الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد شيخو يكتب: إرادة الحياة من فيس

صدى البلد

ربما يستغرب البعض ما هذا التاريخ أو العنوان التاريخي، لكنها تاريخ يختصر قضية أقدم أمة في التاريخ أو على الأقل حقيقة عشرات ملايين الناس  وحياتهم وأملهم التي جسدت إرادة الحياة وأضرارها، وشموخ جبال طوروس و زاغروس وعظمتهم، إنها قصة وحكاية حفر بئرٍ برأس دبوس وقضية عشق وهيام بالحياة الحرة، ورواية كتبت بدماء أكثر من ٥٠ ألف شهيد على الأقل ولم تكتمل فصولها بعض، إنها إعادة مسيرة ابن منطقتنا سيدنا إبراهيم في الوقوف في وجه ظلم نمرود والبحث عن الحقيقة والسير إلى بلاد كنعان ومصر.


حتى نفهم جوهر ومضمون هذا التاريخ علينا معرفة عدد من الحوادث والتجليات، فعنواننا يعبر عنهم ويجري في  جدولهم وربما نستطيع القول إنها تشكل امتدادا لهم ولروح أزمانهم:


في جبل آكرى ذات الارتفاع الذي يتجاوز ٥٠٠ ألف الواقع على  مثلث الحدود التركية الإيرانية والأرمينية دفنت الدولة التركية علم ثورتها وثورة الجنرال الكردي إحسان نور الدين باشا في قبر وكتب عليها "هنا تم دفن كردستان"، بعد أن قصف الجيش التركي  القرى الكردية بـ ٨٠ طائرة وتم قتل أكثر من ١٥ ألفا في وادي زيلان فقط.


إنها الروح الطاهرة للنساء الكرديات البسيايات اللواتي رمين أنفسهن من فوق زنار (صخور) جبال ديرسم حتى لا تقعن في يد الجيش التركي أيام ثورة ديرسم التي تم قتلت الدولة التركية فيها حوالي ٨٠ ألف كردي، بالإضافة إلى سد وغلق أبواب العديد من الكهوف بالأسمنت على العوائل الكردية وأغلبهم النساء والأطفال والشيوخ.


إنها حكاية رندي خان بنت ملا يونس الموتكي التي قالت لضباط الجيش التركي بعد أسرها وبعد قتل أهلها أبان ثورة موتكي، حيث قالت: لنخرج من أرض أهلي ومن بعدها تستطيعون فعل أي شيء وعند وصولهم لجسر ملا بادي طلبت إلقاء نظرة أخيرة على أرض عشريتها وأهلها، فترمي نفسها من فوق الجسر لتستشهد وتبقى جذرا يبحث عن الجذع وروحًا يبحث عن يوم ٢٧_١١_١٩٧٨م لتتجدد فيه.


إنها مقاومة أهل قلعة دمدم سنة ١٦٠٨  وعدم استسلامهم للشاه عباس ورمي أنفسهم مع نسائهم وأطفالهم بعد معرفة الشاه مدخل الماء عن طريق محمود الخائن، حتى لا يستسلموا فهي غير موجودة في قواميس أهل الجبل، كانت تنفيذا لوصية الشيخ سعيد بيراني الطاعن في السن الذي أعدمته الدولة التركية في سنة ١٩٣٨ في ساحة المسجد الكبير في مدينة آمد (ديار بكر)، وفوق منصة الإعدام قال الشيخ سعيد: "إن الحياة الطبيعية تقترب من نهايتها، ولم آسف قط عندما أضحي بنفسي في سبيل الله، وإننا مسرورون لأن أحفادنا سوف لن يخجلوا منا أمام الأعداء".


إنها رغبة جسد علي شير وزوجته ظريفة قادة ثورة كوجكري ١٩١٩م  في عدم الابتعاد عن رأسيهما التي قطعهما الجيش والدولة التركية عن طريق بعض الخونة.


إنها حب ومهارة وعهد وجرح درويش عفدي وعدولة وهم يعيشون الايزدية الشنكال ومنبت الفرسان وصداقة العرب الشرفاء وجواب لـ ٧٢ فرمانا  أغلبهم  بأمر السلاطين العثمانيين المعتوهين للقضاء على  المجتمع الأيزيدي وإبادته.


أمل وحسرة الشاعر الكبير أحمد خاني في الوحدة وهو يكتب قصائده بكل لغات المنطقة من الكردية والعربية والتركية والفارسية، وكذلك ابن سينا والموسيقار ابن زرياب وغيرهم ليكون خير تعبير عن التعاون والتشارك في الحياة، وشجاعة أبو مسلم الخراساني وصدقه مع أئمة أهل البيت وآل عباس رغم ما حصل له.


إنها أخوة الشعوب وإرادة المنطقة والشرق التي جسدها الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي وحد كردستان وبلاد الشام ومصر في  أوسع وأقوى وأجمل تحالف وتعاون وتكاتف بين شعوب المنطقة.


إنها تعايش ومجتمعية وتشارك ألمانية والمزدكية اللواتي ظهروا في جغرافية ميزويوتاميا المتنوعة وجسدوا الطبيعة والحياة والتشارك والإنسانية بكل ألوانها وتعرجاتها وأخلاقياتها.


كانت صدى وشوق الأميرة الكردية آمي بنت الملك الكردي التي تزوجت نبوخذ نصر والتي طلبت من زوجها الملك البابلي بناء ما هو شبيه بجبال موطنها فكان بناء برج بابل المعروف حتى تصعد وتنظر إلى جنة أهلها إلى بلاد الهوريين والكوتيين والميتانيين.


إنها يوم الوحدة والتحول من أمون إلى أتون عندما استطاعت الأميرة نفرتيتي الميتاتية القادمة من كردستان من  إقناع زوجها أمنحوتب الثالث في مصر، وبالتالي الذهاب من الأصنام وتعدد الآلهة إلى الواحد الأحد. 


إنها امتداد ليوم صمود همبابا ودفاعه عن جباله وجنته حسب التعبير السومري في وجه أنكيدو وجلجامش وجلجامش الطامعين في جبال وثروات مناطق الكوتيين أسلاف الكرد.


إنها يوم بدء مشوار ومسير وطريق الحرية والكرامة التي ترنو إليه عيون حوالي ٦٠ مليون إنسان كردي وقالوا بعد اليوم لا نقبل بالدفن فالله وهب لنا الحياة وأعطانا مثلما أعطى الباقي يبقى علينا السعي والاجتهاد والتضحية مع أمتلاك  المعرفة والوعي.


إنها يوم حضرت أم وأخت سيف الدين زورلو في قريتهم في قرية فيس الواقعة حوالي مدينة آمد (ديابكر) لأصدقاء إبنها في الجامعة الـ ٢٢ وجهزت ورتبت بيتهم المتواضع لتدخل التاريخ لتضاهي تأثيرها وتأثير ضيوفها فعل القصور وقلاع الوجود والشموخ والروح الأبدية الطاهرة الكردية، حتى يستكملوا ما حققه كاوا الحداد في سنة ٦١٢ قبل الميلاد  لشعوب المنطقة حينها بالتخلص من الطاغي الظالم الملك ضحاك آكل أمخاخ شباب الكرد كدواء لمرضه العجيب والدخول في زمن وعالم الحرية بإشعال النار كإشارة للتخلص من الظلم والطغيان.


يوم اتخذ القرار وبدأ المشور للقول إننا موجودون على أرضنا التاريخية ولا نريد الخنوع والاستسلام لأحد بل نريد الأخوة والحياة المشتركة الحرة، يوم  بدأ خطوات تأمين السلام والحق والعدل في كردستان للكرد ولكل المكونات.


يوم تنظيم إرادة وطاقة شعب يقترب عدده من ٦٠  مليونا في التخلص من المفاهيم المعززة للإحباط والاستسلام وتسلط الإقطاعيين التابعيين وتبعيتهم للمحتلين كما حدث مع مواجهة السليمانيين في حلوان وسويرك واستمراره حتى الآن في مختلف مناطق تواجد الكرد.


إنها يوم تأسيس حرية حرية الشعب الكردي قبل ٤٢ سنة يوم البدء بنضال الحقيقة والبحث عنها، من يومها أفُشلَ مخططات  بدأت مع اتفاقيات لوزان وسايكس بيكو والقاهرة وأنقرة لإنهاء الشعب الكردي وهويته وجعله ورقة ضغط وتحكم، لكن لا يعلمون أن قوة الثقافة والأصالة وترسخها وتنقلها عبر الأجيال حقيقة لا يستطيع أحد من التجاوز فوقه، بالإضافة إلى الجبال التي أعطت الإسكندر المقدوني دروس كبيرة في فن المقاومة والحياة رغم كل الظروف.


إنها يوم بدء التدريب للأجيال الشابة والقادمة وفق حقيقة المجتمع ومصالحه ويوم نضال السلام وبذل الجهد لتحقيق الاستقرار والأمن عبر الاعتراف بتنوع الحياة وأختلاف الثقافات في إطار الوحدة الكلياتية وتكامل الحياة عبر مشروع الحداثة الديمقراطية والادارة الذاتية كبديل للنظام الإقليمي والعالمي الليبرالي المهيمن.


إنه يوم تأسيس  حزب العمال الكردستاني، أكبر القوى الكردية، وأكثرها تعبيرًا عن حقيقة الشعب الكردي  وطلبًا للعيش المشترك ولحل القضايا بالسبل الديمقراطية ووفاءً لذكرى شهادة الأمة الكردية، وعلى رأسهم الأممي والقيادي حقي قرار الذي كان الروح المستترة للقائد عبد الله أوجلان، مؤسس الحزب، الذي مازالت المؤامرة الدولية وتركيا تحبسه منذ ٢٢ سنة في جزيرة إمرالي في بطريقة وحالة غير قانونية من العزلة والتجريد والذي قارب مشواره النضالي ٥٠ سنة وهو يطرح الحلول السلمية والديمقراطية لحل القضية الكردية في إطار دمقرطة الدول التي تتواجد فيها الكرد لكن تركيا والنظام العالمي لم يتخذو قرارهم بتغيير استراتيجيتهم تجاه الشعب الكردي ومازال الدول المركزية تراعي مصالحها مع السلطات التركية وتصف أكبر قوة سلام كردية بالإرهاب رغم علمهم بكل إرهاب الدولة والسلطات التركية تجاه شعبنا الكردي.


ولعل عفرين وسري كانيه/ رأس العين وكرى سبي/ تل أبيض و في جنوب شرق تركيا وفي إقليم كردستان العراق وشنكال أحدث أمثلة عن إرهاب تركيا وطريقة تعاملها مع الشعب الكردي وشعوب المنطقة في سعيها لضرب كل مكتسبات الشعب الكردي ومحاولة القضاء على مجتمعه وإنهاء وجوده في ظل تواطؤ دولي وإقليمي.


مع العلم لو تم وقف السلطات التركية وآخرها الأردوغانية الإخوانية وحزبها العدالة والتنمية (AKP) والمتحالفة مع الحركة التركية القومية الفاشية (MHP) عن إبادة الشعب الكردي لما تجرأ أردوغان على الذهاب بانكشارييه المرتزقة الإرهابيين إلى إدلب أو ليبيا أو آراساخ أو الصومال أو قطر أو اليمن أو لبنان أو أي دولة أخرى لإعادة العثمانية البائدة أو لما تجرئ على إرسال الإرهابيين إلى أوروبا وربما إلى العديد من الدول لتهديد الأمن تحت عناوين مختلفة.


هنا تبقى إرادة شعوب المنطقة وقواها الديمقراطية والمجتمعية مع تضافر جهودهم مع المجتمع الدولي والرأي العام الإنساني العالمي من السبل الممكنة والكفيلة لتحديد الإرهاب الحقيقي للدولة التركية العميقة وحكوماتها المتعاقبة المدعومة من النظام العالمي المهيمن، ووقفه عن إبادة شعوبنا ودعمها للإرهاب وخلق الفوضى وضرب السلم والأمن الإقليمي والدولي، حتى يتحقق الاسقرار والرفاه والسعادة كنتيجة ممكنة لتراكم القيم الإنسانية والأخلاقية للبشرية جمعاء.