الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تفجير الوضع القائم وإعادة تشكيله .. العزلة تهدد مشروع أردوغان في شرق المتوسط.. الرفض العربي والأوروبي يحاصر التحركات التركية.. وأنقرة لا تمل من صناعة العداوات

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

  • أردوغان يصف خصوم تركيا في المنطقة بالقراصنة والاستعماريين
  • سياسة أردوغان الخارجية تجره إلى احتكاكات عسكرية مع أوروبا
  • تركيا تستفز الناتو بشراء منظومة صواريخ روسية
  • أنقرة تطلق حملة دبلوماسية لاستمالة أطراف إقليمية

تجند تركيا وتحشد كل ما تستطيع من قدرات دبلوماسية وعسكرية وسياسية واقتصادية في خدمة هدف يُعد المشروع الأهم لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "تفجير الوضع القائم في المنطقة وإعادة تشكيله بما يضمن هيمنة إقليمية تركية".

وبحسب صحيفة "سيبروس ميل" القبرصية، يمكن تفسير أي تحرك تركي على ضوء هذا الهدف أو المشروع، ومن هنا يمكن فهم الدوافع وراء طيف واسع من التحركات التركية، من إرسال قوات عسكرية تركية للتمركز في ليبيا وحتى تقديم عروض سخية لمساعدة لبنان على التعافي من آثار انفجار مرفأ بيروت، مرورًا بإرسال سفن للتنقيب عن الغاز الطبيعي خارج المياه الاقتصادية التركية وبما يشكل تعديًا على حقوق دول أخرى كاليونان وقبرص.

وفي كلمة ألقاها الأربعاء الماضي، أكد أردوغان أن "تركيا عازمة على المطالبة بحقوقها في شرق البحر المتوسط حتى النهاية"، واصفًا خصوم تركيا الإقليميين بـ "القراصنة والاستعماريين".

وأضافت الصحيفة أن نظام أردوغان يعتمد خطابًا صاخبًا يرمي إلى بعث الحماسة القومية في نفوس الأتراك وإحياء الأمجاد العثمانية في المخيلة الشعبية التركية، لكن ذلك لم يكن له أي أثر في اتجاه تبديد عزلة إقليمية ودولية متزايدة أنتجتها سياسة أردوغان العدوانية واستفزازه المستمر للجوارين العربي والأوروبي.

وتترجم هذه العزلة نفسها على الأرض في غياب التنسيق والتفاهم مع القوى المجاورة، والذي تنتج عنه احتكاكات خشنة ومتكررة، مثل حادث اصطدام سفينة تنقيب تركية بفرقاطة يونانية الاسبوع الماضي، والمناوشات التي وقعت الشهر الماضي بين سفن حربية فرنسية حاولت تفتيش سفينة في طريقها إلى ليبيا وبين سفن حربية تركية تصدت للسفن الفرنسية ومنعت تفتيش السفينة المقصودة.

وبالنسبة لقبرص، فإن تعدي أنشطة التنقيب التركية على المياه الاقتصادية الخالصة لقبرص يحرم الأخيرة من حقوقها في استغلال ثرواتها المشروعة.

ونقلت الصحيفة عن الباحث في الشأن التركي بمؤسسة "صندوق مارشال الألماني" للدراسات أوزجور أونلوهيسارجيكلي قوله "لا اعتقد أن أحدًا سيخرج رابحًا من هذا الموقف، لكن بالنسبة لتركيا يُعد ذلك في حد ذاته نوعًا من الانتصار، فحتى إن لم تكن تركيا ترغب حقًا في الحصول على موارد المنطقة لنفسها فإن حرمان الآخرين من استغلال هذه الثروات يجعل منها قوة إقليمية متفوقة".

وفي سبيل إضفاء غطاء شرعي على تعدياتها في شرق المتوسط، وقعت تركيا مع حكومة الوفاق الليبية في طرابلس اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في نوفمبر الماضي، ترتب لأنقرة حقوق استغلال ثروات تقع داخل المياه الاقتصادية الخاصة لليونان وقبرص.

واستكمالًا لمحاولة مد الغطاء الشرعي للتحركات التركية في شرق المتوسط، أطلقت أنقرة مؤخرًا حملة دبلوماسية، في إطارها زار وزيرا الخارجية والدفاع التركيين مالطا للقاء نظيريهما المالطيين، كما سارعت تركيا أيضًا إلى إرسال مساعدات إلى لبنان منذ الانفجار المروع في بيروت، وعرضت إعداد ميناء مرسين التركي كمركز بديل لأنشطة التصدير والاستيراد اللبنانية.

لكن هذه الخطط والتحركات التركية تصطدم دائمًا بمشكلة العزلة الإقليمية والدولية، فاليونان وقبرص مثلًا تتمتعان بدعم أوروبي من واقع عضويتهما بالاتحاد الأوروبي، ما يجعل الأخير طرفًا مباشرًا في الصراع على استغلال الموارد في شرق المتوسط. 

وفضلًا عن ذلك أثارت تركيا حفيظة حلف الناتو الذي تتمتع بعضويته من خلال شراءها منظومة صواريخ الدفاع الجوي إس 400 من روسيا، الخصم الأول للناتو، ولم يكن تصدي السفن التركية للسفن الفرنسية في الواقعة المذكورة آنفًا سوى اصطدام بشكل ما مع الحلف، لأن السفن الفرنسية كانت في مهمة استطلاع للناتو للتأكد من تطبيق حظر السلاح المفروض على ليبيا.

ويخوض نظام أردوغان سلسلة من المواجهات التي لا يمكن الانتصار فيها ضد أعداء صنع عداوتهم بنفسه، في منطقة جغرافية واسعة النطاق، تمتد من ليبيا إلى سوريا، ويصطدم بقوى إقليمية ودولية لا قبل له بمقارعتها فرادى أو مجتمعين، في مقدمتهم مصر والسعودية والإمارات واليونان وفرنسا وروسيا، فضلًا عن أطراف وفاعلين أصغر، في حين تظل قطر هي الداعم الثابت الوحيد لأردوغان، والتي تواصل ضخ الأموال في الاقتصاد التركي المتعثر بطرق متعددة.

وفي تقرير لموقع "أحوال" التركي، ذكر أنه مع أن نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس العامل الوحيد المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، فقد أصبح من الواضح تمامًا أن أردوغان يتبع مسارًا سيؤدي لا محالة إلى حروب إقليمية، ولا يتورع عن التلاعب بحلف شمال الأطلسي (الناتو) من خلال اتخاذ خيارات لا رجعة فيها تدفع الأمور إلى حافة هاوية خطيرة.

وخلص الموقع إلى أن الشعب التركي عليه أن يعي موقف بلاده جيدًا، وأن يستعيد زمام أمره وقدرته على تقرير مصيره والاختيار بين تركيا حديثة مزدهرة ترنو على المستقبل أو تركيا أصولية متشددة متعثرة اقتصاديًا ومتورطة في حروب إقليمية بلا نهاية.