الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمي يكتب: لذة الخبرة

صدى البلد

حكم على نفسه بأنه "المعجزة" المخالفة لأطوار البشر ، فالإنسان يولد طفلًا ثم يصبح صبيًا فشابًا فكهلًا ، أما هذا المعجزة فلقد ولد فى أغلب الظن كهلًا ، تسللت تجاعيد روحه إلى وجهه  وضرب الشعر الأبيض حفنة رأسه وهو فى الثلاثين من عمره ، حركته بطيئة ، يرفع حاجبه الأيمن مع نظرة غطرسة أثناء حديثه .. يتحدث دائمًا عن مشاغله العديده ومجهوده المبذول فى الإشراف على الجميع ثم ينصرف قبل إنهاء أى حديث معتذرًا بضيق الوقت ... رغبته فى التعايش مع الناس تكاد تكون معدومة ، أما سكوته فهو خيرٌ من الحديث.. فكل النجاحات حوله يلقى عليها ماءًا باردًا فيفقد الجميع لذة العمل والحياة ، و اذا سمع أحدًا يتحدث بإعجاب عن شخص غيره أو يذكر محاسنه فإنه يُصاب بالصمت والاكتئاب ثم يأخذ نفسًا طويلًا ويبدأ فى الحديث عن نفسه مقارنتًا بهذا الشخص ويكشف "حقيقته" وكيف كان إنسانًا غير أمين يسرق جهد الآخرين ، و إذا سألته كيف عرفت عنه ذلك وأنت لم تحتك به أو تتعامل معه ؟ يرد فى فتور إنها الخبرة التى تكشف سذاجتكم وتوسمكم الطيب بالآخرين....ويشير إلى أن هؤلاء الفاسدون بارعين فى تمثيل الفضيلة والحكمة، وأنه هو فقط الذى لم يخطئ فى تقديره الشخصى لأحد و أنه يختلف عن بقية هؤلاء الأوغاد المتخفيين فى ثوب الاجادة والشرف .... ليضاعف جرعة السموم التى ينفثها فى الجو وكأنك تشعر بعد الجلوس معه بالصداع وضيق التنفس و بروح خامدة  لا تتحمس لأى شئ ... تؤدى بك فى النهاية إلى تجنب المعاملة معه كما يتجنب الإنسان مصدر العدوى وأن يفر منه فرار الفأر من القط الذى يطارده .

ولكن فى الحقيقة هو ذلك الشخص الذى استسلم إلى حياة الفراغ ، فطال عمره و ازداد تعقيدًا.. وحساسية فى التعامل مع الآخرين والانفصال عن الواقع ... فأصبح حبيس حجرته التى تتدلى خيوط العنكبوت من سقفها بشكل يعكس رؤيته الخاطئة للواقع وجنون شعوره بالاضطهاد ، فأصبحت لذته الوحيدة هى إظهار الشطارة وإعلان الانتصار وإجراء عمليات الإحباط بنفس البرود الذى يجرى به الطبيب عمليات الاستئصال بدون حماس ، وبات لسانه كالمشرط الذى يقطع به لحم الناس أحياءً. ويستمتع بلذة الخبرة والتفوق على الجميع لتكون حياته مثل الغرفة المبطنة بالمرايا، كل زاوية فيها تعكس عيوب الآخر دون أن يري نفسه مرة واحده فى هذه المرآه ليعود إلى عقله .

الآن هو يتلوى من المغص الحاد ، لا يقدر على سقى نفسه شربه ماء ، وحيد فى منزله  ، حرم نفسه من الأسرة والابن والصديق ، وكل مَن كان من الممكن أن يلجأ له فى هذا الظرف العارض . وأكتفى أن يتقلص دوره بين الناس كالشبح الذى يتخفى وراء الجدران فى الظل ولا يلاحظ وجوده أحدًا .... نعم أنه هو من طرأ بالك... وأنا أيضا أعرفه...!