الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.أحمد مصطفي : من حق الرئيس السيسي أن يغضب

صدى البلد


 الأرض الزراعية ليست كغيرها من أنواع الأراضى، فالمستهلك لخيراتها من ما تُنتجُه من مُنتجات ومحاصيل زراعية بمُختلف أنواعها هو شريك أصيل فى ملكيتها للفلاح (كحق أدامي وإنساني) بما يُحرم على الأخير حرية التصرف فيها وتبويرها بما يُخالف القانون ؛ فليست الملكية المطلقة للأرض الزراعية للفلاح تمنحه الحق كمالك لها فى تغيير طبيعتها بتبويرها أو البناء عليها وتحويلها إلى أرض غير صالحة للزراعة.
فتبوير فدان واحد ينتج فاكهة أو خضروات وغيرها من المحاصيل يعنى مُباشرتًا تراجع كم المنتج منها ومن ثم إستغلال التُجار وغلاء الأسعار وكذلك الإضطرار إلي الإستيراد من الخارج بما يُحمل خزينة الدولة أعباء مالية إضافية.
وعندما يتحدث إلينا السيد / وزير الزراعة المُحاسب /سيد القصير ويُطلعنا بأن إجمالى الأراضى الزراعية فى مصر يبلغ ٩.٤ مليون فدان، وأن أعمال البناء المخالف والتبوير لها قد تسبب فى تناقصها بنسبة ١٢٪ أى ما يعادل مليونًا و١٢٨ ألف فدان بحسب المستشار نادر سعد المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، هُنا يصبح مفهومًا لدينا لماذا غضب الرئيس /عبدالفتاح السيسى كل هذا الغضب، وربما كان من حقه كرئيس دولة يتحمل المسئولية بكُل شرف وأمانة ونزاهة ونحنُ أيضًا أن نغضب أكثر إذا علمنا أن تكلفة استصلاح فدان واحد من الأراضى الصحراوية تبلغ بحسب وزير الزراعة نصف مليون جنيه أى أننا نحتاج لتعويض الأراضى الزراعية التى خسرناها ما يزيد على نصف تريليون وخمسة مليارات جنيه.
ويمكنك عزيزي القارئ مُراجعة تلك الأرقام بإستخدام الآلة الحاسبة أو حتي بطُرق الحساب العادية  لتعرف حجم الكارثة التى نحن بصددها وما نحنُ قد وصلنا إليه.
 يضاف إلى كل تلك الخسائر نشوء/ظهور وبناء مالايقل عن  ٣٢ ألف تجمع سكنى عشوائى تقريبًا تابع لـ٤٥٠٠ قرية مصرية وذلك نتيجة التعدى على الأراضى الزراعية ويطالب سكانها ببنية تحتية مُتكاملة من كهرباء ومياه شُرب وشبكات صرف صحى وشبكة طُرُق ومرافق خدمية مُتكاملة كالصحة والتعليم وما إلى ذلك.
كل تلك الأخطاء والإنتهاكات والتعديات ارتكبت عبر عقود طويلة من الزمن تأسس خلالها تحالف بين قيادات وأوكار وبؤر الفساد فى المحليات وبعض مُلاك الأراضى الزراعية، وقد ساعدت سنوات الفوضى التى تلت أحداث يناير لعام ٢٠١١ ذلك التحالف على تسريع وتيرة نشاطه الذى امتد إلى الأراضى المملوكة للدولة بحيث أصبحنا نقرأ أرقامًا خيالية عن حجم التعديات التى يتم إزالتها واكتشافها فى كل المحافظات المصرية بدون استثناء.
ومع ذلك يؤكد الرئيس /السيسى أن الدولة هى من ستتحمل تبعات تلك الأخطاء والإنتهاكات من خلال بناء وحدات سكنية مُتكاملة بديلة لأولئك الذين تعدوا على حرمات الوطن دون أن يشعُروا بذنب أو تأنيب ضمير، وكأن سرقة أرض الدولة فعل مشروع ومُباح بل وحق مكتسب لهُم .
وينطبق هنا مفهوم السرقة والإنتهاك على الأرض الزراعية المملوكة للأفراد، وتلك التى تملكها الدولة فكلاهما انتقاص من حقوق المصريين فى خيرات بلدهم.
فقطاع لا بأس به من الفلاحين والمُزارعين، ونتيجة لبعض السياسات والقرارات التى جعلت النشاط الزراعى غير ذى جدوى بالنسبة لهم لجأوا إلى تبوير أراضيهم لتدخل فى كوردون المبانى حيث يرتفع سعرها إلى أضعاف مُضاعفه؛ بينما لجأ قطاع آخر خاصة ممن سافر أبناؤهم للعمل فى الخارج أو تولوا العمل في وظائف حكومية كانت أو خاصة أو إنشاء مشاريع غير زراعية إلى البناء على ما يملكون من أراض زراعية بعد أن هجروا مهنة الفلاحة وأصبحت غير مواتية لهم بسبب ظروفهم الجديدة.

 وفِي النهاية تعددت الأسباب والجُرم واحد، وأحسنت الدولة أن تحركت بكامل أجهزتها وبكل هذا الحسم فى التعامل مع هذا الملف الذى تقترب خطورته وكارثيته من خطورة سد النهضة (بحسب قول الرئيس)، لكن وإلى جانب إجراءات المواجهة الصارمة ننتظر من أجهزة الدولة الرقابية والسيادية أن تواصل (ونحن نثق في ذلك) كامل جهودها  في تلك الحربًا الضروس التي تشنها على قيادات الفساد داخل المحليات من مستوى القرية والحى والمركز  وحتي إلى مُستوي المحافظة.
وليس ذلك فحسب، بل هُناك إجراءات قد يحتاجها الفلاح لتشجيعه على الإستمرار  فى زراعة أرضه بداية من توعيته بأساليب وتكنولوجيا الزراعة الحديثة ذات الإنتاجية الكبيرة والمردود المالي الكبير  والمنخفضة التكاليف وذلك عبر وحدات وإدارات الإرشاد الزراعى التابعة لوزارة الزراعة بكافة المُحافظات ، وكذلك دعم الفلاح كما  تفعل الدول الكُبري ونحنُ لسنا أقل منهُم وذلك بكل ما يحتاجه من مستلزمات زراعية مُنخفضة التكاليف وإلغاء الجمارك على الآلات الزراعية المستوردة وغيرها من المستلزمات كونها أدوات إنتاج سيما وأن الدولة تتبع نفس النهج فى دعم بعض الصناعات.
عزيزي القارئ تخبرنا البرديات أن المصرى القديم كان يخاطب ربه عند الممات قائلًا: «يارب قد زرعت الأرض وحرثت الحرث ولم أجر عليها»، وهو ما ترجمه المصرى الحديث فى مقولته الشهيرة «الأرض عرض»، فأين نحن من هذه القيمة اليوم؟ ولماذا بات المصرى يستحل تبوير الأرض أو سرقتها.
ظنى أن فتوى تحريم الصلاة فى المساجد المشيدة على أراضى الدولة المنهوبة لا يكفى وكلنا مطالبون بمراجعة الخطاب الدينى والثقافى والاجتماعى الذى فشل فى ترسيخ قيمة غرس الفسيلة فى الأرض، بل وربما ساعد على استحلال الحرام بتبوير الأرض أو سلبها.