الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حرق المصحف يستفز أكثر من مليار ونصف مسلم.. والمؤسسات الدينية تنتفض: إرهاب بربري متوحش بكل المقاييس وجريمة نكراء تؤجج مشاعر الكراهية وتقوض أمن المجتمعات

حرق المصحف في أوروبا
حرق المصحف في أوروبا

شيخ الأزهر: 
حرق المصحف إرهاب بربري متوحش بكل المقاييس
حرق كتاب الله جريمة نكراء تؤجِّج مشاعر الكراهية وتقوِّض أمن المجتمعات
دار الإفتاء:
احترام المقدسات الدينية  أحد أهم حقوق الأمم والشعوب
جريمة حرق نسخة تصب في صالح المتطرفين والتيارات الإرهابية
التصرفات العنصرية لا تؤمن بالتعايش المشترك والتحاور بين الأديان


تُقدِم في الآونة الأخيرة بعض البلدان الأوروبيّة على حرق المصحف الشّريف، الأمور الذي يغضب جموع المسلمين في مَشارق الأرض ومغاربها فالمصحف الشّريف كلام الله المنزل على لسان خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه واحترامه وتقديسه، والإيمان بما جاء فيه واتباعه، كلُّ هذا من أسس الدّين الإسلاميّ.

وقال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنه على هؤلاء الذين تجرأوا على ارتكاب جريمة حرق المصحف الشريف أن يعلموا أن هذه الجرائمَ هي إرهاب بربري متوحش بكل المقاييس، وهي عنصرية بغيضة تترفَّع عنها كل الحضارات الإنسانية، بل هي وقود لنيران الإرهاب الذي يعاني منه الشرقُ والغربُ.

جرائم نكراء
وأضاف شيخ الأزهر عبر صفحته بـ«فيسبوك»: «ومما لا ريبَ فيه أن هذه الجرائم النكراء تؤجِّج مشاعر الكراهية، وتقوِّض أمن المجتمعات، وتهدِّد الآمال التي يبعثها حوار الأديان والحضارات».

وتابع: «وعلى هؤلاء أن يدركوا أن حرق المصحف الشريف هو حرقٌ لمشاعر ما يقرُبُ من ملياري مسلم حول العالم، وأن التاريخ الإنساني سيسجِّل هذه الجرائم في صفحات الخزي والعار».

وأدان الأزهر الشريف بشدة ما قام به أعضاء جماعة يمينية متطرفة بمدينة مالمو جنوب السويد، من حرق نسخة من المصحف الشريف ضمن تظاهرة عنصرية ضد الإسلام والمسلمين.

وأعلن الأزهر رفضه الشديد لتلك الأفعال العنصرية التي تنتهك الحريات دون أدنى احترام لمعتقدات الآخرين أو مقدساتهم، والتي جاءت بالتزامن مع اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا العنف بسبب الدين أو المعتقد، والذي يوافق 22 أغسطس من كل عام.

 الازدواجية في التعامل
وأكد الأزهر أن الازدواجية في التعامل مع أتباع الأديان لن تكون إلا سببًا في ارتفاع وتيرة الإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية، بما يتنافى مع مبادئ احترام حرية وحقوق الآخرين ومعتقداتهم، مشددًا على أن تلك الحوادث تؤجج مشاعر الكراهية بما ينعكس سلبًا على وحدة وأمن المجتمعات التي نسعى جميعا للحفاظ عليها. 

وطالب الأزهر الشريف بضرورة اتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات التي تكفل منع تلك الأفعال البغيضة والضرب على يد مرتكبيها بكل قوة، مع وضع الضمانات الكافية التي تكفل الحرية الكاملة للمجتمعات المسلمة في البلدان الأوروبية لممارسة معتقداتهم دون أدنى تهديد من الجماعات المتطرفة.

تعرض المسلمين لجرائم عنف
وأفاد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، بأنه بنظرةٍ اجتماعيّة فاحصة لمثل هذا الحادث المؤسف، بغية التعرف على دوافع بعض الأفراد لارتكاب ذلك الجُرم الشنيع بحق أحد مقدسات الدّين الإسلاميّ الحنيف؛ وجدنا أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تعرض المسلمين ومقدساتهم الدينيّة إلى جرائم عنف وإرهاب وكراهية؛ منها الفهم المغلوط لتعاليم الدّين الإسلاميّ، بالإضافة إلى الأعمال الإرهابيّة التي يقوم بها بعض المنتسبين إلى الإسلام، وهو منهم بريء.

وذكر أن من تلك الأسباب أيضًا «الوهم الاجتماعيّ» والذي يُشير إلى الاعتقاد المرضيّ الذي ينتج عن بعض الأحداث المشابهة للاعتقاد الراسخ في ذهن بعض الأفراد، ويستمر الفرد في تمسكه بوهمه على الرغم من وجود الدلائل التي تثبت له عكس ما يتوهم به، ثم ينتشر ذلك الوهم، ويخرج من إطار محدّد إلى نطاق أوسع في المجتمع، وهو ما حدث جليًّا في بعض المجتمعات الأوروبيّة، فقد توهّم بعض الأفراد وجود خطرٍ يهدّد حياتهم نتيجة انتشار الدّين الإسلاميّ والمسلمين في بلادهم، على غرار الأفعال الإرهابيّة الذي قام بها بعض الأفراد المنتميين إلى الإسلام، ومن ثمَّ تحول الأمر من مجرد حادثة إرهابيّة من بعض المجرمين إلى سيطرة للوهم الاجتماعيّ في عقول بعض العناصر المتطرّفة، والذي تم تناقُله وانتشاره عبر سنوات إلى شرائح اجتماعيّة أخرى، الأمر الذي جعلنا أمام مأساة حقيقيّة تكمن في معاداة كلِّ ما هو إسلاميّ، أو له علاقة بالمسلمين، وما يترتب على ذلك من جرائم عنصريّة في بعض الدول الأوروبيّة، والتي تحدث دون تعقُّل من منفذي تلك الجرائم.

وواصل: هذا هو ما ظهر جليًّا في جرائم انتهاك المقدسات الدينيّة في بعض الدول الأوروبيّة؛ فقد شهدت السويد حادثًا إرهابيًّا عام 2010 على يد شخص يُدعى "تيمور عبد الوهاب العبدلي" عندما قام بتفجير قنبلتين في وسط استكهولم، الأمر الذي لفت أنظار المجتمع السويديّ إلى اسم هذا الشخص وارتباطه بالدّين الإسلاميّ، ورسَّخ بعض الأفكار الخاطئة في عقول أبناء تلك الدولة، ومن ثم تكوين وسيطرة الوهم الاجتماعيّ الخاطئ لدى البعض بنشر الكراهية والعنصريّة ضد معتنقي الدّين الإسلاميّ ومقدساته.

ولفت إلى أنه استمرارًا لذلك الوهم الذي ظل مسيطرًا على عقول بعض الأفراد حتى عام 2020، قامت جماعة يمينيّة متطرّفة بحرق المُصحف في مدينة "مالمو" السويديّة، وتصوير ذلك عبر فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعيّ، ما أدى - فيما بعد- إلى خروج مظاهرات حاشدة للاحتجاج على مثل تلك الأفعال المعادية للإسلام.

وفي النرويج التي شهدت أولى الأحداث الإرهابيّة عام 2011 على يد أحد "الذئاب المنفردة" الذي يدعى "أندرس بهرنغ بريفيك" ضد الحكومة والسكان المدنيين ومعسكر الصيف الخاص باتحاد العمال الشباب، وهو ما أدى إلى وقوع بعض الأفراد تحت وطأة الوهم الاجتماعيّ أيضًا، وترسيخ الفكرة الخاطئة المعادية للدّين الإسلاميّ، واستمرار تلك الفكرة حتى نجد بعض المحاولات لحرق القرآن الكريم في عام 2019 في مدينة "كريستيانسند" جنوب النرويج، في مظاهرة تبنّتها جماعة يمينيّة متطرفة تسمى "أوقفوا أسلمة النرويج"!.

وانتقل الوهم الاجتماعيّ المعادي للدّين الإسلاميّ، وانتهاك المقدسات الدينيّة الإسلاميّة إلى الدنمارك؛ حيث تم إعادة نشر صور مسيئة للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم- عام 2020، بعد تطاول أحد الأفراد عام 2005، وتوبته من ذلك الفعل الشنيع عام 2015. كما شهدت العاصمة الدنماركيّة "كوبنهاغن" احتجاجات عارمة من بعض المسلمين على خلفية حرق وتدنيس القرآن الكريم في الشارع العام من اليمينيّ المتطرّف "غاسموس بالودان" عام 2019.

وأكمل: من هنا وجدنا تركيز جرائم انتهاك المقدسات الدينيّة الإسلاميّة في «الدنمارك، والسويد، والنرويج»، أكثر من غيرها خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يوحي بأن هناك إمكانية لتناقل الأفكار والأفعال بين أبناء تلك الدول، ويرجع ذلك إلى التقارب الجغرافيّ فيما بينهم، بالإضافة إلى التقارب الاجتماعيّ، سواء على المستوى المعيشيّ، أو أساليب الحياة الاجتماعيّة، ومن ثم سهولة انتقال الأفراد، وما يترتب على ذلك من اكتساب بعض الصفات الشخصيّة لأبناء تلك الدول، علاوة على وجود أسس قديمة، حيث سبق اتحادهم في كِيان واحد قبل انفصالهما تحت مسمى "اتحاد كالمار"، الأمر الذي يوحي بإمكانية تأثير ونقل بعض المعتقدات والأفكار من آنٍ لآخر.

استفزاز مشاعر المسلمين
ونبه مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف، على أن الإقدام على مثل هذه الأفعال التي تستفز مشاعر ملايين المسلمين شرقًا وغربًا، لم تنمُّ عن حضارةٍ أو وعيٍ من فاعليها، وأنه ينبغي على الجميع ضرورة احترام المقدسات الدينيّة، وتوخّي الحذر والتعقل والتدبر تجاه الأفعال المعادية للدّين الإسلاميّ، والتكاتف الفعليّ للمجتمعات الدوليّة لمواجهة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» وخطاب الكراهية والعنصريّة بين أفراد المجتمعات المختلفة، بالإضافة إلى ضرورة البحث عن حقائق الدّين الإسلاميّ؛ لمعالجة الوهم الاجتماعيّ الخاطئ الذي يقع فيه بعض الأفراد.

ممارسات مناهضة للإسلام
واستنكر مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية، بشدة حرق نسخة القرآن الكريم مجددًا في مدينة مالمو السويدية من قِبل اليمين المتطرف السويدي، وذلك في ظل الممارسات المناهضة للإسلام والمسلمين، وأعلنت الشرطة السويدية أنها تلقَّت معلومات تفيد بأن أشخاصًا أحرقوا نسخة من المصحف مجددًا في ضاحية روزنجورد بمدينة مالمو، أقصى جنوب السويد، حيث قال جيمي مودين، المتحدث باسم شرطة مالمو: إن عدة دوريات تعمل على القضية وتبحث عن الأشخاص الذين قاموا بهذا الفعل. 

وشدد مرصد الإسلاموفوبيا في بيانه -اليوم السبت- على أن جريمة حرق نسخة من المصحف مجددًا بالسويد تمثل استفزازًا صريحًا لمشاعر المسلمين في السويد وخارجها، وتشعل فتيل الاضطرابات، وتغذي مشاعر الكراهية والتمييز، كما تصب في صالح الجماعات المتطرفة والتيارات الإرهابية.

 ونوه مرصد الإسلاموفوبيا بأن احترام المقدسات الدينية بشكل عام، والرموز الدينية، أحد أهم حقوق الأمم والشعوب، ومن واجب الحكومات والنظم في مختلف بقاع العالم الحرص على أن تظل تلك المقدسات بعيدة عن الانتهاكات أو التشويه والإساءات المتعمدة. 

وأبان المرصد أن هذه التصرفات العنصرية لا تؤمن بالتنوع والتعايش المشترك والتحاور والتعاون بين الأديان والحضارات، وترفض أسس المجتمعات الحديثة وقيمها القائمة على المواطنة واحترام الآخر دون النظر إلى الأبعاد الدينية والعقائدية.

 وأشار مرصد الإسلاموفوبيا إلى أن هذه الأفعال والممارسات العنصرية تحاول استغلال البيئة المتحضرة في أوروبا لتتستر خلف شعار حرية التعبير، لكنها تتغافل عن عمد أن مناخ الحرية يسير بجانب مجموعة من القيم الأخرى القائمة على العيش المشترك والاحترام المتبادل، سواء كان عقائديًّا أم عرقيًّا. 

واستطرد: أن المسلمين والمهاجرين في السويد يتعرضون لموجات شديدة ومتلاحقة من الاضطهاد والتمييز ومحاولات الإقصاء، من قِبل التيارات اليمينية المتطرفة المعروفة بممارساتها العدائية والإقصائية تجاه المسلمين؛ وذلك لجذب المزيد من الأنصار لتحريضهم على الممارسات العنصرية ضد المسلمين، والتي من شأنها زيادة سعار الإسلاموفوبيا في البلاد بما يخدم مصالحهم السياسية والاجتماعية. 

وطالب مرصد الإسلاموفوبيا المجتمع الدولي وكافة المنظمات الدولية الفاعلة بالعمل الجاد والسريع على وضع تشريع قانوني يواجه تلك الممارسات العنصرية ويكافحها، ويردع كافة أشكال التعصب وأنواع التطرف الديني، حتى يتم فتح المجال أمام كل ما هو إنساني وحضاري مشترك ودعم قيم الحوار والتسامح والتعايش. 

ودعا مرصد الإسلاموفوبيا إلى رفض إقامة مثل تلك الممارسات والأفعال المسيئة لمقدسات الإسلام والمسلمين، والوقوف ضد التيارات اليمينية المتطرفة التي تغذي بدعايتها السوداء تيارات العنف والتطرف على الجانب الآخر، وتمنحها المبررات لتنفيذ هجماتها الإرهابية.


 وناشد المرصد مسلمي السويد على وجه الخصوص والغرب عامة، لعب الأدوار الإيجابية والفعالة في مجتمعاتهم وتقديم النموذج والمثل في الولاء للوطن والدفاع عن مصالحه، وعدم الالتفات إلى تلك التصرفات والأفعال المسيئة وغيرها التي تحاول اختلاق الصراعات وبث الفزع من الإسلام والمسلمين في أوساط الغرب.