الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دعاء الجهيني تكتب: الذكاء الاصطناعي والتنبؤ بالفساد

صدى البلد

في عام 2019 طور باحثان من جامعة "فايدوليد" في إسبانيا نموذجًا يقوم على الشبكات العصبية الاصطناعية وهو نموذج يحاكي المخ البشري عبر محاولات برمجية رياضية للتنبؤ بأي شبهة فساد قد تحدث في المستقبل في المقاطعات الإسبانية، كما أن الشبكات العصبية هي بمثابة أجهزة نمذجة رمزية قوية لا تضع افتراضات مقيدة بعملية توليد البيانات أو القوانين الإحصائية المتعلقة بالمتغيرات المرتبطة. 


وجدير بالذكر، أن الفساد من الصعب التنبؤ به سلوكيًا عبر معرفة مساعي الشخص أو نيته أو طريقة استغلاله لمنصبه فعليًا أو ربما مساعيه المستقبلية لاستغلال منصبه أو وظيفته، حتى أن أحد الفلاسفة يدعى "كواتيليام" شبه الموظف العام الذي يرتكب جريمة الفساد بأنه مثل السمكة التي تسبح في الماء، لا يُعرف ما إذا كانت تبتلع الماء أثناء سباحتها أم لا!! وكذلك الموظف لا يمكن معرفة كيف يمكن تحقيق مكسب خاص؟ ومتى يمكنه تحقيقه ؟ ولهذا السبب، أصبحنا بحاجة إلى اختراع حقيقي يسهم في منع الفساد قبل حدوثه، والتنبؤ به. 


واللافت للنظر، أن التنبؤ prediction لابد وأن يقوم على المؤشرات التي تسهم في تحقيق هذا الهدف. فقد اثارت دراسة "إيفان باستور" المنشورة في Social Indicators Research حول نموذج الشبكات العصبية للتنبؤ بالفساد في نهاية العام السابق جدلا كبيرا، وتعد هذه الدراسة من أكثر الدراسات قيمة وأهمية في مجال تجنب الفساد، حيث أكد باستور على أن هذا النموذج رغم أهميته، إلا أن تطبيقه الذي قد يشير إلى احتمالية عالية بوجود فساد لن يعني ذلك بالضرورة أن الفساد سيحدث فعليًا. وقد قام النموذج على عدد من المتغيرات التي اعتمدت حول بيانات الضرائب العقارية وارتفاع أسعار المساكن وفتح أكثر من فرع للبنوك وانشاء شركات جديدة في منطقة ما.


كل هذه المتغيرات مجتمعة ربما تعطي مؤشرا مستقبليًا على احتمالية وجود فساد في منطقة ما. الامر الذي يحتم على السلطات ضرورة التحقق من شبهات الفساد الرقابة عليها. كما أضاف النموذج بيانات حول زيادة سنوات حكم حزب سياسي معين والتي من المحتمل أن تؤدي إلى فساد مستقبلي. والجدير بالطرح أن جرائم الفساد السابقة كانت بمثابة وسيلة عززت من أهمية النموذج في التنبؤ بالفساد قبل حدوثه، حيث اعتمد  الباحثون على سلسلة قضايا الفساد التي ظهرت في إسبانيا بين عامي 2000 إلى 2012 ، مثل قضية شركة  Mercasevilla العامة التابعة لمجلس مدينة اشبيليه، وقضية baltar. حيث تم جمع معلومات هذه القضايا باستخدام الشبكات العصبية للوصول إلى مؤشرات تسهم في التنبؤ بالفساد وتكوين نظام انذار مبكر قبل حدوث الفساد عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي وأزمات الفساد التي حدثت مسبقًا والتي يسهم استغلالها في التنبؤ بأزمات الفساد المحتمل حدوثها مستقبلًا. 


وقصارى القول، إن وجود اختراع ربما يسهم في تحقيق التنبؤ بالفساد مبكرا لن يغني عن تطبيق استراتيجيات تنظيم تضارب المصالح سلوكيًا، والتي تعنى بالتعامل مع مواقف تضارب المصالح المفصح عنها قبل حدوث الفساد، ولن تغني عن تفعيل مواد قانون الافصاح وتداول المعلومات الذي يمكن الجمهور ملعوماتيًا وغيرها من الأمور التي يحتم تفعيل اجراءاتها في ملف الوقاية من الفساد. فالتعامل مع هذه الظاهرة تستعدي تفعيل منظومة كاملة مكملة على كافة المستويات الفنية والتقنية والسلوكية والأخلاقية والإدارية والمعلوماتية، فضلًا عن منظومة التدريب والتعليم المسبق، لتمكن الدولة من تجنب الفساد avoiding. وأعتقد أن كلمة التجنب تحمل في طياتها فكرا عمليا مقارنة بكلمة مكافحة fighting التي تقوم على مواجهة شيء ما ملموس مادي ظاهر، فالفساد عدو خفي لا يمكن ملاحظته، لكن من الممكن تجنب حدوثه مسبقًا.