الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لـ صحيفة يونانية| الرئيس السيسي يكتب: مستقبل مليء بالتعاون وسط التحديات الإقليمية

صدى البلد

كتب الرئيس عبد الفتاح السيسي مقالًا لصحيفة "فيما" اليونانية، استعرض خلاله رؤيته للعلاقات بين مصر واليونان وآفاق التعاون المستقبلية بين البلدين في ظل السياقات الإقليمية التي تجمع أثينا والقاهرة، بعنوان:"مصر واليونان: مستقبل مليء بالتعاون وسط التحديات الإقليمية".


وجاء نص المقال: أول ما خطر ببالي عندما كنت بصدد كتابة هذا المقال لصحيفتكم، والتي كان لها تأثير واضح على المشهد اليوناني، هي الروابط التاريخية المستقرة التي ترسخت بين شعبينا منذ زمن الفراعنة واليونانيين القدماء، لم تقتصر هذه الروابط على القطاع الرسمي، بدل امتدت إلى جميع المستويات، الشعبية والثقافية والاجتماعية، ولعل الوجود والتأثير الثقافي المتبادل لآلاف السنين، والإسهام الجلي للثقافة المصرية واليونانية في تقدم البشرية. دليل على ما يمكن لبلدينا الصديقين تقديمه للمنطقة والعالم.

عندما ننظر إلى النزاعات المسلحة والتحديات غير المسبوقة التي تشهدها منطقتا، الشرق الأوسط وشرق المتوسط، فلا شك أن النموذج الحالي للتعاون بين مصر واليونان مثال يحتذى به لكيفية بناء علاقات بناءة وناجحة، إذا وُجد، ستراعى قيم الإرادة السياسية وقواعد القانون الدولي ومبادئ الشرعية الدولية وحسن الجوار. 

تطورت علاقاتنا الثنائية في السنوات الأخيرة إلى مستوى غير مسبوق من التعاون والتنسيق، مما رفعها إلى مستوى شراكة استراتيجية، الأمر الذي يمكن استنتاجه من كثافة الزيارات المتبادلة والاتفاقيات الإطارية في مختلف المجالات. والتقارب القوي الذي يصل إلى درجة التماثل في وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية التي تهمنا، فضلًا عن التفاعل المستمر بين شعبي البلدين.

بدون أدنى شك، فإن توقيع اتفاقية تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين يمثل نقطة تحول أساسية ونقلة نوعية في مستوى وطبيعة العلاقات بين مصر واليونان. جاءت هذه الاتفاقية متماشية تمامًا مع مبادئ الأمم المتحدة لقانون البحار كما تمثل نموذجًا لتعزيز التعاون الإقليمي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط​​، وفتح آفاق واسعة لصالح الموارد المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكلا البلدين. ربما كانت مبادرة كلا البلدين لإنشاء آلية تعاون ثلاثية مع قبرص في عام 2014، وجهودهما المشتركة لإطلاق منتدى غاز شرق المتوسط، الموقع في سبتمبر 2020، تجسيدًا للإرادة السياسية  للبلدين لتعزيز الأمن الأمن واستقرار وتقوي علمية التعاون والتكامل الإقليميين لتعظيم المنفعة المتبادلة للموارد المتاحة لتحقيق تطلعات شعوبنا.

وعلى صعيد ما يتعلق بهذه الجهود المستمرة للارتقاء بمستوى التعاون بين بلدينا سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، نجد أن هناك تحديات تهدف إلى الحيلولة دون تعظيم هذا التعاون، بلا أن تسعى إلى تهديده، وأدهى ما في ذلك، تبني أطراف معروفة لسياسات توسعية وممارسات استفزازية، وارتكابها انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وعدم احترام مبدأ سيادة الدولة واستمرارها في دعم الجماعات الإرهابية، مما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، الأمر الذي يتطلب موقفًا دوليًا حاسمًا تجاه هذه الأطراف لإجبارها على وقف كل ما من شأنه تهديد الأمن القومي لدول الجوار أو انتهاك حقوقها السيادية.

في سياق التهديدات للأمن والاستقرار في المنطقة، تبرز عدة أزمات، أهمها الأزمة الليبية في ظل التدخل السافر للأطراف الإقليمية نفسها، بتمويل ودعم الميليشيات بالسلاح، وكذلك نقل آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب إليهم. إن هذا يمثل انتهاكًا واضحًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومحاولتهم السيطرة على موارد وثروات ليبيا، حيث يجب التأكيد هنا على أن الحل السياسي الشامل يبقى هو السبيل الوحيد من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا الشقيقة، وما يستتبعه من معالجة الجذور الحقيقية للأزمة، امتثالًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومخرجات عملية برلين وإعلان القاهرة.

لا تزال كذلك الأزمة السورية تتواصل وتستمر خطورتها بينما تقترب من بلوغ نهاية عامها العاشر، ولا ولا يقتصر تأثيرها على البيئة الإقليمية، بل امتد إلى القارة الأوروبية، سواء تعلق الأمر باستقطاب الجماعات الإرهابية أو الترحيل الجماعي لملايين اللاجئين. 


من ناحية أخرى، تظل القضية الفلسطينية في قلب الصراع في الشرق الأوسط وهي مركزية بحيث لا يمكن تجاوزها أو التغاضي عنها إذا أردنا تحقيق سلام دائم وعادل، لا بديل عن استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على أساس قرارات الشرعية الدولية والالتماسات المتفق عليها ومبدأ حل الدولتين.

تأتي زيارتي الحالية لليونان في حالة توتر واحتقان نتيجة بعض الممارسات السلبية التي تساعد على تأجيج المشاعر بين المؤمنين من ديانات مختلفة، فنحن بين طرفين أحدهما يسيء إلى المعتقدات المقدسة ويقلل من شأنها، وآخر يرتكب جرائم مروعة بحجة الدفاع عن الدين. وهنا يجب أن نرفع صوت العقل والحكمة ونحاول محاربة ظاهرة الإرهاب ككل وعرقلة كل الوسائل التي تسعى من خلالها التنظيمات المتطرفة إلى نشر أفكارها الخبيثة دون الوقوع في خطأ ربط الإرهاب بأي دين أو ثقافة، مع التركيز في نفس الوقت على تعزيز قيم الوسطية والحوار وقبول الآخر ومحاربة العنصرية والتطرف والكراهية.

ختامًا، أنا مقتنع بأن الإرادة المشتركة لمواصلة العمل والتعاون بين مصر واليونان سيكون لها أكبر الأثر في تعظيم المصالح المشتركة وتحقيق المزيد من الطموحات لشعبينا الصديقين وتمثل القوة الدافعة لـ مواجهة التحديات المشتركة من خلال التضامن الحقيقي بين مختلف شعوب ودول المنطقة المحبة للسلام.