الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مستشار المفتي يرصد خطورة قراءة الجماعات المتطرفة للسيرة النبوية

ابراهيم نجم
ابراهيم نجم

قال الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم  إن جماعات الإسلام السياسي اعتادت النظر والتعامل مع السيرة النبوية كمنهج سياسي حركي، يجعلونه مصدرا لأفكارهم وأعمالهم، ولأول وهلة قد لا يبدو أن هناك خطورة في هذا الأمر، متسائلا ما الضير من أن نجعل تحركات الجماعة وفق منهج حركة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولكي نجيب عن هذه الشبهة لابد أن نعلم أولا أن السيرة النبوية هي الجانب التاريخي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهي تتناول السياق التاريخي لحياة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، من البعثة الشريفة حتى انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.

وأضاف نجم، أن السيرة وحدها ليست مصدرا للأحكام الشرعية، وهي لا تكفي بمفردها أن تكون مصدرا لاستنباط الحكم الشرعي التفصيلي، لأنها جزء من السنة وليست كل السنة، وقد يكون فيها من الأحكام ما صار منسوخا غير معمول به بحسب التدرج التشريعي الذي أنزل الله عليه الأحكام حتى صارت إلى الصورة الأخيرة المحكمة في نهايات المرحلة المدنية، هذه واحدة

 والثانية أن رواة السيرة النبوية كابن جرير الطبري وخليفة بن خياط وابن سعد والواقدي وابن إسحاق وابن هشام وغيرهم كان يعلمون جيدا أن وظيفة كتب السيرة هي ذلك الرصد التاريخي فقط لحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون استنباط الأحكام وإن اعتمدوا فكرة السرد بواسطة الإسناد، إلا أنهم لم يعتمدوا نفس المعايير الإسنادية الدقيقة التي اعتمدها المحدثون في كتب السنة من وثاقة الرواة واتصال الإسناد ونفي الشذوذ والعلة عن الخبر سندا ومتنا لاعتبار الخبر صالحا للاستدلال في استنباط الحكم الشرعي .

وأوضح: أن هذه المعايير تختلف بين المحدثين والفقهاء إلا أن الجميع اتفق على أن الخبر يجب أن يصل إلى درجة عالية من الصحة حتى يكون مصدرا لمعرفة الحلال والحرام، سواء من جهة الإسناد منفردا أو بمجموع الطرق وما يدعم صحة المتن من شواهد وقرائن كشيوع العمل به عند الصحابة الكرام وإن ضعف إسناده ، والقاعدة المعروفة المشهورة عند المحدثين أنفسهم أن الخبر الذي يتشدد فيه هو الخبر المنقول في الحلال والحرام أما أخبار السير والمناقب والتواريخ والترغيب والترهيب والفضائل، فلم يشددوا فيها هذا التشديد، لعلمهم بوظيفتها وأنها ليست مصدرا للأحكام إنما يؤخذ ذلك من كتب السنة المعتمدة.

وأشار إلى أن المحدثين اعتمدوا رواة السير كالواقدي وابن إسحاق في هذا الجانب على ما فيهما من جرح معروف عند المحدثين ، وأنت ترى الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب يحكم على الواقدي بالضعف الشديد إلا أنه وفي نفس الكتاب وصفه بسعة العلم بل واعتمد أقواله في مواضع من التقريب وتهذيب التهذيب فيما يتعلق بجانب التواريخ والسير.

ويقول في التقريب في  سيف بن عمر الضبي (ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ) لأن الرجل قد يكون ضعيفا في فن ثقة حجة في فن آخر، رغم أن الحديث والتاريخ علمان يقومان على فكرة الإسناد، غير أن لكل منهما خصائصه وسماته الإسنادية المختلفة، وهذا الأمر لا يقلل أبدا من شأن كتب السيرة النبوية ولا يطعن في اعتمادها ومصداقيتها كمصدر للسير والأخبار، لكنه يحدد مجالها ووظيفتها التي ينبغي أن يتنبه لها الباحث حتى لا يتحول إلى حاطب ليل، وحتى لا يخل بالمنهج العلمي الذي سار عليها أهل العلم قديما وحديثا، هذا من ناحية التوثيق

 وأما من ناحية الإسقاط فإن تلك الجماعات تتعامل مع المجتمعات المسلمة التي تعيش فيها باعتبارها مجتمعات جاهلية كافرة حالها أشبه بحال مكة حال بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنهم وعن طريق ظاهرة الإسقاط اعتمدوا مشروعية تكوين الجماعات والتنظيمات السرية المسلحة التي قامت بالكثير من الحوادث الإرهابية عبر تاريخهم الأسود بناء على فهمهم المغلوط لمرحلة سرية الدعوة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم  والتي لم تكن سرية بالمعنى الحركي التنظيمي المعروف الذي سارت عليه جماعات الإسلام السياسي، حيث لم تعن سرية الدعوة شيئا إلا عدم الإعلان عنها وعدم الجهر بها.

  وأن مباديء الدعوة الإسلامية من الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك والدعوة إلى فضائل الأعمال والعدل والخير كانت معروفة مشهورة عند مشركي مكة، بل وساوموا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يترك ما يدعوهم إليه من توحيد الله ونبذ الشرك وعبادة الأصنام في مقابل المال والملك، لكنه صلى الله عليه وسلم أبى إلا أن يستمر في دعوته إلى أن يظهرها الله تعالى، وأما الجماعات السلفية المعاصرة المتشددة فبسبب نظرتها المتطرفة لقضية التوحيد والشرك وقعت في إسقاط أقبح من إسقاط جماعة الإخوان، وهو اعتبار ما سارت عليه الأمة الإسلامية بمذاهبها الفقهية الأربعة المشهورة عبر القرون من إباحة التوسل بالأنبياء والأولياء وزيارة أضرحتهم الشريفة تبركا بها عملا شركيا يشبه تماما ما كان عليه المشركون من عبادة الأصنام من دون الله.

وشدد على أنهم حكموا على عموم الأمة الإسلامية عبر القرون السالفة وحتى الآن بالشرك والكفر، وقاموا بالدعوة إلى هدم الأضرحة الشريفة باعتبارها أوثانا تعبد من دون الله تعالى، قياسا على تحطيم النبي صلى الله عليه وسلم لأصنام مكة يوم الفتح، وقاموا بالفعل بهدم بل ونسف بعض الأضرحة في البلاد التي تمكنوا منها، ولا تقف خطورة اعتماد مبدأ السيرة النبوية كمنهج حركي عند هذه الجماعات المتطرفة عند هذا الحد بل تجاوز هذا إلى إطلاق القول بوجوب الهجرة من المجتمعات الإسلامية إلى غيرها،.

وتابع: كما قاموا بالعديد من عمليات القتل والاغتيال والتفجير بناء على فهمهم المعوج لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الجماعات تعتبر نفسها وحدها هي التي تمثل جانب النبي صلى الله عليه وسلم والثلة المؤمنة المستضعفة من أصحابه، وبقية المجتمع المسلم المقابل لهم يمثل المجتمع الجاهلي الكافر، وبالتالي فإن كبار رجال الدولة وعلماءها وقادة الفكر فيها لن يكونوا إلا ممثلين لأبي جهل عمرو بن بن هشام وأبي لهب والوليد بن المغيرة وعقبة بن أبي معيط وغيرهم من صناديد الكفر الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاولوا القضاء على دعوته الخالدة.

وأكد مستشار المفتي أن هذا الأمر وحده كاف في إصرار هذه الجماعات على هذا المنهج الفاسد، ويفسر لنا - في كافة مراحلهم وأطوارهم - صعوبة تراجعهم عن فكرهم المنحرف مهما تسبب لهم ولغيرهم من مفاسد ونكبات جراء تحول الفكر الحركي على أرض الواقع إلى جرائم إرهابية دموية، لا حل لمواجهتها إلا العقوبات القانونية الرادعة التي تتناسب مع هذه الجرائم، وهنا تستدعى صور أخرى من الإسقاط القميء حيث يقيسون حالهم الإجرامي الفاسد بحال الأنبياء والمرسلين، ويقيسون ما وقع عليهم من عقوبات عادلة رادعة على ما وقع من ابتلاء للأنبياء والصالحين، وهكذا سلسلة من الأخطاء والجرائم بدأت بالحياد عما اعتمده الأسلاف والعلماء من منهجية فقهية وأصولية إلى ابتداع منهج جديد في الاستنباط أطلقوا عليه المنهج الحركي للسيرة النبوية.