الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد شيخو يكتب: العلمانية والإسلام السياسي في تركيا (4)

صدى البلد

تبنى العدالة والتنمية في بدايته خطابًا منفتحًا على الغرب ومدافعًا عن حقوق الإنسان  والرغبة في الانضمام للاتحاد الأوربي وتبني نظرية اقتصاد السوق والإصلاحات الاقتصادية التي تخرج بالاقتصاد التركي  من حالة الركود وحالة التضخم المزمن،  إذ وصل الاقتصاد خلال 2001 إلى ذروة الأزمة.  وتوقع المراقبون أن ينهار الاقتصاد بشكل كلي خلال أشهر، إذ بلغت نسبة النمو ناقص 7.5% تحت الصفر، وفقدت العملة 113% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وتراجع دخل الفرد بنسبة 20%. وتراجع الحد الأدنى للأجر من 156 إلى 100، وقدمت أكثر من 50 ألف مؤسسة اقتصادية صغرى ملف إفلاسها، وارتفع عدد العاطلين إلى أكثر من 1.5 مليون. في ظل هذه الظروف حقق العدالة والتنمية انتصارا على الشعب الجمهوري بـ 34% متقدمًا بفارق 10% . وكان هما الحزبين اللذين دخلا البرلمان. وشكلت العدالة والتنمية حكومة شابة تجنبت الخوض في القضايا الجدلية وركزت على التنمية والإصلاحات الاقتصاية  وبدعم من الجهات الدولية مثل صندوق النقد الدولي وتقرب ولو نظريًا من القضية الكردية تلك القضية الرئيسية في تركيا.



وجاءت انتخابات عام 2007 لتعكس نجاح الحزب وتعزيز حضوره عندما رفع أصواته من 34 إلى 46%. مع المحافظة على النسبة 10% في الانتخابات حتى لا يدخل الكرد البرلمان كحزب سياسي .    



ومع بدايات العدالة والتنمية كان الاصلاح الهيكلي وتحرير الاقتصاد ومحاولة تأهيل تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي  ولو شكليًا وابتعد قليلًا عن الشعارات الأيديولوجية ليساعده في كسب وإعجاب رجال الأعمال وطبقة واسعة من التكنوقراط. ومكنه هذا الوضع من الحصول على الدعم الأوروبي الكامل في تنفيذ إصلاحات  حتى في التقرب من الحياة السياسية . وهذا ما جعل الحزب يتحول من مجرد مشكل للحكومة إلى رافعة ولديه طموح جارف لتشكيل الحياة السياسية  ومنها تحديد مهمة المؤسسة العسكرية وإعادة بناء مجلس الأمن القومي بما يضمن سيطرته وتقليص حضور العسكر.



ومن الملفت أن العدالة والتنمية لضمان وجوده في السلطة تجنب الجدل مع العلمانيين وعدم اعطائهم الحجة وحتى أن قانون تجريم الزنا تم سحبه في عام 2004  لضمان عم الاحتكاك مع العلمانيين الكماليين، وحاولت نواة العدالة في عام 2007 الخلص من بعض الذين لديهم خلفيات اسلامية بشخصيات ليبرالية تؤمن للحزب استمراره في الحكم. ومن المهم معرفة العدالة والتنمية هل هو فعلًا حزب إسلامي. وكما يقال في النهاية أجندة أي حزب اسلامي في النهاية هو اقامة الدولة الإسلامية. وظل الأقليات والأديان الأخرى في تركيا تتخوف من زيادة وجود حزب العدالة والتنمية في الحكم بسبب خلفيته الإسلامية ورغبته في الهيمنة.



وحاول حزب العدالة والتنمية التقرب من المسألة الكردية التي يعتبر الحديث فيها من الأمن القومي التركي. فقد حصل الحزب على أصوات شريحة من الكرد بسبب ادعاءات اردوغان في حل القضية الكردية تبين فيما بعد أنه لا يملك أي مشروع لحل تلك القضية بل إنهم يريدون تصفية وجود المجتمع الكردي في نفس وقت عقده للمفاوضات مع الكرد وحتى أن حكومة العدالة والتنمية الحالية مع الحركة التركية القومية ارتكب من المجازر ما لم ترتكبه أي حكومة تركية سابقة في كل تاريخ تركيا الحديثة.



من المهم الإشارة إلى حركة فتح الله غولن الذي يتواجد في بنسلفانيا في أمريكا أحد مريدي الشيخ سعيد النورسي وهي الحركة التي كانت تتواجد مع أغلب التيارات والأحزاب الإسلامية في مراحلهم المختلفة وكانت هي أقرب إلى الدولة العميقة التركية، زادت أنشطتها منذ التسعينيات وكان حركة غولن متواجدة بين الاستخبارات والشرطة والدرك وكذلك ضمن القضاة وسلك التعليم ومجالات أخرى وكان لتحالفهم مع أردوغان دور كبير في إيصال أردوغان وحمايته من مختلف التيارات داخل الدولة لكن في عام 2013 وعلى أثر قيام قضاة بكشف بعض ملفات الفساد لعائلة ومقربي أردوغان حصل فك التحالف والقطيعة وبدأ الصراع الخفي بينهم ضمن فضاء مؤسسات الحكم وكان الانقلاب الاخير نقطة الفصل حيث اعتبر أردوغان أن حركة فتح الله غولن هي وراء الانقلاب وتم وصمها بالإرهاب في تركيا وحاول أردوغان عبر الإعلام الادعاء بمطالبته لكن يبدو أن أمريكا لم تتنازل لأردوغان عنه أو أن أردوغان لا يريده فعلا وإنما بقاؤه كعدو وتحقيق كل الغايات من وصمه بالإرهاب ، ومهما كان يبقى منظمة كولن التعليمية والخدمية في العالم مشروعا يتجاوز تركيا وربما المنطقة فهو ربما مشروع  عالمي ينتظر يومه الذي ربما ليس ببعيد حسب السياسات الأردوغانية المهددة لاغلب دول العالم.



وتجدر الإشارة الى أن التيارات الإسلامية التركية تعتبر ما تسمى الخلافة ملكا للاتراك وهم أصحاب الحق في إقامة الخلافة الإسلامية حيث حسب رأيهم مازالت الخلافة فيهم طالما كانوا هم امتدادا للعثمانيين والكثير من حركات الإخوان الحالية تدعم ذلك وحتى تريد إعادة الخلافة العثمانية حسب رأيهم.



ونجد أن تركيا الحالية بعلمانييها وبإسلامييها وبكل أطياف وتشكيلات الحكومات المختلفة، ظلت السلطة والحصول عليها هي الشاغل الأكبر ،  وهم كانوا منفذين لأدوار تركيا الوظيفية  التي تم تشكيلها على يد المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وكلا الاتجاهيين سواءً كانوا علمانيين أو اسلامويين معارضة كانوا  أو حكومة  لم يتقربوا ولم يكن لديهم برامج حقيقية لحل القضايا الاساسية في تركيا وفي الاقليم . لكن الأخطر أن حزب العدالة والتنمية وبعد تمكنه من السلطة حتى على أكتاف بعض من شركائه والدعم الدولي ذهب ينشد ويرسم مسارات وأوهاما لا تتوافق مع كل قيم ومبادئ الاسلام وحتى مع مبادئ الإنسانية وحسن الجوار  وانكشفت حقيقته لشعوب تركيا والمنطقة بأنه حاضن لكافة التيارات الإرهابية مثل الإخوان والقاعدة وداعش ويتدخل في كل المنطقة ولديه مشاريع للتمدد والتوسع على حساب التعايش المشترك و الأمن والاستقرار قائمة على التغيير الديموغرافي والتطهير العرقي والإبادة  والتهجير  وخلق الفتن واستمرار الفوضى، وعلى إستخدام جيوش من المرتزقة والإرهابيين التي شكلتها المخابرات التركية خلال 10 سنوات الأخيرة .  



من هنا على دول المنطقة وكذلك على شعوبها إدراك حقيقة العلمانيين والإسلامويين في تركيا وعدم الانخداع والتعويل على أحد الجانبين فكلاهما مازال أدوات للنظام العالمي المهيمن لضرب وحدة المنطقة وتكامل شعوبها وضرب التعايش والأخوة بين أبناء المنطقة. وما تتدخل السلطة التركية الأردوغانية وانكشارية المرتزقة في سوريا والعراق وليبيا وقطر والصومال وبين أذربيجان وأرمينيا وكذلك في العديد من الدول إلا بعض المواقف السلبية من القوى المركزية في النظام العالمي وكذلك من المجتمع الدولي وعدم ذهابهم إلى مواقف حقيقية وجدية في وقف التوسع التركي الأردوغاني الإنكشاري .



وعليه يبقى بحث شعوب تركيا والمنطقة ودولها  للتخلص من هذه الزمرة والاتجاهات الداخلة على ثقافة وحضارة وقيم المنطقة والعميلة للنظم  المهيمنة علمانيين كانوا  أو إسلامويين من التصرفات الصحيحة ويبقى فهم و ادراك تركيا وسلطاتها وخلفياتها العقائدية وأيديولوجيتهم وكذلك فهم منظومة العلاقات التركية مع العالم لابد منه، ومعرفة القضية الأساسية في تركيا القضية الكردية، عندما نفكر في بناء مواقف وتحالفات واستراتيجيات صحيحة لحماية المنطقة وشعوبها من التهديدات والإطماع الإقليمية والخارجية.