الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

32 عاما على إصدار هيئة التحكيم الدولية حكمها التاريخي بـ مصرية طابا بعد ماراثون مفاوضات 7 سنوات.. سر المادة السابعة ومراوغات إسرائيل.. ونموذج للالتزام الوطني بالحفاظ على تراب الوطن حربا وسلاما

الرئيس الراحل مبارك
الرئيس الراحل مبارك قبيل رفع علم مصر على طابا

* عملية التفاوض استمرت 7 سنوات 
* المفاوض المصري أثبت كفاءته واستطاع اقناع هيئة التحكيم باستعادة مصر لترابها من يد الغاصب
* نصر أكتوبر مهد لاستعادة قواعد الشرعية الدولية للفصل في الصراع العربي الإسرائيلي
* استردتها مصر مرتين أحدهما من الاحتلال العثماني

تمُر علينا اليوم الاثنين، ذكرى عزيزة على قلب كل مصري، وهي ذكرى إصدار هيئة التحكيم الدولية حكمها التاريخي بــ مصرية طابا بعد ماراثون استمر لــ سبع سنوات من التفاوض، وبالتحديد في عام 1988 وبأغلبية 4 أصوات، قبل أن تستردها مصر رسميا في 29 سبتمبر عام 1989 ويرفع الرئيس الراحل علم مصر عليها في 19 مارس 1989.

وقام المفاوض المصري بمجهود كبير لاسترداد مصر لـ «طابا»، حيث حصل في النهاية على تحكيم دولي ضد إسرائيل، ليثبت أحقية مصر في تلك المنطقة، مقدما ما يثبت من المستندات لتؤكد أن مدينة طابا هي مدينة مصرية وليست إسرائيلية كما أشاع القادة العسكريون والسياسيون الإسرائيليون حينها.

وأرسى نصر أكتوبر العظيم عام 1973 الذي حققته مصر ضد إسرائيل، قواعد الشرعية لاستئناف الصراع بين العرب وإسرائيل، وذلك باستخدام «القنوات السياسية»، حيث قامت مصر بأداء دبلوماسي وسياسي متميز وضرب القوة بالقانون، في سبيل عودة طابا إلى سيناء في السادس عشر من مارس 1989.

32 عاما ولا تزال كواليس استرداد مصر لـ «طابا» من الاحتلال الإسرائيلي لم تنته بعد، لم تكن قضية طابا مجرد آخر بقعة من التراب الوطني تم استعادتها إلى أحضان مصر من خلال مفاوضات شاقة ومضنية، ولم تكن بقعة مساحتها 2 كم، لكنها تعتبر نموذجا للالتزام الوطني ورمز احترام السيادة الوطنية، وتطبيقا للمبدأ الذي أعلنته مصر منذ المراحل الأولى من النزاع بعدم التفريط في ذرة من ترابها الوطني.

القيمة الإستراتيجية لمنطقة طابا
طابا تعتبر محدودة المساحة، حيث تقع على الساحل الغربى لخليج العقبة، كما أنها تقع بالقرب من مصادر آبار المياه العذبة، وتتحكم طابا في الممرات المتجهة إلى وسط سيناء، كذلك في الطريق المتجه إلى غزة شمالا، وتعتبر طابا مفتاح الدخول إلى جنوب إسرائيل عبر سيناء وبالعكس، كما أنها فى نفس الوقت تطل على ميناء إيلات.

تاريخ النزاع الأول
بدأت مشكلة طابا الأولى في مطلع القرن العشرين، بين مصر وسلطة الاحتلال البريطانى كطرف أول مع الدولة العثمانية كطرف ثان فى يناير 1906، حيث أرسلت تركيا قوة لاحتلالها، مخالفة بذلك ما جاء بفرمان 1841 و1892 الخاصين بولاية مصر والحدود الدولية الشرقية لها والممتدة من رفح شمالًا على ساحل البحر المتوسط إلى رأس خليج العقبة جنوبا شاملة قلاع العقبة وطابا والمويلح.

وتدخلت بريطانيا سياسيا لمنع تكريس الأمر الواقع على الحدود، وذلك حفاظا على مصالحها فى مصر أو لمجرد احتمال تهديد قناة السويس ذلك الشريان الحيوي الذي يصلها ومستعمراتها في جنوب شرقي آسيا والهند، وازدادت المشكلة تعقيدًا فتعددت أزمة طابا وامتدت إلى منطقة رفح في أقصى الشمال، حيث قامت الدولة العثمانية أيضًا بقوة من جنودها باحتلال مدينة رفح وإزالة أعمدة الحدود الدولية بها.

رضوخ تركي للتهديد البريطاني
وبفشل الجهود السياسية، قامت بريطانيا بتقديم إنذار نهائي إلى «الباب العالى» فى تركيا أوضحت فيه أنها ستضطر إلى الالتجاء الى القوة المسلحة، ما لم يتم إخلاء طابا ورفح وعودة القوات التركية بهما إلى ما وراء الحدود، الأمر الذى دفع بالسلطة العثمانية بها إلى الرضوخ لهذه المطالب الشرعية.

وقامت بتعيين لجنة مشتركة مع الجانب المصرى والبريطانى لإعادة ترسيم الحدود إلى ما كانت عليه مع تدقيقها طبقا لمقتضى القواعد الطبوغرافية لتحديد نقاط الحدود الطبيعية بدءًا من رفح ثم تتجه اللجان جنوبا بشرق على خط مستقيم تقريبا إلى نقطة حدود على خليج العقبة تبعد ثلاثة أميال من العقبة.

إعادة ترسيم الحدود
وعادت منطقة طابا إلى داخل الحدود المصرية بنحو ثلاثة أميال، حيث انتهى المهندسون البريطانيون مع مندوب المساحة المصرية واللجنة التركية من رسم الخرائط وتثبيت علامات الحدود من رأس طابا جنوبًا مارًا على رؤوس جبال طابا الشرقية المطلة على وادي طابا ثم يتجه الخط الفاصل بالسقالات المحددة وشمالًا حتى رفح إلى شاطئ البحر المتوسط مع تحديد هذا الخط الحدودي فلكيًا وعلى الخرائط المرفقة بالاتفاقية المبرمة بين كل من مصر وبريطانيا وتركيا بخط أسود متقطع.

وقد بلغ عدد الأعمدة المقامة وقتئذ على الحدود الدولية 91 عمودًا للحدود بدأ من العمود رقم واحد عند ميناء رفح على تل الخرايب وآخر عمود وهو رقم 91 على رأس طابا، حيث انتهى نهائيًا بناء هذه الأعمدة الأسمنتية المسلحة فى 9 فبراير 1907، وهكذا عادت طابا مصرية فى مطلع القرن العشرين وكانت الوثائق المتعلقة بمشكلة طابا الأولى وثائقها التاريخية خير سند قانونى لدعم موقف المفاوض المصرى فى أزمة طابا الثانية في الثمانينات القرن العشرين الماضي.

تاريخ النزاع الثاني
قدر لمنطقة طابا بعد نصر السادس من أكتوبر عام 1973، أن تكون مرة أخرى فى دائرة الاهتمام لكلا من الدبلوماسية المصرية والإسرائيلية، وذلك خلال ترتيبات الانسحاب النهائي من شبه جزيرة سيناء، تنفيذا لاتفاقية السلام حيث بدأت مقدمات المشكلة، عندما عادت مسألة الحدود الآمنة تطرحها إسرائيل بعد حرب أكتوبر 73 إلى أن عقدت معاهدة السلام فى مارس 79 والتى نصت فى مادتها الأولى على أن تنسحب إسرائيل من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.

إلا أن إسرائيل - «بعد توقيع المعاهدة قررت توسيع الأقاليم التى تحيط بميناء إيلات»-، وشرعت في إقامة فندق سياحي فى وادى طابا دون إبلاغ مصر ومن هنا بدأ خلاف حول الحدود خاصة عند علامة الحدود رقم 91 بمنطقة طابا.

مصر تكشف مخالفات إسرائيلية
فى أكتوبر عام 1981 وعند تدقيق أعمدة الحدود الشرقية اكتشفت اللجنة المصرية بعض مخالفات إسرائيلية حول 13 علامة حدودية أخرى أرادت إسرائيل أن تدخلها ضمن أراضيها وأعلنت مصر أنها لن تتنازل أو تفرط فى سنتيمتر واحد من اّراضيها وأن الحفاظ على وحدة التراب الوطنى المصرى هدف أساسي وركيزة لكل تحرك.

مباحثات ومفاوضات «مصرية – إسرائيلية»
دارت مباحثات على مستوى «عالٍ»، بين الجانبين استخدمت إسرائيل فيها كل صنوف المراوغات، وأعلنت مصر أن أى خلاف حول الحدود يجب أن يحل وفقا للمادة السابعة من معاهدة السلام والتي تنص خلاصتها على أن يتم الحل عن طريق المفاوضات، وفي حالة فشلها يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم.

ثم أبدت مصر رغبتها فى اللجوء إلى مشاركة التحكيم، فقامت بتشكيل لجنة فنية تضم مجموعة من الأساتذة والخبراء المتخصصين فى القانون الدولى بدراسة الجوانب القانونية للتوفيق والتحكيم، كما شكلت مصر لجنة فنية أخرى للاتفاق على النظام الذي يسود المناطق المتنازع عليها، حيث رأت مصر أنها تفضل اللجوء إلى التحكيم فى المقام الأول.

هدفان أساسيان
استمرت المفاوضات لأكثر من أربع سنوات وصعوبة الوصول إلى حل للنزاع، وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم الاتفاق فى 11 سبتمبر 1986 إلى اللجوء لهيئة تحكيم دولية تعقد فى جنيف بسويسرا، حيث يحقق هدفين أساسيين أصر عليهما الجانب المصرى ضمن مشاركة التحكيم وهما: 

أ- تلتزم إسرائيل بتحكيم بجدول زمني محدد بدقة.
ب- تحدد مهمة المحكمة بدقة بحيث تكون مهمتها الوحيدة المسندة إليها هى تثبيت الموقع الذي تراه صحيحا وترفض الموقع الذي اقترحه الطرف الآخر مع اعتبار الحكم نهائى يلزم تنفيذه دون تراجع.

قبل الحكم النهائي
رسخ للهيئة انطباع حقيقي عن أوضاع نقاط الحدود طبقا للدفاع ووجهة النظر المصرية بعوامل قوتها، ومن وجهة النظر الإسرائيلية بعوامل ضعف حجتها، أفادت المحكمة فى إصدار الحكم لصالح مصر عام 1988 ثم فى تكييف أسباب هذا الحكم النهائى له وبعد صدور الحكم فى 29 سبتمبر 1988 لصالح مصر، أصبحت القضية المثارة تتلخص فى تنفيذه.

رفع العلم المصري على طابا
انتهت قضية طابا، برفع الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، العلم فوق أراضيها عام 1989، وذلك بعد معركة سياسية ودبلوماسية استمرت لأكثر من سبع سنوات.