الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: يصعب تفسير دلائل الحب أيام النبي دون لبس هذه النظارة

علي جمعة: يصعب تفسير
علي جمعة: يصعب تفسير دلائل الحب أيام النبي دون لبس النظام

قال الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، إن كثيرًا من دلائل الحب التي جرت في أيام سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم-سواء بينه وبين زوجاته أو بينه وبين أبنائه أو بينه وبين أصحابه أو بين أصحابه بعضهم مع بعض يصعب على كثير منا في هذا العصر تفسيرها أو تأويلها فضلًا عن اليقين في وقوعها، حتى أنكرها كثير من الناس ورفضوها.

وأوضح «جمعة» عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن ذلك لأننا صرنا نعيش في عصر انتزعت منه قيم الحب الأصيلة التي كانت تحكم أحداث عصر النبوة، ولن نستطيع أبدا أن نستوعب مثل هذه الحوادث والدلائل إلا إذا لبسنا نظارة الحب حتى نرى ونتذوق ونستمتع، حينئذ فقط يمكن فهم الأسباب والدوافع والحالة الشعورية والوجدانية التي عاشها الإنسان في هذا المكان وفي هذا الزمان.

وتابع: نعم كان الصحابة يعيشون حالة حب دائمة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طاقة حب ورحمة وحنان ورأفة ورقة تسري روحها في كل شيء حتى الجماد.

وأضاف: فجاء في بردة الإمام البوصيري يمدح سيدنا رسول الله: «فَإِنَّ فَضْلَ رَسُولِ اللهِ لَيْسَ لَهُ ... حَدٌّ فَيُعْرِبُ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ، وَكَيْفَ يُدْرِكُ فِي الدُّنْيَا حَقِيقَتَهُ ... قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَلَّوْ عَنْهُ بِالْحُلُمِ»، منوهًا بأن هذان البيتان يشتملان على حقائق عدة منها: أولًا: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شخص عظيم له حقيقة يغفل عنها كثير من المؤمنين به فضلًا عن من لم يعرفه أصلًا أو لم يؤمن به، وثانيًا: إن هذه الحقيقة وإن كانت ظاهرة للعيان ولكن ينكرها قساة القلوب ذوي البصائر الصدئة، ويصدق فيهم قول الشاعر: قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ * وَيُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ المَاءِ مِنْ سِقَمِ.

واستطرد: وثالثًا إن الإنسان إذا قارب الاطلاع على حقيقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولو بصورة جزئية فإنه ينبهر بنورها، ويعشق جمالها، ويهاب جلالها، ويذوب في حبها، ويعيش فيها وتعيش فيه، ورابعًا: والحقيقة أن معرفتنا بحقيقة رسول الله ليست محيطة أو شاملة، بل هي جزئية، يعرف الإنسان بعضها ويجهل بعضها، ثم تزداد المعرفة وتكتمل في حياته حسب فتوح الله عليه، وهكذا طوال عمره شيئا فشيئا، ويزيد مع المعرفة الحب والشوق ويزداد الانجذاب به وإليه -صلى الله عليه وسلم-.

وواصل: وحقيقة أخرى وهي أن الفتوح الإلهية بالمعرفة للحقيقة النبوية ليست بمحض التمني والصدفة بل مرتبط بالهمة العالية والعمل والاجتهاد في سبيل تحصيل هذه المعرفة، وسادسًا الحقيقة المحمدية موجودة في القرآن الكريم، وكان -صلى الله عليه وسلم- قرآنا يمشي على الأرض، وكان خلقه القرآن، وقال عنه تعالى في قرآنه: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ». وموجودة في سنة رسول الله في أقواله وأفعاله، وموجودة في سيرته في مواقفه وعلاقاته، وموجودة في تراث الأمة الإسلامية في نثرها وفقهها وشعرها وأناشيدها وسلوكياتها وأخلاقها.

وأكمل : سابعًا وحقيقة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- نراها في الكون من حولنا، هذا الكون الذي يدل على الله ويرشد الخلق على وجوده وعظمته، ويهدينا إلى الإيمان به وحبه. ولكن «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»، وثامنًا الحقيقة المحمدية إذا عرفتها ودخلت قلبك لن تخرج منه أبدا، ويشعر من فُتِحَ له ولو بشيء بسيط منها بالفرح والفرج والزيادة والطمأنينة، ولكن من أغلق على نفسه باب المعرفة والحب فمن يملك له شيئا، فإنه يتيه في الحياة. وهذه المعرفة وهذا الفضل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وهو الحكمة التي قال عنها الله تبارك وتعالى: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ».