الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هولوكوست نتنياهو الجديد.. هل يقدم رئيس الوزراء ناخبيه قربانا لفيروس كورونا ليحتفظ بعرشه؟.. فوضى غير مسبوقة تقوض بنية إسرائيل.. وحملة للعصيان المدني تحاصر الحكومة

رئيس الوزراء الإسرائيلي
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

ليبرمان يدعو إلى عصيان إجراءات الحكومة الإسرائيلية للوقاية من فيروس كورونا
زعماء كتل المعارضة في الكنيست يطالبون نتنياهو بالتنحي وتحمل مسئولية الفوضى
نتنياهو يتراجع عن منع رحلات دينية إلى أوكرانيا خوفا على شعبيته بين اليهود المتدينين
استطلاعات الرأي تكشف نزيفًا خطيرًا في شعبية نتنياهو بين جمهور ناخبيه التقليديين

ذات يوم قبل نصف قرن، سك وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر قولا مأثورا مفاده أن "إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية، وإنما فقط سياسة داخلية".




وبحسب موقع "المونيتور" الأمريكي، فطوال نصف القرن المنصرم منذ صاغ كيسنجر عبارته تلك لم تزدد الأوضاع في إسرائيل إلا سوءًا، والآن مع الانتشار المتزايد لفيروس كورونا غدت إسرائيل على شفير فوضى لم تختبرها من قبل.


وأضاف الموقع أن المسمار الأخير في نعش النظام والاستقرار في إسرائيل كان دعوة رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الدفاع السابق أفيجدور ليبرمان للإسرائيليين، الاثنين الماضي، إلى عصيان تعليمات الحكومة بشأن الإجراءات الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا.


وقال ليبرمان "أدعو الإسرائيليين إلى التصرف بوحي من الحس السليم وليس وفقًا للإرشادات الحكومية"، متهمًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتضحية بالصحة العامة في سبيل الإبقاء على تماسك الائتلاف الحاكم.


وبعدما لاحظ نتنياهو الصدى الواسع لدعوة ليبرمان، أرسل خطابًا إلى زعماء كتل المعارضة في الكنيست، بمن فيهم ليبرمان نفسه، يناشدهم بالتوقف عن تقويض الحكومة، فما كان منهم إلا أن أعادوا إليه ردودًا غاضبة، مطالبين إياه بتقديم استقالته والاعتراف بمسئوليته عن الفوضى.


وتعكس دعوة ليبرمان ما يبدو أنه حملة وشيكة لإعلان عصيان مدني منظم ضد الحكومة الإسرائيلية، فحجم ثقة الجمهور الإسرائيلي في فعالية قرارات الحكومة المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا بلغ حضيضًا لم تعرفه حكومة أو سياسة إسرائيلية من قبل، وأكثر من ثلثي الإسرائيليين ينعتون إدارة حكومة نتنياهو للأزمة بالفشل.


وعلاوة على ذلك، فقدت الحكومة الإسرائيلية بالكامل تقريبًا القدرة على إصدار تعليمات مقبولة للجمهور وترجمتها إلى أفعال، والانطباع السائد الآن بين عموم الإسرائيليين هو أن كل شخص يتصرف على مسئوليته بدون ضوابط.

 
وخلال الأيام الأخيرة، حطمت إسرائيل جميع الأرقام القياسية السابقة لعدد التشخيصات اليومية للإصابة بفيروس كورونا، متجاوزة حاجز 3000 إصابة جديدة يوميًا، ومرسلة موجات من الصدمة في جميع أوصال النظام، بدءًا من نتنياهو وحتى رؤساء أجنحة مستشفيات عزل وعلاج المصابين بفيروس كورونا.


وفي 3 سبتمبر، قدم المسئول عن مكافحة فيروس كورونا في إسرائيل الدكتور روني جامزو خطة لفرض الإغلاق على 10 مدن وأحياء ينتشر فيها فيروس كورونا بكثافة خطرة، ومعظمها مدن وأحياء غالبية سكانها إما من العرب أو اليهود المتشددين دينيًا، وهما المجموعتان السكانيتان الأكثر تضررًا من فيروس كورونا بسبب سكنهما في مناطق مكتظة وعالية الكثافة السكانية، وانتشار عادات الالتئام في تجمعات كبيرة للاحتفال أو الصلاة في أوساطهما.


وبعد 3 أيام فقط من صدور توصية جامزو، أبلغ رؤساء بلديات المدن ذات الأغلبية السكانية من اليهود المتشددين نتنياهو بأنهم يدرسون وقف التعاون مع جامزو والالتزام بالتعليمات الوقائية الصادرة من الحكومة، بسبب الاستفزاز الكبير الذي تثيره لدى المتدينين. أما رؤساء بلديات المدن ذات الأغلبية السكانية العربية فكانت شكواهم من أن السلطات لا تطبق الإجراءات الوقائية في مدنهم أصلًا.


وبعد رؤساء البلديات، جاء أعضاء الكنيست المتشددون دينيًا ووزراء الحكومة الذين يدين نتنياهو لهم ببقائه في السلطة، حيث طلبوا عقد اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وجهوا له خلاله انتقادات حادة، ليس بسبب فشل إجراءات الإغلاق فحسب، وإنما بسبب الطريقة الهزلية التي تعامل بها نتنياهو مع موسم "الحج" السنوي لطائفة الحسيديم المتشددة دينيًا هذا العام إلى أوكرانيا.


وفي كل عام، يحج عشرات الآلاف من اليهود المتدينين إلى بلدة أومان الأوكرانية لإحياء ذكرى الحاخام ناخمان من بريسلوف المتوفى عام 1810، اعترافًا بدوره في إحياء الحركة الحسيدية.


وسعت السلطات الإسرائيلية والأوكرانية إلى منع موسم الحج هذا العام بسبب مخاوف من انتشار بفيروس كورونا، فأعلن اليهود الحسيديم الذين يعتبرون من ناخبي نتنياهو المتشددين أنهم لن يصوتوا بعد الآن لرئيس الوزراء، فما كان من نتنياهو إلا أن سارع إلى الانسحاب ونأى بنفسه عن قرار إغلاق أوكرانيا أمام الحجاج وفعل أكثر ما يجيده في مثل هذه الحالات: تشكيل لجنة وزارية لدراسة القضية ووضع "صيغة" للرحلة السنوية إلى أومان. ولم تكن محاولاته للتهرب من قضية أومان ناجحة تمامًا. 


لقد كان يوم السادس من سبتمبر فوضويًا بشكل خاص في إسرائيل، حيث انقلب اليهود المتشددون على نتنياهو بقوة، وعبر الجمهور عن اشمئزازه من أداء الحكومة. استسلم نتنياهو مرة أخرى، وتم إلغاء قرار الإغلاق التام في البلدات اليهودية المتشددة والعربية، واستبداله بقرار فرض حظر تجول ليلي على 40 بلدة تضررت بشدة من فيروس كورونا. وتم تأجيل هذا القرار أيضًا في الدقيقة الأخيرة من يوم 7 سبتمبر.


أصبح هناك شعور عام بالفوضى وفقدان سيطرة الحكومة نظرًا لعدم القدرة على الاتفاق بين مكوناتها على الحلول وتنفيذها وحشد دعم الجمهور. وفي الوقت الحالي، ليس لأي من هذا تأثير مدمر كبير على نتنياهو، فعلى الرغم من أن رضا الجمهور عن أدائه وصل إلى مستوى قياسي من التراجع، إلا أن الدعم لحزبه الليكود لا يزال ثابتًا ولا يزال الحزب الأكبر في الكنيست إلى حد بعيد.


مع ذلك، تكشف استطلاعات الرأي أن نتنياهو ينزف الكثير من رصيده لدى جمهور الناخبين الإسرائيليين، وربما كان يقنع نفسه بأن أزمة فيروس كورونا ما هي إلا جسر بين شاطئين سيعبره بأمان، لكن عليه أن ينظر قليلًا إلى الأسفل كي يرى أن الجسر يتشقق من تحت قدميه.