الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. عصام حجازي يكتب: في مفهوم الرزق والقدرات النفسية

صدى البلد

كان الكاتب النرويجي العظيم هنريك أبسن من أشد المؤمنين بنظرية fatalism  أو الجبرية أو أن الإنسان مجبور في كثير من أمور حياته وقد اتخذ من الأمراض الوراثية دلالة علي فكرة الحتمية التي تفرض علي الانسان ماهيته وهويته فالأقدار تضحك منا ، كما يرى علماء النفس أن كثيرا من قدرات الانسان ومهارات النجاح نتاج جينات وراثية وعملية تنشئة أجتماعية تشكلان شخصية الفرد ويغدو الانسان ليس صنيعة إرادته بل صنيعة أقداره وحظه الذي شكل جيناته وبيئته التي أكملت التكوين النفسي الخاص به فعلي سبيل المثال يري الباحثون في علم النفس أن كثيرا من مهارات النجاح والتي أطلقوا عليها مصطلح Executive skills  محصلة القدرات النفسية للانسان فمعظم من يعانون من أمراض الاكتئاب والتروما trauma أو تعرضو لاستغلال جنسي أو نفسي في الطفولة لديهم خلل واضح في تنيمة مهارات التخطيط والتنظيم وإدارة الوقت والتحكم في الانفعالات كما يعانون من مشاكل في إدارة الذات self-management  وإدارة العلاقات مع الاخرين وهم بطبيعتهم شخصيات مبعثرة وضعيفة التركيز وتفقد شغفها بسرعة كما يخفت حماسها بعد كل بداية عمل كما أن ضعف القدرة علي المبادرة في القيام بأي عمل يؤثر علي تنمية عديد من المهارات المرتبطة بها مثل مهارات التركيز ومهارات الضبط الأنفعالي emotional control  ولفت نظر الباحثين ملاحظة غريبة يصعب تفسيرها هي لما يوجد أخوان في أسرة واحدة يتمتع أحدهما بمهارات التركيز والتخطيط والتنفيذ ولا يتمتع الاخر بأي منها ولماذا يعاني أحدهم في اكتساب مهارة يشعر الاخر بانها فطرية وتتم داخله دون أدنى جهد؟!

وحتي افتقاد المهارات عند الفرد العادي لا يكون بدرجة واحده عند الجميع فبعضنا قد يعاني حتي يطور مهارات التركيز وبعضنا قد يحتاج تدخل طبي وزيارات لأخصائي نفسي من أجل البدء في رحلة العلاج بينما يكفي البعض الاخر أن يقرأ كتاب من كتب تطوير الذات ليتعلم كيف يطور مهاراته ، الأمور ليست علي درجة واحده من البساطة  بل مركبة إلي أقصي درجة وغير مفهومة علميا في ماهية حدوثها كما أن الباحثين في علوم neurology  and neuropsychology  علم النفس العصبي وعلوم الأعصاب لاحظوا أن المهارات التي يطورها غالبيتنا حتى سن 25 سنة هي التي تبقى وتستمر حتي نهاية العمر مما يعني أن الفترات الأولى من عمر الأنسان هي المهيمنة والمحددة لغالبية قراراته.


ووجد بعض الباحثين أن المهارات المطلوبة للنجاح في العمل والدراسة والعلاقات الشخصية تصل في حدها الأدنى إلى 11 مهارة هي الأكثر ضرورة من أجل تحقيق الهدف بينما رأى بعض العلماء أن عدد هذه المهارات يصل في مجمله إلى 40 مهارة فقد يمتلك البعض مهارة التخطيط لكنه لا يملك مهارة التنظيم وقد يملك كلتا المهارتين لكنه لا يملك مهارة التعامل مع التوتر stress tolerance  او مهارة التحكم في الانفعالات emotional control وهما مهارتان مختلفتان ومتمايزتان.


والسؤال الذي أطرحه اليوم هو  إذا كانت مهارات النجاح في جزء كبير منها فطري وإذا كانت تلك المهارات المسئولة عن شقاء الانسان أو سعادته في الحياة  فضعف الانجاز وقلة الحيلة في بعض الأحيان هي صفات أصيلة في الفرد ،  فماذا يعني ذلك ؟ ببساطه يعني أن هناك درجة من درجات الايمان لابد أن نتحلى بها في التعامل مع الحياة فتقبل الذات أو ما يسمى في علم النفس self-acceptance  والتسامح مع أخطاء الفرد بل والاستمتاع بها هو أولي سمات التعايش والشعور بالسعادة لسنا كاملين ولن نكون كاملين وما خلقنا لتحقيق الكمال ويبقى انجازنا كل الانجاز في النضال struggle  من أجل تحسين فرصنا في الحياة ، تحسن ينبني علي "المعافرة" لا علي الحسد والشكوى فهي أرزاق مقسمة ولا ندرى لها سببًا إن كان هناك سبب