الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: استمر

صدى البلد

الأسود حيوانات اجتماعية تعيش في مجموعات مترابطة، تتمتع بمكانة كبيرة بين الضواري، ولا يُشترَط أن تأكل من صيدها فقط، بل يسرق الأسد فرائس الضواري الأخرى كالضّباع، والفهود، والكلاب البريّة لأنها بصفة عامة لا تنجح غالبًا في المحاولة الأولى للصيد، بل تفشل في ثلاثة أرباع محاولاتها تقريبًا،
ما يعني أنها لا تنجح في الظفر بالفريسة إلا في رُبع محاولاتها، وذلك خلافًا لما يعتقده البعض؛ بسبب الأفلام الوثائقية التي لا تركز سوى على نقل المحاولات الناجحة للمشاهد، بينما في الحقيقة تفشل الأسود في 75% من محاولاتها و تنجح في 25% منها فقط.
لكن ذلك الفشل المتكرر لا يمنعها من إعادة المحاولة وعدم الاستسلام واليأس، فرغم هذه النسبة الضئيلة التي تشاركها فيها معظم الضواري الأخرى التي منحها الله المقدرة على الصيد والمهارة في تعقب الفرائس كالنمور والفهود والضباع، إلا أنه يستحيل على اللّبؤة أو الأسد أن ييأس أو يتخلى عن محاولات المطاردة والصيد أويستسلم...

قد يكون الجوع سببًا رئيسيًا في هذا الإصرار وعدم إستسلام اللّبؤة أو الأسد، لكنه بالتأكيد لن يكون السبب الأوحد كما يمكن أن يظن البعض، إنما هو استيعاب الحيوانات غريزيًا للقانون الذي ينظم الحياة وتعمل به الطبيعة كلها، فتقوم بمواجهة عثراتها فطريًا وتكرار المحاولة لتستكمل دورة حياتها دون استسلام، والأمثلة كثيرة، فنصف بيض الأسماك تقريبًا يتم التهامه قبل الفقس، لكن ذلك لا يدعو الأسماك إلى الامتناع عن البيض وتوفير الجهد المبذول فيه، وكذلك نصف مواليد الدببة تموت غالبًا قبل البلوغ، كما أن سبعة وخمسين بالمائة من أشبال الفهد الصياد تموت، ويصل البعض بتلك النسبة إلى تسعين بالمائة بسبب الأمراض والأوبئة،
كما يتسبب الافتراس أيضًا بمقتلها من قِبل الضباع والنمور والأسود، لكنها رغم كل ذلك لا تتوانى عن إنجاب الصغار وحمايتها؛ لأنها كباقي الكائنات تستوعب القانون الإلهي الذي ينظم سير الحياة، والأمثلة في هذا الموضوع كثيرة ومتنوعة.
فمعظم أمطار العالم تهطل في البحار والمحيطات بعيدًا عن مناطق الزراعة، كما أن نسبة كبيرة من بذور النباتات تأكلها الطيور والعصافير قبل الحصاد أو وقت الزراعة،
وقد يتعلق الأمر بواحدة من أعظم المعجزات التي قلما يتصورها العقل البشري في واقع الأمر عندما ينجح حيوان منوي واحد من ضمن ملايين الحيوانات في تخصيب بويضة، ففي كل مرة يقطع هذه الرحلة الشاقة أكثر من خمسين مليون حيوان منوي يتنافسون فيما بينهم على أمل التلاحم والتخصيب، لكن الملايين من هذه الحيوانات المنوية لا تنجح في تخصيب البويضة، فذلك القانون المعروف بقانون الجهد المهدور، الذي يسري على الطبيعة كلها بلا استثناء دون اعتراض.

وحده الإنسان رغم تمييز الله سبحانه وتعالى له بالعقل مازال يرفض هذا القانون الطبيعي الكوني ويعتبر أن عدم نجاحه في المحاولة الأولى أو بعد بضع محاولات قليلة يجعل منه إنسانًا فاشلًا فيستسلم للفشل!!!
لكن الحقيقة هي أن: الفشل الوحيد هو التوقف عن المحاولة والاستسلام للفشل.
فالنجاح لا يعني أن تنجح من المحاولة الأولى بالضرورة، 
أو أن يكون لديك سيرة حياتية خالية من الفشل و العثرات والسقطات، بل النجاح هو أن تمشي فوق أخطائك وتتخطى كل مرحلة ذهبت جهودك فيها هدرًا وتتطلع إلى المرحلة المقبلة بأسلوب وطريقة مختلفة مستفيدًا من أخطائك السابقة.
( استمر ) كلمة بسيطة لكنها تلخص المعنى الحقيقي لهذه الحياة،
( استمر ) أي كرر المحاولة ولا تتوقف حتى وإن تكرر الفشل،
لا بأس أن تتعثر فمازال هناك متسع من الوقت كي تستقيم، ومازالت أمامك الفرصة في النهوض من جديد  وتحقيق النجاح مادام اليأس لم يعرف طريقه إليك؛ فملايين الكائنات الحية لم تصل الى تكيفها الناجح مع وسطها البيئي الذي تعيش فيه إلا بعد سلسلة من الجهد والتعب الذي ذهب هدرًا، لكنه في النهاية لن يكون بلا فائدة، كما تفسر ذلك نظرية التطور، التي تقول بأنَّ التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ قادرة على التكيّف مع البيئة المحيطة.
فأستمر وانهض من جديد بعد كل عثرة، وحاول بطريقة مختلفة، وسيتغير كل شيء، لكن لا تستسلم للفشل، فقط ابدأ، ستصل.