الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عمران يكتب: العمل وعمارة الأرض

صدى البلد

للعمل فى المجتمع مكانة عظيمة، لأنه السبيل لنهضة الأمم وقيام الإنسان برسالته فى عمارة الأرض، فقال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا). إتقان العمل فى الشدائد مثل الجائحة التى تمر بها البلاد حاليا هو نوع من الجهاد الذى يفرضه الواقع لاستمرار عجلة
الإنتاج وتوفير حاجات الإنسان الأساسية فضلا عن تحصيل العامل منافع دنيوية جراء عمله، فإنه أيضا يأخذ الأجر والمثوبة من الله عز وجل، لذلك اعتبر الإسلام كل عمل نافع للإنسانية يبتغى به وجه الله تعالى عبادة، وقَالَ الرَسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا مِنْ مُسْلِمٍ
يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"

العمل له مكانة عالية ومنزلة رفيعة؛ فبه ينال الأجر والثواب، وهو عبادة عظيمة لله وامتثال لأمره، عن طريقه تقوم الحياة وتعمر الأرض، وتزدهر
الأوطان، ويحدث الاستقرار، أمر به سبحانه وتعالى فقال: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِى الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) كما قال سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا
مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) واعتَبَر الإسلام العمل نوعًا من أنواع الجهاد فى سبيل الله.

الله جعل الأرض مستقر حياة الإنسان ومعاشه فى هذه الدنيا وأوجد فيها الكثير من النعم وسخر جميع المخلوقات لخدمته ونوع له أبواب الرزق ووسع له طرقه وأمره بالسعى والعمل الصالح النافع الذى جعله سببا لمعاشه وعزته وقوته قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) لذا فالمطلوب أن ينزل المسلم فى ميادين الحياة مكافحا وإلى أبواب الرزق ساعيا وليكن قلبه معلقًا بالله وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وأن يمتلئ قلبه بخشيته والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره قال تعالى: «رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ».

والإسلام عظم من قيمة العمل والعاملين، ونهى أن يجلس الرجل بدون عمل ثم يمد يده للناس يسألهم المال، فالذى يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه، لأنه يُعرِّضها لذل السؤال وقد حذَّر النبى صلى الله عليه وسلم من المسألة وبالغ فى النهى عنها والتنفير منها، فقال صلى الله
عليه وسلم: (اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى ..) وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتى رجلا
فيسأله أعطاه أو منعه).

جميع الأعمال فى الإسلام سواء، ما دامت تدور فى دائرة الحلال ونفع الإنسانية، فالإسلام لا يعرف عملا رفيعا وآخر وضيعا، ولكن هناك عملا
مشروعا، وآخر غير مشروع، فالله تعالى جعلنا فى خدمة بعضنا البعض، وكل منا يحتاج الآخر، ولولا أصحاب المهن البسيطة أو التى ينظر إليها البعض على أنها وضيعة، لواجهنا الكثير من الصعاب والمشكلات وحدثت أزمات بالمجتمع، ولعانى أصحاب الثراء والمناصب الرفيعة، وهذا ما أكدته جائحة كورونا التى يعانيها الجميع اليوم..لذا وجب الاحتفاء بجميع العمال فى يوم عيدهم، ومساندتهم تقديرا لعطائهم ودورهم التكاملى لبناء الوطن ومرضاة الله عز وجل.

العمل والسعى على طلب الرزق عبادة يؤجر عليها الإنسان كالصلاة والصوم وسائر العبادات متى توجه الإنسان به إلى الله. لان الأصل فى طبيعة الحياة الإنسانية أن يلتقى فيها طريق الدنيا وطريق الآخرة وأن يكون الطريق إلى صلاح الآخرة هو ذاته الطريق إلى صلاح الدنيا. وأن يكون الإنتاج والنماء والوفرة فى عمل الأرض هو ذاته المؤهل لنيل ثواب الآخرة كما أنه هو المؤهل لرخاء هذه الحياة الدنيا وأن يكون الإيمان والتقوى والعمل الصالح هى أسباب عمران هذه الأرض كما أنها هى وسائل الحصول على رضوان اللّه وثوابه.

إولتحقيق الثمرة المرجوة من العمل لابد من الإتقان ومراقبة الله عز وجل، فقال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا
عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)، لذا فقيام المسلم بالعملِ على أتمِّ وجهٍ عبادةً تُضاعِفُ الأجرَ، وبالمقابل فإن من يقصر فى واجبه يعد خائنا
لله ولوطنه. وإذا كان إتقان العمل له أجر عظيم فى سائر الأيام، فإن ذلك الأجر يتضاعف فى الشدائد والمحن، كظروف الوباء الحالية، لذا فللعامل أجر وثواب عظيم، لاسيما الفئات التى تعرض نفسها للمخاطر والعدوى من أجل المصلحة العامة، لتوفير الغذاء والدواء ومقومات الحياة، فكل هذا يعتبر جهادا فى سبيل الله ما خلصت النية، فلو تخلف هؤلاء عن أعمالهم لتعطلت مصالح البلاد والعباد. وهنا تجدر الإشادة بالدور البطولى للفرق الطبية ومعاونيهم فى رعاية المصابين، وإنقاذ حياة المرضي. وكذلك الدور المهم لأصحاب الحرف المختلفة كعمال النظافة وغيرهم ممن يؤدون واجبهم فى ظل هذه الظروف الصعب، متحملين المخاطر من أجل مصلحة البلاد ودفع عجلة الإنتاج.