الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هادي التونسي يكتب: درس من لبنان

صدى البلد

لم أندهش كثيرا حينما ذاع نبأ توقيع ٣٦ ألف لبناني عريضة تطالب بعودة الانتداب الفرنسي، فالأمثلة عديدة حولنا بمن يستقوون ضد بني جلدتهم بالأتراك في ليبيا، و بإيران في العراق، و بمن يطالبون في مصر بعودة الخلافة، و بمن في عهد حكم الإخوان تطلعوا لتدخل عسكري اجنبي حتي لا يسقط حكمهم بإرادة شعبية، بل لمن يحنون لعهد الملكية و للدعوة للاستقلال لانهم يتصورونه عهد الملك و الإنجليز ، فأين من كل هؤلاء بالكفاح في القرن العشرين من أجل الاستقلال و آلاف الشهداء، لماذا تردي الانتماء الوطني و علا الانتماء الطائفي و الديني؟ و لماذا نسي هؤلاء مآسي الاستعمار الغربي و الخلافة العثمانية؟.

 
قد يتعلل بعضنا، و هم علي علي صواب، بمخططات تقسيم المنطقة علي أسس عرقية و طائفية و حروب الجيل الرابع وبأن المنطقة مستهدفة وبأن الاستعمار يتعلل بالديمقراطية التي يريدها لنا فوضي، لانه يختار التحالف مع مروجي الفتن و الحكم الديني، و ليس مع من يريدون التنمية والحكم المدني الديمقراطي الحق في سعيه لإضعاف و تفتيت الدول و تمكين إسرائيل  و نهب الموارد، و هذا إن كان صحيحا، لكن هكذا هي السياسة الخارجية ، باختلاف الشعوب، منذ فجر التاريخ؛ القوي يطمع و يفرض نفوذه، و الأضعف يتشدق بالحق و القانون، و ربما لو تبدلت الأدوار لأصبح الضحية هو الجاني.


لسنا وحدنا المستهدفين، فكل قوة ناشئة تتعرض لذلك ممن يخشي صعودها، تعرضت له الصين و البرازيل و ايران و غيرها باختلاف توجهاتها، والقوي يثبت وجوده و ينال استقلاله و مناعته.  نعم الاستعمار يريد افشال الدول ليستعيد نفوذه، و يراهن علي افتقارنا للقدرة علي الإدارة وحكم أنفسنا بأنفسنا و علي نقص القدرة علي التعايش مع الاختلاف و قبول الآخر و بناء التوافق علي المصلحة المشتركة علي نحو ما فعلت أوروبا المتباينة شعوبها لغة و عرقا و مذهبا، لكننا ايضا مسئولون عن ان ننجح مثلما نجحوا في عالم اليوم و علي ارض الواقع، فلماذا رضينا بإضعاف الهوية و الانتماء الوطني، و لماذا رضينا بمذاهب التدين الشكلي الممولة، و لماذا  رضي بعضنا بالاستعانة بالأجنبي علي بعضنا، و لماذا طمع بعض الاشقاء في موارد و أراضي  البعض، و لماذا ركن بعض حكامنا الي اخضاع شعوبهم بالقوة ليستمروا في الحكم في عصر العولمة و توسع الديمقراطية و التدخل الأجنبي بدعوي حقوق الانسان و غيره، و لماذا يبيع بعضنا وطنه بالمال، و يبيع بعضنا عقله لمن يوجهه و يستغله، لماذا تتحول أراضينا الي ساحات معارك بين قوي أجنبية لها وكلاء و عملاء بالداخل، لماذا يتحول بعض العرب الي مرتزقة للأجانب ضد عرب آخرين!.


هل لبنان بتركيبها الطائفي معمل لأفكار تعيد نظرية رسالة الرجل الابيض، و بعده التركي و الفارسي و الاسرائيلي! حكامنا هذه الأيام لا مفر لهم من الحكم الرشيد، وإلا فإننا نري العاقبة، شعوبنا كشعوب العالم تريد ان تتنفس حرية، تريد ان تتحاور و تتعايش، وإن كانت لا تعرف كيف، وللأسف عندما تنسد أمامها السبل يتصور البعض ان الأجنبي هو الملجأ و الحل ضد اخوته في الوطن، يتناسون حروب الاستقلال و فظائع الاستعمار و دماء الشهداء، وأن الأجانب بشر لهم أچندتهم التي ستسفر عن حقيقتها حينما تسمح الظروف، ليجدوا ان المنقذ تحول الي طامع جاثم فوق صدور، ارادت ان تتنفس حرية. لكن الحكام لا يعملون بمفردهم و ليسوا منزهين عن الخطأ، فعلينا كشعوب و مواطنين و منظمات مدنية ان نحيي الانتماء الوطني و الهوية، ونستعيد القيم الجوهرية لكل الأديان ،وأن نتعلم  كيفية التعايش و التوافق و الاحترام للآخر و حريته و حقوقه بعيدًا عن الوصاية و السيطرة و الاستعلاء. 


في لبنان أصبح حزب الله بدعوي مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ميليشيا مسلحة تفرض نفسها علي الإرادة الشعبية، و أراد الاخوان ان يفعلوا ذلك في مصر بتقليد تجربة الحرس الثوري الايراني، لكننا نري النتيجة؛ التسلط الداخلي في عصر  حقوق  الانسان يصل بالاحتراب الداخلي الي اوضاع تتيح التدخل الأجنبي . لبنان درس لنا جميعا؛ حكاما و شعوبا ، تنظيمات سياسية و مذاهب دينية .