الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نرمين الشال تكتب: «مودة» المصريين ورسائل التعايش

صدى البلد

من بين الرسائل التي تلقيتها خلال الأسبوعين الماضيين عبر " الماسنجر " كان هناك رسالتان هامتان أولاهما عبارة عن استطلاع استقصائي اختارني صديق أكاديمي ضمن 400 شخص للمشاركة فيه والإجابة عن 40 سؤالا حول الأنشطة الاتصالية للمؤسسات الدينية " الأزهر الشريف، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية "  ودورها في تشكيل اتجاهات المصريين نحو ترسيخ قيم المواطنة، وأخبرني أن هذا الاستطلاع هو بحث علمي يقوم بإعداده  ليكون جزءا من  رسالة الدكتوراه الخاصة به، أما الرسالة الثانية فهي  دعوة للانضمام إلي منظمة عربية تابعة للأمم المتحدة  معنية  بقضايا التنوير ودعم حقوق الإنسان،  الدعوة  تلقيتها من شخص كريم ويشغل منصبا دينيا رفيعا  خارج مصر.     


وأعترف أن الرسالة الأولى أشعرتني بالخجل الشديد حين وجدت أن الأربعين سؤالا مقسمة بالتساوي بين الأزهر والكنيسة وعليّ أن أجيب عنها جميعا، فاكتشفت عدم درايتي ببعض النقاط  رغم علاقتي الطيبة بالإخوة المسيحيين، وزيارتي المتكررة للكنائس  بحكم عملي، لكن هذا لم يمكني  من الإجابة بطلاقة عن العديد من الأسئلة  فالأمر يتطلب الدراسة والمتابعة، وعدم الاكتفاء بالمصافحة والتقاط الصور.


على النقيض كنت أشعر بفيض من السعادة وأنا أقرأ الرسالة الثانية، حتى  كاد الزهو يأخذني حين  طالعت  قائمة أعضاء المنظمة،  ووجدت من بينهم مثقفون أحترم آراءهم وكتاب وفنانون، لكن وجدت بينهم أيضا  كتّابا معروفين بآرائهم الغريبة والشاذة حول العديد من القضايا التي تخص بعض أحكام الدين، وحاولت فهم طبيعة الأنشطة التي تدعمها المنظمة فاستمعت إلى مداخلة طويلة لواحد من أعضائها عبر إحدى القنوات الفضائية ووجدته بوازع الدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة للتعايش بين الأديان يسب واحدا من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم، فعرفت أن هذا الطريق  لا يناسبني، لأنه لا يعكس حقيقة العلاقة بين الأديان كما عايشتها.


سبقت المسيحية الإسلام في الدخول إلى مصر بحوالي 600 عام، عاش المصريون  خلالها فترات من الظلم والاضطهاد، ومرت الكنيسة القبطية بتحديات عقائدية كبيرة، ورغم هذا ظلت محافظة على هويتها الدينية والتاريخية، وظلت مصر محافظة على لغتها، حتى في فترة الاحتلال البيزنطي وهي فترة عصيبة جدا في التاريخ المسيحي.


بشهادات المؤرخين فإن الإسلام حين دخل مصر كان هذا وسط ترحيب من الأقباط،  فحافظ المسلمون على المبادئ الوطنية واحترموا عقيدة المصريين، وتبدل لسان المصريين إلي اللغة العربية، ويذكر أن  عمرو بن العاص حدّث جنوده عن أمير المؤمنين عمر عن النبي الكريم  "حافظوا على عهد جيرانكم الأقباط فإنهم في حمايتكم "، وامتد ذلك التآخي بين المسلمين والمسيحيين على مدى الأزمان،  والقرآن الكريم حين تحدث عن علاقة المسلمين بغيرهم  قال  {  وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ }، والمودة لفظ أسمى بكثير من كلمة " تعايش" فتعني الألفة وحسن المعاشرة التي يشعر معها كل طرف بالأمان والعناية في علاقته بالآخر.


هذه المودة هي ما تجسدت في سلوك الأقباط  خلال حملة الإساءة التي يتعرض لها نبينا الهادي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي رفضها عموم الأقباط في مصر وأدانوها بقوة،  ورأينا بعضهم  لم يكتفِ  بهذا فقاموا  بوضع شارة كتب عليها  عبارة " إلا رسول الله " على صفحات التواصل الاجتماعي، ومحلاتهم التجارية دون تلقين أو دعوة من كاتب ولا رعاية من  الأمم المتحدة.


لا أحد ينكر أن تغيرا ملحوظا طرأ على  مجتمعنا وتبدلت سلوكياتنا وظهرت  أفعال فجة وغريبة بيننا، وألقت السياسة بظلالها على العلاقة بين المسلمين والأقباط في بعض الأحيان، لكن هذه السلوكيات تظل دخيلة علينا، فسمات الشخصية المصرية وجوهرها  محفوظة بداخلنا كالمعدن النفيس، لأنها قيم مترسخة  في جذور الشخصية المصرية، وتاريخها، وكل ما علينا الآن هو السعي  لاستعادة ما هجرنا من هذه القيم والمبادئ السامية.