الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

راندا رزق تكتب: الجامعات العربية والمسئولية المجتمعية

صدى البلد

تُعنى المجتمعات البشرية بصفة عامة بالمسئولية المجتمعية التي يتزايد الشعور بها باستمرار، وذلك نتيجة استحقاق العصر الحديث الذي يتطلب كثيرا من الجهود المختلفة من أجل السيطرة على تزايد الشر، وبؤر الفساد والتوتر والعمل على توفير الحياة الكريمة للمواطن، وتعاون الدول لحل مشكلات كونية يعجز المجتمع الواحد عن مجابهتها بمفرده، وبذل الجهد المشترك للوصول إلى حلول مناسبة لها، مثل التلوث البيئي والانحباس الحراري وكذلك عمالة الأطفال.

إن جهود المؤسسات بشكل منفرد وعدم التفاتها إلى مدى أهمية التعاون في الأداء قد باتت معضلة كُبرى في ظل تزايد الأخطار التي  تُنذر بانهيار المجتمع وزعزعة استقراره، وما يترتب على ذلك أخلاقيا من إيجاد بيئة مناسبة وكذلك موارد مستدامة تعتمد على مبادئ حقوق الإنسان المقررة عالميا والتي تقتضي مشاركة فاعلة، واستغلال  رؤوس الأموال والموارد البشرية وكذلك المادية من أجل توفير تنمية مجتمعية مستدامة وسد الاحتياجات البشرية وتقليل نسبة معوقات التنمية والصعوبات التي تواجه المجتمعات النامية والمتقدمة.

ولم تزل الجامعات – إلى ذلك الوقت -  أحد أهم منابر الحضارة في كل المجتمعات، ومن هنا فقد بات من الضروري إداراتها بالشكل اللائق من أجل تنمية الإحساس بمدى المسؤولية المجتمعية ودفع العاملين لجعلها من مجرد فكرة إلى سلوكيات وطريقة أداء لممارسة المسؤولية المجتمعية حتى يتأصل في عقول العاملين والطلاب على السواء، حتى تُسهم الجامعات بنصيب وافر تجاه تلك التنمية التشاركية المهمة،  ويجب أن تشمل هذه المسؤولية تصرفات المواطنين وعقولهم يجب أن تكشف عن إدراك وفهم حتى تكون قادرة على التجديد والتكرار والتطوير والتحسين.
 
الفرق بين المسؤولية المجتمعية والإحسان 
من الممكن تحديد الاختلاف بين المسؤولية المجتمعية والإحسان؛ حيثُ الإحسان يتميز بطابع عفوي وفردي وشخصي، بينما تشمل المسؤولية المجتمعية وجود خطة ومنهج نابع من حسابات دقيقة لمواضيع وأولويات لها علاقة بالاحتياجات الضرورية، ومن هنا تتميز بالديمومة.

إذا حاولنا أن نتتبع بداية نشأة المسؤولية المجتمعية نجدها تبدأ من خلال كبرى الشركات العابرة للقارات، وذلك لسببين أولهما: بيئة العمل الداخلية، وثانيهما وجود مخاطر بيئية في شركات الصناعة وشركات البترول، حيثُ حرصت هذه الشركات على أن تكافح موظفيها وأفراد عائلاتهم عندما يتم تعرضهم لمخاطر في عملهم، من أهمها مخاطر التأمين عموما، والتأمين الصحي خاصة، وتحسين بيئات العمل.

وتعتبر حوادث البيئة والإنسان إحدى أبرز الدوافع الرئيسة لتحفيز الاهتمام بالمسؤولية المجتمعية، ومنها – مثلا - ما قامت به شركة  Exxon oil Spill in Alaska في العام 1989؛ حينما تم تسريب ما يزيد عن 11مليون جالون من النفط من إحدى الناقلات في وسط المحيط،  الأمر الذي نتج عنه تلوث للمياه وتدمير الكثير من أحياء البحر، وأيضًا ما تسبب فيه مصنع للكيماويات في بوبال ـ الهند عام  1984 فقد كشفت الشركة عن عدد كبير من ضحاياها بلف نحو 3800 قتيل،  بالإضافة إلى إشارات إحصائيات حقيقية إلى موت ما يزيد عن 15000قتيل.

مفهوم المسؤولية المجتمعية
يصعب وضع تعريف شامل جامع في كثير من الأحيان لظاهرة معينة أو مفهوم ما، وخاصة إذا تعلق الأمر بالمجتمع والعلوم السلوكية، ومن ذلك مفهوم المسؤولية المجتمعية، فقد تم تعريف المسؤولية المجتمعية من اتجاهات وزوايا مختلفة ومتعددة. إذ عرفها Drucker, في عام 1977 بأنها (التزام منظمة للأعمال نحو المجتمع الذي تعمل في محيطه)  أما   Strier١٩٧٩) فقد أشار إلى أنها تمثيل لتوقعات المجتمع من أجل مبادرات منظمات الأعمال في مجالات المسؤولية التي تتحمل أعباءها منظمات الأعمال نحو المجتمع، وبما يتعدى أدنى حد من الخضوع للقوانين، وبشكل لا يضر بقيام منظمة الأعمال تجاه وظائفها الرئيسة لحصولها على العائد المناسب من استثماراتها.

المسؤولية المجتمعية والالتزام التطوعي
إن الالتزام التطوعي يعتبر أحد أبرز الطرق الممكنة لمزاولة المسؤولية المجتمعية، وذلك لأن البعض يرى أن التطوع الإلزامي يعد بديلا لتعليمات مفروضة على سلوك المؤسسات. ومن جانب آخر  يرى  آخرون أن المؤسسة ربما تدعي التطوع ولكن الممارسات الفعلية لا تتفق ومبادئ المسؤوليات المجتمعية وذلك لكونها شكلية أو ربما تكون صورية أو حتى لصغر أهدافها التي من الممكن أن تحققها. 

 وأيا كان الالتزام التطوعي وطبيعته وحجمه وأيضًا نوعه لكنه لا يعد بديلا عن هذه المسؤولية المجتمعية، لكنه جزء محدود من الممارسة، ومن هنا يتضح أن المسؤولية المجتمعية أوسع وأشمل وأعمق، وتتميز بمنهجية وديمومة وخطة وميزانية، من خلال تحقيقها في المجتمع، ودورا مهما في التنمية. فليست المسؤولية المجتمعية تقتصر على مشاركات محددة للمتطوعين في ظروف مستقرة أو طارئة بقدر ما تكون هذه الخطط الرئيسة للمسؤولية المجتمعية التي تأخذ في اعتبارها إجراءات بنائية ووقائية وعلاجية.

الأبعاد العامة والخاصة للمسؤولية المجتمعية 
إن الدولة تمثل شريكا رئيسا في كل عمليات التنمية، في زمن كبرت فيه أعمال المؤسسات والشركات، ولذلك فقد كان ضروريا وجود شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وذلك لصعوبة عمل القطاع الخاص منفردا في المسؤولية المجتمعية دون حاجته الدولة، وليست الدولة قادرة لأن تقوم بأدوارها دون تعاون من القطاعين الخاص والعام.

 ومن خلال ذلك نؤكد على دور القطاع الخاص وأهميته الدولة ودورها، خاصة مع علمنا بأن النظام الاقتصادي في البلدان العربية لا يفرض ضريبة على المسؤولية المجتمعية، ومن هنا ينبغي على المؤسسات أن تسعى لوضع برامج موجهة بالمشاركة مع جهات الحكومة.

المسؤولية المجتمعية ومكانتها في الوظائف الجامعية
للجامعات فضل كبير في تقديم كفاءات علمية وتخصصية لاحتياجات المجتمع وتأمينه؛ وذلك لأن المسؤولية المجتمعية في الجامعات تواجه كثيرا من المعيقات التي أبرزها:
ليست الجامعة الآن مجرد مصنع لتقديم الشهادات العلمية أو تخريج شباب أنهوا مناهج تعليمية بنجاح ،ولم تعد مستودعا للمختبرات والمعارف لإجراء الأبحاث العلمية، ولكن  مفهوم الجامعة تطور ليصبح معنيا بأهداف وأغراض كثيرة تنصب جهودها في المجتمع الذي أنشئت فيه، هي مولودة من رحم ذلك المجتمع وتكرس عملها لتنمية لتنميته على مجموعة من المحاور والأصعدة المختلفة.

المسؤولية المجتمعية للجامعات والتعليم المستمر
أصبحت أهداف التعليم المستمر هي الربح المادي فحسب، فمثلا نجد أن إحدى الجامعات المحلية قامت بطرح ثلاث عشرة دورة في الوقت نفسه، وقد تم إلغاء أربع،  وذلك نتيجة عدم كفاية المتدربين، أو بمعنى آخر  بسبب خسائر مادية، وبتقدير أبسط لا يحدث تعامل مع تلك الأنشطة باعتبارها رزمة واحدة برغم عدم صحة القياس عليها من منظور مادي، وفي مقابل ذلك ليس من الممكن قبول الوصول إلى ذلك الحد في قياس أي أنشطة من جانب مادي فحسب.

مقومات ارتقاء الجامعات بالمسؤولية المجتمعية
يحتاج  الارتقاء بالمسؤولية المجتمعية في الجامعة مجموعة مقومات يجب أخذها في الاعتبار هذه المقومات أولها وجود احتياجات محددة للمجتمع وسوق العمل والعمل على تلبية هذه الاحتياجات، وأيضا وجود دراسة لقدرات ورغبات الدارسين "الطلاب" والعمل على توفيرها بما يتوافق مع الأطر العامة للمجتمع وتوجهاته، وأخيرا اغتنام الفرصة التي تكفل تحقيق الرؤى التي تسعى من خلالها فلسفة الجامعات نحو المسؤولية المجتمعية.