الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كتاب "الآثار.. اللغز والحل" يستعيد الماضى ويعيد تكوينه عبر المواقع الأثرية

صدى البلد


ينطلق كتاب "الآثار شفرة الماضي اللغز والحل"، للدكتور خالد عزب والصادر عن الدار المصرية اللبنانية، من حقيقة توسع علم الآثار في العقود الأخيرة ليصبح عابرا للتخصصات، بما يشكل طريقا لاستعادة الماضي وإعادة تكوينه من جديد عبر المواقع الأثرية. 

ويرى المؤلف أن ذلك يجعل من المهم وضع تعريف محدد للموقع الأثري الذي هو حيز جغرافي يحتوي على مخلفات عدد من الأنشطة البشرية، التقنية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والروحية". 

ويضيف أن بقايا هذه الأنشطة تشكل مجتمعة أو منفردة، معطيات تقودنا إلى سلسلة من الاستنتاجات والأبحاث التي ترسم صورة الماضي، أما حجم المخلفات فيتراوح ما بين بناية كبيرة إلى بقايا عضوية أو عظام أو مخلفات متنوعة وفقا للفترة الزمنية، التي استغل فيها الموقع، وحجم ونوع النشاط الذي أقيم فيه. 

وفي ضوء ما تقدم نجد أن هناك عوامل تؤثر في أي موقع سواء المناخ أو التغيرات الكيميائية وغيرها، لكن في النهاية لا يوجد كما يقول خالد عزب موقعان متشابهان، لكن توجد علوم عدة تساعد في إعادة تخيل الموقع والحياة كما كانت. 

ويظل أن أصعب مراحل استعادة الماضي، هي مرحلة ما قبل الكتابة، حيث تركزت حياة الإنسان داخل الكهوف والمآوي الصخرية، إذ كان يقضي بها جانبا كبيرا من فصول الشتاء القارس، فترك بها متعلقاته الشخصية ونفاياته من الطعام، كما خلف على جدرانها العديد من النقوش والرسوم الفنية، فضلا عن الأدوات والمخلفات المادية، حيث يمكن من خلال دراسة هذه الفنون المختلفة التعرف على بعض التفاصيل الدقيقة إلى حد ما، والتي تمكنن من إعادة تركيب صور قد تتشابه كثيرا مع تلك الصورة الخاصة بحياته اليومية. 

ويذهب عزب إلى أن تحديد عمر الأثر بدقة يعد من أكبر التحديات التي تواجه علماء الآثار، خاصة ما عرف عن عصرنا من سمة تحديد الوقت بدقة متناهية، في كافة مناحي الحياة، فبات هذا التحدي يزداد صعوبة على الرغم من استخدام علماء الآثار كل ما هو جديد لخدمة هذا العلم. 

ويشير في هذا الصدد إلى أن تتابع طبقات التلال والمناطق الأثرية يماثل تتابع صفحات الكتب، وكما يحدث من عدم انسياب أفكار الكتاب لو نزعت صفحة من صفحاته، كذلك فإننا نصدم بارتباك في تسلسل طبقات الموقع لو نزعت أي طبقة من طبقاته وحلت محلها طبقة أخرى. 

يتألف الكتاب من مقدمة ومدخل وستة فصول، في 229 صفحة من القطع المتوسط، وتناول علم الآثار وتطور المجتمعات، فك طلاسم الماضي، علم الآثار وغذاء الإنسان، السياق والأثر، تأريخ الأثر والتسلسل الزمني، وعلم الآثار استعادة الماضي للمستقبل. 

وجاءت خاتمة الكتاب عبر الفصل السادس تحت عنوان لافت هو "علم الآثار لاستعادة الماضي للمستقبل"، وتطرح سؤال: هل للعرب مستقبل في عالم المتاحف؟ وفي الإجابة: "لقد بدأت الجهود العربية تلتئم في هذا المجال بعد تأسيس المجلس العربي للمتاحف الذي يضم أبرز المتخصصين في هذا المجال من العرب لتنسيق الجهود، وكذلك لتأسيس شبكة عربية للمتاحف، لكن خسارة العرب كانت كبيرة في متاحف العراق بعد الغزو الأمريكي في 2003 وهي خسارة بحسب ما يرى الدكتور خالد عزب لن تعوض بسهولة، إلا أننا ينبغي علينا التمسك بالأمل في أن يكون هناك علم عربي للمتاحف. 

وقد بدأ المؤلف هذا الفصل بالتأكيد على أن العرب والمسلمين جعلوا النظر في الماضي للعظة والعبرة، ومن هنا نستطيع أن نفهم كتاب المقريزي المؤرخ المصري للعصر المملوكي حين عنون كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، الذي يذكر فيه آثار القاهرة وما طرأ عليها من تحولات عبر الزمن، لكن هل كان المقريزي سابقا لعصره حين عالج آثار القاهرة في كتابه؟ في حقيقة الأمر: نعم، فمنهجه يوازي ما نحاول الوصول إليه اليوم، إذ أن الأثر ليس بناية أو قطعة، بل تعبير ع ثقافة المجتمع، وما يطرأ فيها من تحولات، وعليه فإن النظر إلى كتاب "أنوار علوي الأجرام في الكشف عن أسرار الأهرام"، الذي ألفه الشريف أبي جعفر محمد بن عبد العزيز الحسيني الإدريسي في القرن الـ13 الميلادي، يؤكد ذلك.