الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: ثقافة إعلان الحائط

صدى البلد

تنتشر بشوارعنا ظاهرة سيئة ترقى لدرجة الجريمة، وهي الكتابة على الجدران والأسوار بغرض الإعلان، فأينما تذهب في كل المدن والمناطق حتى الراقية منها تجد انتشار هذه الظاهرة والتي يبدو أن لها امتدادًا تاريخيًا في ثقافتنا القديمة حين كان يسجّل قدماء المصريين تاريخهم على جدران المعابد والمقابر، لكن هذا الامتداد للأسف أصابته حمى البلطجة الإعلانية وانحطاط الذوق لدرجة أصبحت تصيب المرء بالغثيان لما يراه من هذا التلوث البصري أينما ذهب.

وكانت هذه الظاهرة أول ما بدأت ترتبط بالانتخابات البرلمانية حين كان يستخدم المرشحون الجدران في كتابة دعايتهم الانتخابية المزعجة بالإضافة إلى تلك اليافطات المصنوعة من القماش في الشوارع والميادين، حتى اتخذت الحكومة قرارها المحمود بتغريم كل مرشح يقوم باستخدام جدران المباني العامة والأسوار في كتابة تلك الدعاية المقيتة وتحميله تكلفة إعادة الطلاء بعد انتهاء الانتخابات.

وقد شهدت أحداث يناير 2011 سلوكًا جديدًا يتسم بالذوق والجمال من الاهتمام بتجميل الشوارع والميادين، لكن بعد مرور بضعة أشهر حاول فيها بعض الحالمين بمستقبل أفضل لهذا الوطن بث روح الرقي والمحافظة على نظافة الشوارع وطلاء الأرصفة وتزيين الميادين استهلالًا لنَقلة حضارية كنّا على وشك العبور لها لولا مَرَدة الإسلام السياسي الذين أَبَوا إلا أن يفسدوا كل ما هو صالح أو في طريقه للإصلاح وأنقضّوا على تلك اللحظة مدمرين كل ما هو جميل من هدم للأرصفة وتكسير للميادين وسَن تلك السنة السيئة والمُجَرّمة من استخدام جميع الجدران، العام منها والخاص في كتابة شعاراتهم البائسة وبذاءاتهم المُنحطة التي كان يندى لها الجبين عند رؤيتها في كل مكان.

فقد استباحوا جدران البلد لتلك الشعارات التافهة والبذاءات وظلت هذه العادة والمُعاناة منها حتى وقت ليس ببعيد، ولا أدري على أي أساسٍ كان انتهاج مثل هذا النهج الذي أقل ما يقال عنه أنه قمة في الغباء المضاف إلى سلسلة تصرفاتهم الفاقدة لمبادئ الفهم الأولية، فلم يكتفوا بإمطار وسائل التواصل الاجتماعي حينها بهذه الرسائل المكررة التي تتسم بالبلاهة التي تصيب قطيعًا بأكمله بل تم نقلها للشوارع لتلويث شوارع مصر في المدن والقرى بهذا الهراء، وعندما أرادوا العودة للساحة العام الماضي من خلال دعوات عرّابيهم في القنوات الفضائية التي تُبث من تركيا، كان أيضًا بنفس الفكر الضَحل المفتقر إلى أدنى أساليب التحضر وهو الكتابة على الجدران وأوراق العُملة، متناسين أن مثل هذا السلوك المُشين لن يزيد الشعب إلا رفضًا لهم.

بعد انتهاء هذه الموجة الكئيبة التي أصابت شوارع مصر من فئة ضالة معادية للجمال والرقي وتعافي شوارعنا من تلك الشعارات السخيفة، والعبارات المكررة الركيكة، انتشرت ظاهرة جيدة، وهي استخدام كاميرات المراقبة في الكثير من الميادين والمباني العامة والخاصة والتي مع استخدامها يسهل مراقبة مثل هذه الأفعال، بخلاف أعمال السرقات أو الإرهاب وباقي الجرائم.

والآن وبعد نجاحنا في التخلص من الدعاية الانتخابية على الجدران في الماضي. والشعارات السياسية وبذاءات الفئة الضالة خصوصًا بعد 30 يونيو وتنفُس شوارعنا ومياديننا بعض النظافة والنظام خصوصًا في ظل هذا التطور الحضاري الذي نشهده من توسعة لكثير من الشوارع وتشييد العديد من الكباري لتيسير حركة المرور وإكمال الحُلّة الحضارية التي تشهدها معظم مدن مصر، لم يتبق من هذا الإرث البغيض سوى تلك الإعلانات التجارية البائسة على الكثير من الجدران وأكشاك الكهرباء وسيراميك الأنفاق عن بعض المهن والخدمات  وسماسرة العقارات أو النشاطات التجارية الصغيرة وغيرها من تلك الدعاية الملوثة للمشهد الحضاري والمؤذية للذوق العام.

ما أقترحه على رئاسة كل حي القيام بحصر هذه الإعلانات وتحديد أصحابها خصوصًا أن تلك الإعلانات تتضمن أرقام هواتف - بكل بجاحة - وتغريمهم إعادة طلاء وإصلاح ما أتلفوه على نفقتهم الخاصة مع الاستعانة ببعض الكاميرات لمتابعة هذا النشاط المسيء لوجه مدننا الجَمالي
كما أنه يجب تغليظ عقوبة استخدام الجدران في أي كتابة أو إعلانات حتى يمكننا التخلص من هذه الثقافة وهذا التلوث البصري
ولننعم بشوارع نظيفة وجدران وأسوار بلا إعلانات.