقد كان بإمكانه أن يجلس في بيته يشكو الفاقة، وقلة الحيلة، ويتسول الناس، ولن يلومه أحد، ولكنها نفسه الأَبِيَّة التي جعلته يرفض ذل السؤال وما رضيت إلا بالتعفف والكفاح، فهو ممن صدق فيهم قول ربنا عز وجل في سورة البقرة" للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم".

إن الحادث الذي تعرض له عم" أيمن" وإن كان قد أفقده نور البصر فإن  الله عز وجل أبقى له الأهم وهو نور البصيرة، مما جعله يهتدي لفكرة أن يجعل ابنه عكازه الذي يستند عليه؛ لكي يُطعم أسرته من عرق جبينه، مقدمًا بذلك أروع الأمثلة في عفة النفس، والكرامة، ومقيمًا للحجة على كثير من أشباه الرجال الذين يتمتعون بكامل الصحة والعافية، ومع ذلك تجدهم عاطلين عن العمل، بل ومنهم من يعيش على كد وعمل زوجته!، ولقد شاهدنا أمثال هؤلاء في لجنة الفتوى، فمثلًا سيدة شابة يتعاطى زوجها المخدرات وعاطل عن العمل طلب منها أن تخرج للعمل في أي شيء، بشرط أن يكون دخلها في آخر الشهر ثلاثة آلاف جنية، وأن تعطيه منها ألفين وتنفق الباقي على الأولاد!، وغيرها الكثير والكثير من القصص المخزية التي يصْدُق في أصحابها قول النبي صلى الله عليه وسلم" كفى بالمرء إثمًا أن يُضَيِّع من يعول".

كما أنه يقدم رسالة بليغة للشباب الذي يتعلل بعدم وجود فرص عمل، أو من يشترط منهم أن يعمل في مجال تخصصه وحسب مؤهله الدراسي، ويمدون أيديهم لآبائهم لأخذ مصروف، مع أنهم في سن تسمح لهم بالعمل، بل والإنفاق على أسرة ولكن لو تحلوا ببصيرة عم" أيمن" التي لم تُعيها الحيل، أو يقهرها العمى.

والرسالة الثالثة هي لمن يدَّعون العمى، والعرج، وغيرهما من الأمراض لكي يتسولوا في الشوارع، وأصبحت هذه تجارتهم الرابحة، مع أن تصرفهم هذا من النفاق، والكذب الذي لا يجوز للمسلم أن يتظاهر به، وتزيد الحرمة إذا كان الغرض التسول، وللأسف يجدون من يتعاطف معهم، ويشجعهم بحسن نية؛ ظنًّا منه أنه يتصدق ويفعل الخير، وأقول لهم إن الخير الحقيقي والإيجابية الحقيقة هي في صاحب العمل الذي قبِل أن يكون عم" أيمن" من عمال البناء لديه لكي يشجعه ويعينه على مصابه، وعلى الكسب الحلال، قال تعالى:" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك أصابعه" ."رواه البخاري" 

أما الرسالة الأخيرة فهي من ابن عم" أيمن" ذلك الطفل الصغير الذي ضرب لنا أروع الأمثلة في البر بأبيه، وشعوره بالمسئولية نحوه، مضحيًا بطفولته من أجل مساعدة أبيه وأسرته، ولعل رسالة هذا الطفل تكون قد وصلت لإفهام من يتبرؤون من آبائهم إذا مرضوا وليس أدَل على ذلك من القصص التي سمعنا بها في تخلي الأبناء عن آبائهم في زمن" الكورونا".

لقد ذكرتني قصة عم" أيمن" بقصة الأعمى الذي عاتب الله فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الرغم من أنه أعمى جاء يسأل النبي عن أمور دينه، مقيمًا الحجة أيضًا علينا جميعًا؛ لجهلنا بدين الله عز وجل وعدم طلب العلم مع أن السبل والوسائل ميسرة الآن أكثر، فبضغطة زر تحصل على أي معلومة في أي مجال ديني أو غيره.

إن الأيدي العاملة مثل أيدي عم" أيمن" هي الأيدي التي يحبها الله ورسوله، ففي الحديث الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه"، وقوله أيضًا:" ما أكل أحد طعامًا قط، خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام، كان يأكل من عمل يده".