الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى رحيله.. توفيق الحكيم حاكى حركة قاسم أمين فتم اتهامه بعداوته للمرأة

صدى البلد

تطرقت بعض مسرحيات الكاتب الكبير توفيق الحكيم الذي تحل اليوم ذكرى وفاته، إلى الأسئلة المتعلّقة بتحرر المرأة، وكانت مسرحيته "المرأة الجديدة" نوعًا من المحاكاة الساخرة للحركة المتصاعدة التي كان قائدها "قاسم أمين"، وعُرف الحكيم بعد هذه المسرحية وغيرها من المسرحيات الجدلية بأنّه عدو المرأة، وحاول طيلة حياته أن يزيل هذه الوصمة التي أضحت من العلامات المميزة له، لكنّه بقي وبالرغم من كل هذا كاتبًا محبوبًا وشخصيةً مرموقةً في العالم العربي تركت تأثيرها في الدراما العربية إلى يومنا هذا.

ومزج توفيق الحكيم بين الرمزية والواقعية علي نحو فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض، وأصبح هذا الاتجاه هو الذي يكون مسرحيات الحكيم بذلك المزاج الخاص والأسلوب المتميز الذي عرف به، ويتميز الرمز في أدب توفيق الحكيم بالوضوح وعدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في الغموض؛ ففي أسطورة إيزيس التي استوحاها من كتاب الموتى فإن أشلاء أوزوريس الحية في الأسطورة هي مصر المتقطعة الأوصال التي تنتظر من يوحدها ويجمع أبناءها علي هدف واحد، و"عودة الروح" هي الشرارة التي أوقدتها الثورة المصرية.

وهو في هذه القصة يعمد إلى دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر، فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو جديد، وتتجلي مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان، ويكشف عن مهارة تمرس وحسن اختيار للقالب الفني الذي يصب فيه إبداعه، سواء في القصة أو المسرحية، بالإضافة إلي تنوع مستويات الحوار لديه بما يناسب كل شخصية من شخصياته، ويتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي؛ وهو ما يشهد بتمكنه ووعيه. ويمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد المعاني والدلالات والقدرة الفائقة علي التصوير؛ فهو يصف في جمل قليلة ما قد لا يبلغه غيره في صفحات طوال، سواء كان ذلك في رواياته أو مسرحياته. 

واعتنى الحكيم عناية فائقة بدقة تصوير المشاهد، وحيوية تجسيد الحركة، ووصف الجوانب الشعورية والانفعالات النفسية بعمق وإيحاء شديدين، بقيت المسرحيات العربية في المسارح المصرية وخاصة الغنائية منها حتى عشرينيات القرن الماضي تُلقى باللغة الفصيحة، واستمرت مسرحياته الفلسفية من أمثال "شهرزاد والسلطان الحائر" بالنجاح حتى أنّها تعتبر من كلاسيكيات المسرح المصري، وكتب الحكيم أكثر من 50 مسرحية ليكون بذلك مؤسس الدراما العربية الحديثة.

ويُعد الحكيم من الأسماء البارزة في تاريخ الأدب العربي الحديث، وأحد الرموز الفكرية إلى جانب العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ، في فترة شهدت فيها مصر حركة ثقافية هامة، أثرت على المنحى السياسي الذي استقطب بعضهم لخدمته، وكانت للطريقة التي استقبل بها الشارع الأدبي العربي إنتاجاته الفنية، بين اعتباره نجاحًا عظيمًا تارة وإخفاقًا كبيرًا تارة أخرى، الأثر الأعظم على تبلور خصوصية تأثير أدب توفيق الحكيم وفكره على أجيال متعاقبة من الأدباء.

وعاصر الراحل الحربين العالميتين 1914 – 1939، وعاصر عمالقة الأدب في تلك الفترة مثل مصطفى صادق الرافعي وطه حسين والعقاد وأحمد أمين وسلامة موسى، وعمالقة الشعر مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وعمالقة الموسيقى مثل سيد درويش وزكريا أحمد والقصبجي، وعمالقة المسرح المصري مثل جورج أبيض ويوسف وهبي والريحاني، كما عاصر فترة تراجع الثقافة المصرية في الفترة الممتدة بين الحرب العالمية الثانية وقيام ثورة يوليو 1939 – 1952، هذه المرحلة التي وصفها في مقال له بصحيفة أخبار اليوم بالعصر "الشكوكي"، وذلك نسبة محمود شكوكو.

ولد توفيق الحكيم في 9 أكتوبر عام 1898 بمدينة الإسكندرية، لأب مصري من أصل ريفي يعمل في سلك القضاء، وكان من أثرياء الفلاحين، وأم تركية أرستقراطية، ابنة أحد الضباط الأتراك.

التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية وهو في سن السابعة، وانتهى من تعليمه الابتدائي عام 1915، ثم ألحقه أبوه بمدرسة حكومية في محافظة البحيرة، لكنه انتقل مع أعمامه إلى القاهرة لمواصلة الدراسة في مدرسة محمد علي الثانوية لعدم وجود مدرسة ثانوية في بلدته.

وتفاعل مع ثورة 1919 وقبض عليه مع أعمامه وقبض عليهم واعتقلوا بسجن القلعة، لكن والده نجح في الإفراج عنهم، وعاد للدراسة مجددًا وحصل على شهادة البكالوريا عام 1921، وتخرج في كلية الحقوق عام 1925، فابتعث إلى فرنسا لمتابعة الدراسات العليا.

واشتغل توفيق الحكيم لفترة قصيرة بمكتب أحد المحامين، ثم عمل بعد عودته من باريس وكيلًا للنائب العام سنة 1930، عين بعدها مفتشًا للتحقيقات بوزارة المعارف عام 1934، ثم مديرًا لإدارة الموسيقى والمسرح بالوزارة عام 1937، التي استقال منها عام 1944.

وبدأ الكتابة باسمٍ مستعار "حسين توفيق"، ليبعد العار عن عائلته التي كانت تعتبر مثل معظم العائلات في ذلك الوقت أنّ الكتابة مسعىً تافه لا يليق بالعائلات المميزة، وكانت معظم هذه المسرحيات للمسرح العام، لامست تلك المسرحيات الغنائية والكوميدية جوانب اجتماعية وسياسية، فتطرقت مسرحية "الضيف الثقيل" إلى الروح القومية متزايدة الحماس في تلك الفترة في مصر إبان ثورة 1919.

وبدأ الحكيم يتردد على مسرح جورج أبيض، وهو يدرس في المرحلة لثانوية بالقاهرة، وشعر بانجذاب إلى الفن المسرحي، وخلال دراساته العليا بباريس اطلع على الأدب العالمي وبخاصة اليوناني والفرنسي، فاتجه إلى الأدب المسرحي والروائي، وانصرف عن دراسة القانون، فاستدعاه والده بعد ثلاث سنوات، دون أن يحصل على الدكتوراه.

وعانى الحكيم من صدمةٍ ثقافيةٍ عكسية عندما أجبره والده على العودة من باريس إلى مصر. ونجد ذلك جليًا في حنينه إلى السنوات الجميلة التي قضاها في باريس.

وصدرت مسرحيته الأولى "أهل الكهف" عام 1933، فاعتبرها النقاد بداية ظهور تيار ما يسمى بالمسرح الذهني "حدث ذهني يصعب تمثيله مسرحيًا"، وكان الحكيم أول من استلهم في أعماله المسرحية موضوعات مستمدة من التراث المصري عبر عصوره المختلفة.