الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: المرأة بين العادات والتقاليد

صدى البلد

باتت جلَّ حياتنا مرتبطة بقوانين ثابتة لا يمكن المساس بها ونعتبرها من المسلمات التي بها فقط بمقدورنا ان نعيش كيفما يحلو لنا بعيدًا عن تعقيدات الحياة التي وصلنا إليها نتيجة التطور التقني والتكنولوجي. ومن هذه القوانين المسؤولة عن أدق تفاصيل حياتنا بكبيرها وصغيرها ولا نستطيع الاقتراب منها هي العادات والتقاليد المتجذرة في المجتمع ولا يمكن حتى مجرد التفكير بها وأخذها كما هي وتنفيذها من دون سؤال حتى. 


العادات هي تلك الأمور التي تعوَّد أفراد المجتمع على عملها حتى باتت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم. وقد تشمل الكثير من القضايا التي يمارسها الانسان في حياته وسط المجتمع. بينما التقاليد هي المعتقدات التي تم تناقلها عبر الأجيال بالتواتر حتى أصبحت من الأمور المسلم بها في المجتمعات. وبالنظر إلى هذين التعريفين ترى أنه من خلالهما كيف أنَّ معظم ما نقوم به في حياتنا مرتبط بالعادات والتقاليد المستمرة منذ مئات أو آلاف السنين من دون أن يقوم أخد بالبحث فيهما والتدقيق أو حتى التطوير وفق زماننا الآن.


لا يمكن بكل تأكيد إنكار كل ما نقوم به من عادات وتقاليد لأنه من خلال هذين المصطلحين حافظت مجتمعاتنا على وجودهما وصيرورتهما. لكن ضمنهما هناك بعض العادات والتقاليد التي عفا عنها الزمن وينبغي التفكير بتغييرها أو التخلص منها، لأنه بتكرارها حتى الآن تتحول إلى عقبة وفرملة الانسان والمجتمع نحو التخلص من بعض الأمور التي أصبحنا أسرى لها تحت اسم العادات والتقاليد.


وربما أنه من أكثر المتضررين من العادات والتقاليد هي المرأة التي باتت حبيسة لها ولا يمكنها القيام بالكثير من الأمور خوفًا من ازدراء المجتمع لها والنظر إليها على أنها انسانة منبوذة، وكأنها حطمت قوانين الطبيعة واقتربت القيامة. وربما تكون هناك الكثير من العادات والتقاليد تم إدخالها ضمن المجتمع تحت مسمى الدين لإصباغها بطابع ديني ووضع هالة م القداسة عليها حتى لا يتقرب منها أحد، وبهذا يغدو المجتمع نمطي ومنقاد لقوانين تحت اسم العادات والتقاليد والتي تتحول إلى سجن مفتوح على مصراعيه ومنغلق بنفس الوقت على روح الانسان المبدعة.


ومن هذه الأمور التي بتنا مقيدين بها ولا نستطيع التخلص منها وخاصة نحن النساء في المجتمعات الشرقية هي التكلم في أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والفن وحتى في الأمور المجتمعية التي تهم المرأة بشكل مباشر. فكل هذه الأمور من اختصاص الرجل الذي هو يعلم كل شيء والمرأة بشكل طبيعي هي كائن قاصر ومنقاد عاطفيًا لا يمتلك العقل وملكية التفكير. كل الأمور ينبغي الرجوع من أجل البت بها إلى الرجال الذين هم قوامون على النساء.


المبادئ الإنسانية والقيم البشرية السليمة ثابتة، ولكن المفاهيم والأفكار وطُرق تنفيذها تتغير من فترة لأخرى وتتطور بتطور العلم والفكر والاكتشافات البشرية، ومع أهمية دور العادات والتقاليد في الحياة، ولكن ليس من المنطق التقيد والالتزام الصارم بجميع الأفكار السائدة من دون تحرّي حقيقتها والتفكير في صحتها، ومدى صلاحيتها لهذا اليوم، فالعادات والتقاليد ترسم شخصية الفرد وتصنعه، وإليكم بعض الأمثلة: عدم التفريق بين "الدين" و"رجل الدين"، وكذلك بين "الوطني" و "الخائن" الذي أصبحت أعماله وأقواله وجهة نظر عند البعض، كتابة التاريخ بلا وضع هامش للنقد حتى نتعلم من الأخطاء، نردّد يوميًا «لا فرق بين عربي وأعجمي الا بالتقوى..»، ونُصنف الناس بأصولهم ومذاهبهم وألوانهم وأشكالهم وبحالتهم المادية. نشكو من الواسطة، ونحن أول من يبحث عنها. نرمي مخلفاتنا في الشارع كأن المُدن سلال مُهملات ونشكو من انتشار القاذورات! نتذمّر من أخلاق الشباب، وننسى أنهم "تربيتنا" ولم يأتوا من الفضاء الخارجي. نشكو من الفساد والفاسدين لكننا نحث أولادنا على الفساد والكذب من أجل الوظائف والمناصب، نعاتب "الدولة" على كُل ما يحدث، وننسى أننا مُكوّن رئيسي للوطن وشركاء فيما يحدث فيه. نصفق ونمدح الرئيس والزعيم في العلن، ونشتمه ونلعنه في قلوبنا، يدّعي البعض أن دينهم خير الأديان، لكنهم لا يتحرون حقيقة بقية الأديان ولم يقرؤوا عن أي دين آخر في حياتهم، ويجهلون حتى تفاصيل دينهم، ويحمدون الله على تدينهم، وننسى "ان أكرمكم عند الله أتقاكم".


وتبقى المرأة حبيسة هذه العادات والتقاليد حتى تقتنع هي بذاتها بأنها مقيدة بأغلال لن يحررها أحد منها إلا إذا هي أرادت ذلك وقررت من داخلها بأنه ينبغي عليها التخلص من هذه القوانين التي باتت أسيرة لها.