الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سعيد الكفراوي.. رحيل راهب القصة المنشغل بهموم المجتمع

صدى البلد

يعتبر القاص الكبير سعيد الكفراوي، الذي رحل عن عالمنا صباح اليوم، كاتبًا قصصيًّا متفرِّدًا ومشغولًا بهموم المجتمع المصري، وصاحب رسالة في الإخلاص لفن القصة القصيرة.

كوّن الراحل في بداية الستينيات ناديًا أدبيًا في قصر ثقافة المحلة الكبرى مع أصدقائه جابر عصفور ومحمد المنسي قنديل وصنع الله إبراهيم ونصر حامد أبو زيد ومحمد صالح وفريد أبو سعدة، قبل أن يعرف الكفراوي طريقه إلى مجلس نجيب محفوظ على مقهى ريش بالقاهرة.


ويعتير الكفراوي الريفي الأخير،  لأنه كما أشار في العديد من المقابلات والحوارات الصحفية أن ثمة جانب كبير وملهم في حياته الأولى التي عاشها في قرية حجازي بالمحلة الكبرى، ولم يكن انتقاله للمدينة سوى امتداد لمسيرة وسيرة القرية التي تسكن جل أعماله الإبداعية، بداية من مجموعته الأولى مدينة الموت الجميل 1985، سدرة المنتهى، مجرى العيون، دوائر من الحنين، كشك الموسيقى، ياقلب مين يشتريك، وصولا إلى "البغدادية" درة أعماله القصصية.


ظلت القرية بكل ما تحمله من طقوسها وعاداتها وطبوغرافيتها، والتي تبدو بسيطة هي مصدر أساس في كتاباته، هو يكتب عن ما يعرف، وعن ما يعتقد.. عن الواقع المعيش، اشتغل في أغلب أعماله الإبداعية على فكرة تجاور الكائنات، التجاور المألوف والعادي والطبيعي والذي يمارسه أهل القرية، كتب عنه الناقد شكري عياد في دراسة نقدية عن مجموعة «سدرة المنتهى» يقول: "الخيال القصصي الذي يحوم حول تجليات الروح، يقبل بسهولة الخرافي والمعجز، لأنه ينتمي لنفس العالم الذي ينتمي إليه القصص الشعبى، حيث يتحاور الواقعي اليومي بتفاصيله المحددة، مع الأسطوري والخارق، في تآلفٍ تام، لذلك نجد الزمن كأنه الزمن البئر، فيه تنفطر تجارب، حيث يمثل الزمن البئر مفهوم الإنسان للخلود والحضارة".


كتب الكفراوى، عن هؤلاء الذين لا تنفد أمانيهم، الباحثين دائما عن عدل مفتقد، أهل الهامش، الذين يجوسون في قصصه على الورق، يحملون حيرة السنين، والسؤال، ولا يعثرون أبدًا على إجابة وبرحيل سعيد الكفراوي نطوي صفحة الريفي الأخير لنفتحها على فضاءات منجزه القصصي الذي يقفز من الماضي للحاضر ليسكن هناك في المستقبل.

وترجمت قصص الكفراوى، لأكثر من لغة، وفي الآخر منحته مصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب، بسبب إنجازه الأدبي وإخلاصه لكتابة لونه القصصي الفريد.

ولد سعيد الكفراوي في قرية كفر حجازي بالمحلة الكبرى سنة 1942، ونشأ فيها، وبدأ اهتمامه بالأدب مبكرًا، فكوّن في بداية الستينيات ناديًا أدبيًا في قصر ثقافة المحلة الكبرى مع أصدقائه جابر عصفور ومحمد المنسي قنديل وصنع الله إبراهيم ونصر حامد أبو زيد ومحمد صالح وفريد أبو سعدة، قبل أن يعرف الكفراوي طريقه إلى مجلس نجيب محفوظ على مقهى ريش بالقاهرة.

تعرض الكفراوي للاعتقال سنة 1970، قبيل أيام من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، بسبب قصة كتبها، وبعد خروجه من المعتقل حكى ما حدث له لنجيب محفوظ، الذي استوحى منه شخصية إسماعيل الشيخ في روايته "الكرنك".

بدأ الكفراوي كتابة القصة القصيرة من الستينيات، لكن أولى مجموعاته القصصية لم تُنشر إلا في الثمانينيات، وترجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والتركية والسويدية والدنماركية.

ترأس الكفراوي تحرير سلسلة "آفاق عربية" الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.

ومن مجموعاته القصصية: مدينة الموت الجميل (1985)، ستر العورة (1989)، سدرة المنتهى (1990)، مجرى العيون (1994)، دوائر من حنين (1997)، كُشك الموسيقى، يا قلب مين يشتريك، البغدادية، زبيدة والوحش (2015): مختارات قصصية، صدرت عن الدار المصرية اللبنانية، وتضم ستة من مجموعاته القصصية.

وسبق وحصد الكفراوي جائزة السلطان قابوس بن سعيد للقصة القصيرة عن مجموعته القصصية "البغدادية"، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب (مصر، 2016).


وعبر موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك، تم إقامة سرادق عزاء افتراضي للراحل، نعى فيه كافة المثقفين الكفراوي، داعين المولى بالمغفرة والرحمة له. 


وقالت الكاتبة سهى زكي٬ في منشور على موقع التواصل الاجتماعي  فيس بوك: "اللي أنا متأكدة منه أنه مقدرش يعيش من غير إيده ورجله وقلبه مقدرش يعيش من غير شريكته اللي كانت بتحبه بجنون٬ وكانت سند كبير له في كل حاجة٬ هو قاوم أيوا قاوم لكن الحزن الحقيقي مينفعش تزقه على جنب وتقول له استنى لما أحاول أعيش شوية٬ لأ في حزن بيخرج منك يغلبك ويسحب روحك يوديها للي أنت زعلان عليه ويقولك إهدي أطمن في حضن حبيبك".

وتابعت سهى: الله يرحم الكاتب الكبير سعيد الكفراوي الذي لحق بزوجته الجميلة الراقية أحلام بعد فترة ليست طويلة من الفراق، كان هو وأحلام ثنائي رومانسي يجسد العشق الأسطوري هذا ما كنت أراه في الرحلات التي جمعتنا بهم في صيف كل عام.

لم نكن نشبع من حواديته الأسطورية، فهو حكاء عبقري وكان سباح ماهر كذلك، يصطحب حفيدته "رقية" وابنتي إلى داخل البحر ويستكمل حكي لهم، وكانت زوجته تستمع له بانبهار وكأنه يحكي القصة للمرة الأولى.. كلام كثير يتقال في الحزن على سعيد رحمة الله عليه.

بينما قال الكاتب محمد شعير: "في أسبوع واحد يرحل مصطفى صفوان وسعيد الكفراوي.. أسبوع الأحزان غير العادية".

وقالت الكاتبة صفاء عبد المنعم:"الكاتب الكبير سعيد الكفراوى مع السلامة شجرة الأدباء تتساقط أوراقها، أما الناقد المترجم السيد إمام فدعى متمنيًا: "أحسنوا إلى مَن تبقى من أدبائكم ومثقفيكم الكبار.. إنهم ضيوف عندكم"، ونشر صورة تجمعه بالكفراوي في إحدى اللقاءات الثقافية.

وتابع الكاتب سعد القرش: لقائي الأول بسعيد الكفراوي كان في بيته بمصر الجديدة، قبل انتقاله إلى بيت شارع الطيران، هو أسرع مَن يذيب مسافة بينه وبينك، ويقيم جسرا من المودة والدفء، وقال لي: «الله؟ انت من بنا أبو صير يا أبو السعود؟»، وحكى عن بلدنا، وسألني عن زميل له من أيام العمل في الجمعية الزراعية، فقلت إنه والد زميل لي في المدرسة. 

وسألته وحكى أكثر كأننا نعرف بعض من زمان، ونكمل ما انقطع، وقدم لي غداءً معتبرًا، أظنه سبانخ باللحمة، في أيام الجامعة الشحيحة، كان كريما مثل أي فلاح شبعان على طبلية أهله في كفر حجازي، ولم ينس أن يقول كأنه يعتذر عما حسبه اقتصادا في الضيافة: «على قدّ ما قسم يا ابو السعود، انت شايف أحلام مش موجودة».

وواصل: "كلمني بتلقائية، باعتباري من أهل البيت، وهو ينطق اسم السيدة بمحبّة شديدة، كأنني أعرفها، وأستغرب عدم وجودها وهو يستقبل ضيفا، وأنا لست ضيفًا ثم أهداني مجموعته القصصية الوحيدة آنذاك «مدينة الموت الجميل».