الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. رأفت محمود يكتب: لبنان.. عندما احترقت شجرة الأرز

صدى البلد


إنها لعنة اللا دولة، قصة لبنان هي دراما المنطقة التي نحياها هنا منذ عقود، افشال الدول، التي يدفع ويستثمر فيها كل الاوغاد لتبقى لينة طيعة للنوايا الخبيثة، طوائف ومليشيات وولاءات لدول وديانات ولم يعد أحد يذكر لبنان، قصة نراها تتكرر في ليبيا، وتكررت في اليمن وحدثت في سوريا وفى العراق، وفى الصومال.
عروسة ماريوت يحركها أخرون جالسون في غرف مكيفة في دول أخرى، قراراها خارج الأرض اللبنانية وينهش في جسدها الكثير من الاوغاد، سقطت لبنان عندما أصبحت مذبح لدول في المنطقة، فأُحرقت شجرة الأرز وكل زهورك يا لبنان.
انفجار مرفأ بيروت لم يكن الحدث الحقيقي بل عنوان للفشل الذي تعاني منه الدولة اللبنانية، منذ حرب الطوائف اللبنانية وهذا البلد الجميل يلملم أشلاءه لا تقوم له قائمة حتى تحدث له فاجعة، غزت إسرائيل أرضة وكادت تحتل بيروت، قتل رئيس وزراء له مثل رمز وازدهرت وأملت أن تعود بلد الشرق الجميل فقتل الرجل في عاصمته.
في اجواءه وعلى أرضه جرت معارك بين السورين والإسرائيليين، ملك جنوبه حزب الله الذي ترتهن قراراته بما تقرره طهران يحارب بإشارة منها ويداهن بإشارة منها.
دولة تأخذ قواه الحزبية والمؤسسية قراراتها من عواصم دول أخرى، دولة عنوانها المحاصصة بتقسيم سلطته بين قواه السياسية والدينية ولمن غلب وسيطر وملك السلاح والنفوذ كحزب الله بسلاحه في الجنوب وفى كل مكان في لبنان، قسمت سلطته بين ثلاث هذا للسنى وهذا للشيعي وهذا للمسيحي، واعتمد كل فصيل على داعم خارجي يستمد منه الدعم لمواجهة الغرماء الأخرين، فتحزب الجميع حول ما في يده وتُرك لبنان، ولم يعد أحد يهتم برى شجرة الأرز حتى جفت، ويبست أوراقها.
سار الفشل عنوان لبنان، أجمل بلدان الشرق تعاني من مشكلة قمامة، عاصمة الفن والثقافة والجمال، أصبحت مأوى للدسائس والقتل، تملأ سماءها طائرات اسرائيل كل ليلة وتطير من فوق اراضيها صواريخ الكاتيوشا بدلًا من حمامات السلام. 
 كانت عنوان للأمل في المنطقة وباتت عنوان كاشف لحال المنطقة، حالة اللا دولة التي يراد تعميمها على كل بلداننا.
تلك المعضلة التي واجهتها مصر بكل قوة أو كما قال رئيسها الحفاظ على الدولة كمسك اليد للجمر، معاناة البقاء الذي كافحت من أجله مصر بعد 2013 لتبقى دولة ولائها لذاتها، علمها واحد قرارها من بيت حكمها، جيش واحد يحميها وشعب ولاءه لها وليس لأي كيانات أو دول ترغب في عودة استعمارها للمنطقة كما أملت تركيا، وبالطبع إيران واسرائيل.
لبنان يحترق بنار اللا دولة التي ترغب في استشراءها تركيا وإيران واسرائيل وكل الغربان والضباع، فألقى الانفجار بأحجار كبيرة اصابت رؤوس كثيرة لعلها تفيق من غيها ولن تفيق وتبتعد عن لبنان الذي مسكت بتلابيبه أيادي ثعابين كثيرة من المنطقة وخارجها، أراد شعبها منذ عدة أشهر التعبير عن سآمة مما يحدث فخرج وتظاهر لعل وعسى بعد حالة الفشل التي أصابت مؤسساته.
دولة أصبحت صدى لما يحدث في عواصم أخرى، مفعول به، قرار الحرب بيد فصيل أطلق على نفسه حزب الله، تفرض عقوبات على إيران فيهدد الفصيل بالرد، دولة الانتماءات الدينية والحزبية والولاءات الخارجية هي التي تسيطر على قراراته، فانطفأت شعلته بعد أن حام وطار الغربان في أجواءه وسمائه.
لم تملك لبنان غير البشر، هم سر هذه الدولة المشرقة التي ترمز الى الجمال والنشاط وحب الحياة، كانت كالزهرة البرية عندما كانت تسقى بمياه الحياة، عشقت الفن والابداع، فملئت عالمنا العربي بشعاع انار ظلمات كثيرة بمطابعها وصحفها وجمال طبيعتها وبشرها، إنها لبنان التي يرمز لها بشجرة الأرز التي زينت علمها، واجتزت الازهار من حدائقها وزرع مكانها بنادق وخناجر وأحرقت شجرة الأرز.
لن تزدهر شجرة الأرز قبل أن يعود الولاء إلى الدولة اللبنانية لها جيش واحد وعلم واحد يرفع فوق صواريها، يفرض سيادته على جميع مواطنيه، يملك قرار الحرب والسلام، تلك هي معايير الدول، تجدها مطبقة على كل اللاعبين في الداخل اللبناني إلا لبنان ذاته، ففقدت الدولة المعنى والمضمون، فبات مكب لنفايات الأخرين يلقون شرورهم داخلها، فليس هذا أخر عود ثقاب يشتعل داخلها، طالما ظل الوضع كما هو، تلك هي معضلة لبنان، بل تلك هي معضلة الكثير من دول المنطقة.