الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

50 عامًا على رحيل جمال عبد الناصر.. ثاني مصري يحكم البلاد منذ عهد الفراعنة.. أسس منظمة عدم الانحياز ودعم ثورات التحرر في الوطن العربي وإفريقيا.. وحد مصر وسوريا في كيان واحد.. ودعم القضية الفلسطينية

الزعيم جمال عبد الناصر
الزعيم جمال عبد الناصر

الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر: 
 لعب مع رئيس وزراء الهند نهرو ورئيس يوغوسلافيا تيتو ورئيس إندونيسيا سوكارنو دورًا بارزًا في تأسيس حركة “عدم الانحياز"
* في فبراير 1958 نجح في توحيد مصر وسوريا في كيان واحد استمر حتى 1962 
* أول زعيم عربي يحكم البلاد منذ عهد الفراعنة العظام


نصف قرن من الزمان مرت على رحيل الزعيم خالد الذكر الرئيس جمال عبد الناصر، الذي وافته المنية في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ عن 82 عامًا، بعد ١٦ عامًا من الحكم، وهو أول زعيم مصري يحكم البلاد منذ عهد الفراعنة العظام. 

بعد أن غيّر خريطة المنطقة العربية وموازين القوى فيها، ورد الاعتبار والكرامة للمواطن المصري في مصر وخارجها ودعم حركات التحرر في العالم الثالث، وكان عمره ٣٤ عامًا، حينما أطاح بالاحتلال البريطاني لمصر، ووقف موقف الند للند مع الغرب، ورغم أنه رحل عن دنيانا منذ نصف قرن فإن حضوره القوي مازال يتجدد ويفرض نفسه إلى الآن.

وتقول سيرة الزعيم جمال عبدالناصر أنه ولد بمنزل والده بحى باكوس بالإسكندرية فى ١٥ يناير ١٩١٨مما يعنى أنه كان يبلغ من العمر٣٤ عاما حين قاد ثورة يوليو وهذا كان متوسط أعمار رفاقه في تلك الفترة وكان والده من قرية "بنى مر" بأسيوط، وكان يعمل وكيلا لمكتب بريد باكوس وبحكم عمل الوالد وفى ١٩٢١ تكررت تنقلات الأسرة، فتنقل عبدالناصر في تعليمه الابتدائى بين روضة الأطفال بمحرم بك والمدرسة الابتدائية بالخطاطبة ومدرسة النحاسين بالقاهرة ومدرسة العطارين بالإسكندرية، كما تنقل في تعليمه الثانوى بين مدرسة حلوان الثانوية ومدرسة رأس التين بالإسكندرية ومدرسة النهضة بالظاهر في ١٩٣٣وفى ١٣نوفمبر ١٩٣٥ كان في مظاهرة طلابية وأصيب بجرح في جبينه،وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التى كان يصدرها توفيق دياب؛ حيث وقع الحادث بجوارها، ونشر اسمه في الصفحة الأولى ضمن مصابى المظاهرة وفى ١٩٣٧ تقدم للكلية الحربية ولم يُقبل فالتحق بالحقوق بجامعة الملك فؤاد«القاهرة» وتركها ليتقدم مجددا للكلية الحربية بعد إعلانها قبول دفعة استثنائية وقُبل وتخرج في ١٩٣٨، والتحق بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد، والتقى زكريا محيي الدين والسادات.

وفى ١٩٣٩ خدم في الخرطوم وجبل الأولياء، وقابل زكريا محيى الدين وعبدالحكيم عامر،وفى ١٩٤١ نقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر بالقرب من العلمين، أثناء تقدم رومل، وفى فبراير ١٩٤٣ عين مدرسًا بالكلية الحربية، ثم سافر للمشاركة في حرب فلسطين، وجرح ونال نيشان النجمة العسكرية، وبعد رجوعه إلى القاهرة أدرك أن المعركة الحقيقية في مصر، حيث الإطاحة بالملك فاروق، والنظام الحاكم وبعد ١٩٤٩أسس تنظيم الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبدالناصر، وهى اللجنة التى أصبحت مجلس الثورة، وكانت النية متجهة للقيام بالثورة في ١٩٥٥، لكن الحوادث المتلاحقة بكرت بقيامها في ١٩٥٢خاصة بعد حدوث حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢واندلاع المظاهرات في القاهرة،احتجاجًا على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية، ثم أزمة انتخابات نادى ضباط الجيش، حيث نجح محمد نجيب مرشح الأحرار، وخسر حسين سرى عامر، مرشح الملك، فألغى الملك الانتخابات فقررعبد الناصر تقديم موعد الثورة إلى ٢٣ يوليو ١٩٥٢.

ونجحت الثورة وقدم محمد نجيب كقائد للثورة، وفى ١٨يونيو ١٩٥٣ صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب، إلى جانب رئاسته الوزارة، أما عبد الناصر فقد تولى منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية ثم ترك منصب وزير الداخلية وفى فبراير ١٩٥٤ استقال نجيب بعد خلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبدالناصر رئيسا لمجلس قيادة الثورةورئيسًا لمجلس الوزراء وتكررالخلاف بين ناصر ونجيب، وانتهى بتنحية نجيب وجاء ناصر رئيسا.

وبعد نكسة ١٩٦٧ أعلن تنحيه وطالبته الجماهير بالبقاء وخاض حرب استنزاف ضارية، ومما حققه أنه قام بتأميم قناة السويس وأنشأ السد العالى وأسس منظمة عدم الانحياز وأصدر قوانين الإصلاح الزراعى، ونهض بالصناعة والتعليم والإسكان ودعم ثورات التحرر بالوطن العربى وإفريقيا.

ومما يذكر أن ناصر قد ثار بسبب مقال نشرته إحدى المجلات الأمريكية قالت فيه إن الأثاث المذهَّب في بيته مأخوذ من قصور فاروق في حين أن هذا غير صحيح، وفى الوقت الذي يحق له فيه الإقامة في أحد القصور الملكية كرئيس دولة.. لكنه دفع ثمن الصالون الذي يملكه ويستقبل عليه ضيوفه من جيبه ومن ملامح نزاهته الأخري أنه كان يعارض بشدة محاباة كبار موظفى الدولة لأقربائه، وكان يصر على إنزال العقوبة بأى شخص مسؤول يفعل ذلك ظنًا منه أنه يرضى ناصر، وحدث ذات مرة أنه تحدث هاتفيًا مع صاحب إحدى الصحف اليومية وسأله: ألا ترى الصفحة الأخيرة؟، فأجابه بنفسه: هل تقصد سيادتك صورة والدك؟ فأجاب ناصر في إصرار: أنا لا أحب أن تنشر أخبار أبى بين الناس وأريده هو وإخوتى مثل الناس العاديين، ولا أريد أن يفسدهم منصبى. ويذكرأنه أمر بإلقاء القبض على خاله بسبب مجاملته امرأة فرنسية بالقاهرة كانت في ورطة وتوسط لها خاله، رغم أنها خالفت القواعد.

وبرز جمال عبد الناصر كبطل قومي. فكان لجاذبيته الشخصية وأيديولوجيته حول القومية العربية أن جعلت له شعبية واسعة بين الجماهير المصرية والعربية. وأصبحت مصر رائدة في مناهضة الاستعمار ودعم نضالات التحرر في شمال أفريقيا والمنطقة العربية. وعلى أساس هذا النجاح، لعب الزعيم جمال عبد الناصر – مع رئيس وزراء الهند بانديت نهرو، ورئيس جمهورية يوغوسلافيا جوزيف تيتو، ورئيس جمهورية إندونيسيا سوكارنو – دورًا بارزًا في تأسيس حركة بـ “عدم الانحياز“.

لاستياء أمريكا، تقرّبت مصر من الإتحاد السوفييتي. فقدمت موسكو مساعدات مالية وفنية لبناء السد العالي في أسوان وزودت مصر بالمعدات العسكرية والتدريب لمواجهة تعزيزات الولايات المتحدة الأمريكية لجيش الدفاع الإسرائيلي. وفي فبراير 1958، قررت حكومتا مصر وسوريا توحيد بلديهما وتشكيل الجمهورية العربية المتحدة (استمر الاتحاد حتى عام 1962).

وبعد سلسلة من الحوادث المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بجهود إسرائيل للسيطرة على إمدادات المياه من لبنان وسوريا، أمر عبد الناصر بانسحاب قوات الطوارئ العائدة للأمم المتحدة (UNEF)، والتي كانت تتمركز في شبه جزيرة سيناء في أعقاب أزمة السويس. ثم أرسل عبد الناصر قوات وفرض حصارًا على حركة السفن المتجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي عبر مضيق تيران. عندئذ، شنت إسرائيل هجومًا واسع النطاق على مصر واحتلت شبه جزيرة سيناء بأكملها في غضون ستة أيام (ومن هنا جاء اسم حرب الأيام الستة أو حرب يونيو 1967). خلال الحرب، احتلت إسرائيل أيضًا قطاع غزة (الذي كانت تديره مصر) والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية (المضمومة إلى الأردن) ومرتفعات الجولان (السورية). تم إغلاق قناة السويس وبقيت مغلقة مدة ثماني سنوات. 

توفي عبد الناصر بأزمة قلبية في 28 سبتمبر عام 1970، تاركًا مصير مصر في أيدي نائبه أنور السادات (الذي كان من حركة الضباط الأحرار). نزل الملايين إلى الشوارع حدادًا على عبد الناصر. ورغم الحالة المزرية التي كانت تعيشها البلاد، إلا أن عبد الناصر حقق، خلال فترة رئاسته، تقدمًا اجتماعيًا من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية الجذرية. وأصبح التعليم العالي متاحًا للجميع، بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية، وتحسنت مرافق الرعاية الصحية العامة بشكل كبير.

فى الدورة الخامسة عشرة للأمم المتحدة لعام 1960، وقف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى قاعة الأمم المتحدة، متحدثًا بلغته العربية أمام ممثلى الدول الأعضاء، ألقى أمامهم خطابه، دافع فيه عن الحرية وحق تقرير المصير، مطالبًا بحقوق شعب فلسطين، مذكرًا الأمم المتحدة بميثاقها للتصدى للاستعمار الفرنسى فى الجزائر.. مطالبا الدول بالوقوف صفًا واحدًا للدفاع عن الكونغو، وفتح باب الأمم المتحدة أمام الصين الشعبية.

وفى هذا الخطاب أيضًا، طالب رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك ببدء مفاوضات نزع السلاح.

فى كلمته، قال: فى منطقتنا من العالم فى الشرق العربى نسيت الأمم المتحدة ميثاقها ونسيت مسؤولياتها المتعلقة بحقوق شعب فلسطين. فهل أدى مرور الأيام والسنين إلى حل للمشكلة.. هل نسى شعب فلسطين وطنه وأرضه ودياره.. هل نسيت شعوب الأمة العربية مأساة شعب منها تآمر الاستعمار الذى كان قائما بالانتداب عليه بتكليف من عصبة الأمم فإذا بهذا الاستعمار يقطع الوعد لآخرين بوطن يملكه غيرهم؟

وأضاف: "ومنذ متى كانت أوطان الشعوب ملكا للمستعمر ينتزعها بكلمة منه من أصحابها ويعطيها لغيرهم وفقا لمشيئته.. ولكن للاستعمار منطقه.. وكان منطق الاستعمار فى جريمته من شعب فلسطين أن يمزق الوحدة الجغرافية للعالم العربى من ناحية وأن يقيم لنفسه وسط العالم العربى من ناحية أخرى قاعدة يهدد منها الشعوب العربية.. والحل الوحيد فى فلسطين كما هو الحل الوحيد فى الكونغو أن تعود الأمور لسيرتها الأولى وأن ترجع إلى النقطة التى بدأ الخطأ عندها.

وقال: "حينما وقفت الأمة العربية ترد العدوان المسلح على مصر فى شهرى أكتوبر ونوفمبر عام 1956، ولقد كان مما شرف كفاحنا ورفع من قدره أن المجتمع الدولى المتحضر ممثلا فى هذه الجمعية العامة للأمم المتحدة قد انتصر لدفاعنا عن مبادئنا ووقف ضد محاولة العدوان عليها، ذلك هو إيماننا بعدم الانحياز طريقا إلى السلام.

وأضاف: إن الدول الكبرى لا تملك وحدها كلمة السلام أو الحرب، وإنما الجنس البشرى كله؛ مستمدًا الحق من تضحيات شعوبه على اختلافها، من أجل صنع الحضارة ودفع التطور، ومن تطلع شعوبه كلها إلى الأمن، هو الذى يملك الكلمة العليا. هكذا فإننا فيما يتعلق بالسلام ننحاز ولا نحايد، إننا ننحاز إلى جانب السلام وضد الحرب، وإذا كان لنا من تحفظ واحد على هذا الموقف القاطع الذى لا حياد فيه؛ فهو أن السلام الذى نريده هو السلام القائم على العدل، دون تفرقة ودون تمييز. بهذا الإيمان فى أعماق ضمائرنا، وبهذا الهدف أمام عيوننا جئنا إلى هذه الدورة مؤمنين أنه فى مجالها.. فى مجال الأمم المتحدة يكون العمل الفعال من أجل السلام، ومع أننا نؤمن بكل جهد يبذل من أجل السلام مهما كان مجاله؛ فإننا نؤمن فى نفس الوقت أن احتمالات النجاح أقوى فى نطاق الأمم المتحدة منها فى أى مجال آخر خارجها.