الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نادية مصطفى تكتب: حق التعدد وظلم الرجال

صدى البلد

عندما أتحدث عن تعدد الزوجات أتذكر دائما النساء اللاتي يشكين إلي ما يجدونه  من الظلم بسبب الزواج الثاني، ولكن امرأة من هؤلاء ما زالت عالقة في ذهنى لأنها حالة من نساء كثيرات، هي امرأة في الثلاثينات من عمرها لديها أربعة أبناء تزوج زوجها عليها، وعندما عاتبته سائلة عن السبب قال لها: إن هذا شرع الله، وأن التعدد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وأنك لا تستطيعين أن تحرمى ما أحل الله".


فهنا تقول المرأة تساءلت كيف يكون هذا شرع الله خاصة أن زوجها قد هجرها هجرانا تاما  فلم تعد تراه؟، كما أنه امتنع عن النفقة عليها وعلى أولادها  منه، مما جعل هذه المسكينة تخرج إلى العمل وتضطر أن تتحمل ما لا يتحمله الرجال من أجل أن تؤمن ﻷولادها مصدر رزق، فتساءلت كيف يكون هذا شرع الله وكيف تكون هذه سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ ولكنها خافت أن تتجاوز حدودها مع الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاشت حياة الترمل على الرغم من كونها زوجة لزوج ما زال على قيد الحياة.


هنا تنبهت كم امرأة عاشت  هذا الظلم؟ وكم رجل تحمل عاقبة هذا الظلم؟ بسبب أولئك الذين يطلقون ألسنتهم ويقولون بأن التعدد "سنة" ويأتي بهذا الحكم مطلقا من غير قيد أو شرط وهم يعتمدون في ذلك على فهمهم المجرد لعموم قوله تعالى: ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ )  من الآية رقم 3 من سورة النساء.


وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية الكريمة: ( كان الرجل تكون عنده اليتيمة فى حجره فإن كانت جميلة تزوجها من غير أن يقسط في صداقها، وإن كانت دميمة-غير جميلة -رغب عن نكاحها وعضلها أى منعها أن تنكح غيره لئلا يشاركه في مالها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن).الجامع لأحكام القرآن.


واستنادًا إلى ما تفضلت به السيدة عائشة رضي الله عنها يتبين لنا أن التعدد لم يأت فى تشريع مستقل، وإنما جاء لرفع الظلم عن اليتامى اللاتي كن يعانين من الظلم والإجحاف، فالتعدد إذن بدأ برفع الظلم عن النساء لينطلق بعد ذلك ليكون حلا لمشاكل كثيرة، كما استفاد منه المسلمون الأوائل حيث سمح لهم بأن يعولوا أرامل إخوانهم الذين استشهدوا دفاعا عن العقيدة.


فإباحة التعدد إذن ليست إباحة مطلقة بل مقيدة بشروط أهمها ما جاء فى قوله تعالى: ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) .من الآية رقم 3"  "من سورة النساء.


فقيد العدالة يحصر التعدد في دائرة ضيقة جدا فمجرد الخوف من الظلم والجور يمنع من التعدد، فليس هناك إذن ما يدل على استحسانه أو الترغيب فيه كما يزعم البعض.


والمقصود بالعدالة المذكورة في الآية الكريمة: عدالة النفقة ، وعدالة المبيت ، وعدالة تربية الأبناء ورعايتهم ، وعدالة السفر فليكن سفره معهن بالقرعة كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر فكان يقرع بين نسائه فأيهن خرج سهمها خرجت معه ، أو يكون  السفر بالتقسيم بين الزوجات حتى يتم العدل بينهن.


وقد أكدت السنة النبوية على وجوب العدل بين الزوجات وحذرت من الجور والظلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل )رواه أبو داود وابن ماجه.


ومن هنا فالرجل قبل أن ينظر إلى التعدد فلينظر إلى العدل، ومن العدل أن ينظر إلى قدرته المادية هل تمكنه من رعاية أسرتين أم لا؟  فإن كانت قدرته المادية تسمح بذلك  فلينظر إلى بقية جوانب العدالة من القدرة البدنية ، وعدالة المبيت وتربية الأبناء  وغيرها من مظاهر العدالة.


لذلك فقد اشترط البعض إذن القضاء واعتبره شرطا من شروط التعدد ويعد الشيخ محمد عبده أول من قدم إلى الحكومة المصرية اقتراحا تضع بموجبه نظاما تشرف به على تعدد الزوجات حتى لا يقدم عليه من ليس أهلا له ، لكن تم رفض مقترحه من قبل علماء المسلمين وفقهاؤهم . حتى صدر القانون رقم 25 لسنة 1929 والذى خلا من تقييد تعدد الزوجات . ( أحكام الأسرة:164 (  


أما عن حكم التعدد في الشريعة الإسلامية :فلو تتبعنا أقوال الفقهاء في هذه المسألة لعلمنا  أن القاعدة العامة في حكم التعدد هي اتفاق المسلمين على جواز نكاح أربع نساء معا بدليل القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وإجماع المسلمين .


ولكن إذا أمعنا النظر لوجدنا أن تعدد الزوجات تسرى عليه مجموعة من الأحكام الفقهية فقد يكون مندوبا ، أو مكروها ، أو محرما وذلك تبعا لاعتبارات وأحوال تتعلق بالشخص الذى يريد التعدد ، فمثلًا إذا كان الرجل بحاجة إلى زوجة أخرى كأن لا تعفه زوجة واحدة أو كانت الزوجة مريضة ، أو عقيما لا تلد، وهو يرغب بالولد وغلب على ظنه أنه يقدر على العدل بينهما ، فهنا يكون التعدد مندوبا لأن فيه مصلحة مشروعة وقد تزوج كثير من الصحابة بأكثر من واحدة .


أما إذا كان التعدد لغير حاجة وإنما لزيادة التنعم والترفيه وشك في قدرته على إقامة العدل بين زوجاته فإن هذا التعدد يكون مكروها لأنه لغير حاجة وربما لحق إحدى زوجاته ضررا من جراء التعدد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :"دع ما يربيك إلى ما لا يربيك ". رواه الترمذي رقم 2520


وإن غلب على ظن الزوج أو تأكد أنه لا يستطيع العدل بينهن :إما لفقره ، أو لضعفه ، أو لعدم الوثوق من نفسه فى الميل والحيف فإن التعدد عندئذ يكون حراما لأن فيه ضررًا لغيره والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :"لا ضرر ولا ضرار ".رواه ابن ماجه كتاب الأحكام.


ولنعلم أن الزوج إن عدد وظلم فالعقد يكون صحيحا تترتب عليه كافة آثاره الشرعية ، وإنما تتعلق الحرمة بالظلم وهى توجب الإثم على الزوج لأنه ظلم نفسه وظلم غيره ، فليتحمل عاقبة الظلم فإن عاقبته شديدة وله عاقبة دنيوية ، وعاقبة آخرويه .


فالتعدد إنما شرع صيانة للبيوت لا هدما لها ، ولذلك أيها الزوج فلا تأخذ إباحة الله لك في شيء ، ولا تأخذ إلزامه لك فى شيء آخر ، فتأخذ حكمًا جزئيًا دون مراعاة الظروف والأحوال التى تتعلق بهذا الحكم ،لذلك فإن من الفقهاء من رأى استحباب الاكتفاء بواحدة واعتبروا أن ذلك هو الأصل ومن ذلك أقوال فقهاء الحنابلة، قال المنقح المرداوى :"ويستحب أيضًا أن لا يزيد على واحدة إن حصل بها الإعفاف على الصحيح من المذهب جزم به في المذهب ، ومسبوق الذهب ، والحاوى الصغير . وقال بن خطيب السلامية :جمهور الأصحاب استحبوا أن لا يزيد على واحدة . قال ابن الجوزي :إلا أن لا تعفه واحدة .الإنصاف ،.المنقح المرداوى ج 20 ، 25 


لذلك فلا تقول أيها الزوج إن الأصل في الزواج هو التعدد، أو الإفراد، وإنما قل إن الأصل في الإسلام هو العدل هو استقرار البيوت، هو المودة والرحمة التي جعلها الله بين الأزواج.


وفى النهاية أذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ...".