الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد غنيم يكتب: روشتة علاج جمهور المهزوم بين الأهلي والزمالك

صدى البلد

هناك تعبير دارج منتشر على صفحات مواقع التواصل بين جمهوري الأهلي والزمالك على سبيل الدعابة عندما يريد أحد الجمهورين مواساة الجمهور الآخر يقول له مازحًا: "حطلها قطرة وسيبها فترة" وبالتأكيد لن تكون هذه العبارة هي روشتة علاج جمهور الفريق المهزوم في هذا المقال، فبطبيعة الحال الفوز هو ما يتمناه كل مشجع لفريقه ولا يعنيه حزن جمهور الفريق الآخر لخسارة فريقه، بل على العكس فغالبا ما يقسو الفائز على الخاسر في الاحتفال أو فيما يُعرف بالتحفيل على جمهور فريق الآخر ونصب السيرك له ليصب فوق رأسه كل أنواع الشماتة والصور والفيديوهات الساخرة والعبارات التي تظهر بعد المباراة ويظل يعاير بها جمهور الفريق الخاسر لوقت طويل بعد المباراة، ومباراة اليوم ليست كأي مباراة جمعت بين الأهلي والزمالك من قبل، إنه حدث تاريخي كبير لا يتكرر كثيرًا.

اليوم تشهد إفريقيا ليلة تاريخية في نهائي يجمع بين قطبي الكرة المصرية في قمة هي الأشهر والأقوى عربيا وإفريقيًا، لقاء هو الأصعب والأهم في تاريخ لقاءات الفريقين، الأهلي والزمالك سيلتقيان لأول مرة وجهًا لوجه نهائي دوري أبطال إفريقيا، فوز أحدهما على الآخر يعني الفوز باللقب الأهم لجميع أندية إفريقيا ويصبح بطل القارة لعام 2020، والخاسر سيتجرع مرارة الهزيمة مرتين، الأولى لخسارة اللقب بعد الوصول إلى المباراة النهائية والثانية للهزيمة أمام الغريم التاريخي له والتي ستلقي بظلالها لأيام وشهور وقد يمتد أثرها لسنوات لاحقة للمباراة، تظل ذكرى الهزيمة نكتة سوداء أشد قسوة من هزيمة الأهلي أمام صن داونز بخماسية، ومن هزيمة الزمالك أمام الأهلي بستة أهداف لهدف، وهي أسوأ الذكريات التي يود جمهور الفريقين محوهما من تاريخيهما.

الهزيمة تعني الغضب الجماهيري للفريق الخاسر ضد مجلس إدارة فريقه، ولعلها ستكون أقوى أسباب رحيل مجلس الإدارة مع أول جمعية عمومية للانتخابات المقبلة، كذلك ستكون الهزيمة سببًا لتغير مسار حياة العديد من اللاعبين إما بالرحيل عن النادي الخاسر والبحث عن مشوار جديد مع نادٍ آخر، أو السخط الجماهيري على اللاعب إذا كان أحد أسباب الخسارة ولم يكن موفقًا في هذا اللقاء.

مباراة تمثل فيلمًا مرعبًا ينتظرها الجمهوران بمشاعر تجمع بين التفاؤل والثقة والأمل في تحقيق الفوز وبين القلق والخوف وتوتر الأعصاب لعدم القدرة على تحمل صعوبة الهزيمة التي يتجول شبحها في عروق كل مشجع لناديه، ساعات تفصلنا عن المباراة النهائية تمر كأنها سنوات، يود الجميع لو أغمض عينيه ثم فتحهما ليجد فريقه يحتفل بالفوز بكأس أبطال إفريقيا فيطير من فرحته وينتهي كل هذا الرعب والانتظار والخوف مما ستنتهي إليه أحداث المباراة.

عزيزي مشجع كرة القدم الأهلاوي والزمالكاوي، سأضع أمامك بعض الأسئلة التي أطلب منك أن تسألها لنفسك، وهيماذا ستعني خسارة فريقك الذي تحبه لك أنت؟ لشخصك تحديدًا؟ لمجرى حياتك؟ ما مدى تأثير هزيمة فريقك على حياتك الأسرية؟ هل طموحك لمستقبلك سيتغير بعد هزيمة فريقك؟
لا تضع مباراة كرة قدم مهما كانت تمثل لك من أهمية كبرى في غير إطارها الصحيح فتجعلها محور حياتك الأهم، لأنها في الحقيقة ليست كذلك، في النهاية هي لعبة وتنافس ورياضة.
سأضع أمامك مجموعة من الأسئلة الأخرى ولكن هذه المرة تتعلق بفريقك الذي تحبه: هل هذه ستكون المباراة الأخيرة لفريقك؟ هل خلال تشجيعك لناديك لم يخسر أي بطولات لعبها؟ هل الهزيمة تعني شطب فريقك من سجلات كرة القدم؟ هل من الممكن أن يكرر فريقك فرصة الوصول للمباراة النهائية في العام التالي للبطولة ويحصل على اللقب؟ هل من الممكن أن يلتقي فريقك مرة أخرى بالفريق الآخر وينتصر عليه انتصارا مدويًا بنتيجة تاريخية؟

ستدرك من خلال إجابتك أن كل شيء لم ينته بعد، وأن الهزيمة ما هي سوى صفحة لم يكن فيها التوفيق مصاحبًا لفريقك، وستنطوي الصفحة وتأتي صفحة جديدة قد تحمل لفريقك أقوى الانتصارات وأهم البطولات، فالكون لن يعلن توقفه بسبب الهزيمة، ولن يحدث لفريقك أسوأ مما حدث لمنتخب البرازيل في كأس العالم 2014 في قبل النهائي على أرضه ووسط جمهوره بعدما تلقى هزيمة ساحقة من الألمان بنتيجة 7 أهداف، ولن تشعر بما هو أسوأ من شعور جماهير برشلونة بعد الخروج المرير من دوري أبطال أوروبا على يد بايرن ميونخ بثُمانية قاسية، هل انتهت البرازيل أو برشلونة كرويًا؟ وهل مُسح تاريخاهما العظيم من سجلات كرة القدم؟ بالطبع لا، ستبقى البرازيل متعة كرة القدم والمنتخب الأكثر فوزا بكأس العالم، وسيبقى نادي برشلونة من أعظم الفرق في تاريخ أوروبا والعام.

والآن نترك الأسئلة ونتجه إلى نقطة جديدة ستسهم كثيرًا في تخفيف آثار الهزيمة داخلك، وهي رواتب لاعبي الفريقين، إذا بحثنا عن القيمة التسويقية لأصغر لاعب في الفريقين وهو مهاجم الزمالك مصطفى محمد فإنها تبلغ 16 مليونًا و200 ألف جنيه مصري، وتبلغ قيمة عقد اللاعب حاليا مع ناديه 8 ملايين جنيه، وهو لم يتجاوز 23 عامًا من عمره!

أيها القارئ العزيز، كم يبلغ عمرك الآن وكم يبلغ راتبك الشهري أو دخلك سنويًا؟ وأنا لم أتكلم عن المكافآت التي يتقاضاها اللاعبين وعن حقوق الرعاية وعن الإعلانات، وأما إجمالي القيمة السوقية في 2020 للنادي الأهلي تصل لنحو 28.25 مليون يورو، بينما تصل القيمة السوقية للزمالك نحو 24.05 مليون يورو!
أنت تضع مصيرك أيها المشجع الكريم بين أقدام مجموعة من اللاعبين يتعاملون مع كرة القدم على أنها مصدر ربح يتقاضون من خلالها ملايين الجنيهات، وأنت تشاهد وتنفعل ويحمر وجهك وتدمر أعصابك وتقاطع أحد أقاربك أو أصدقائك وبعد كل ذلك لا تجني أي شيء، سوى احتفال بفوز لا يد لك فيه، أو الحزن لهزيمة سيستمر بعدها اللاعبون في الحصول على ملايين الجنيهات، وأنت ستستمر في عملك تحصل على بضعة آلاف من الجنيهات، وقد لا تذهب لعملك صباح اليوم التالي للهزيمة لتأثرك النفسي ولخوفك من نظرات مشجعي الفريق الفائز وتربصهم بك وانتظارهم لك ليكملوا فرحتهم بالشماتة في هزيمة فريقك والسخرية منه.

وأخيرا فإن جوائز البطولة حسب لوائح الاتحاد الأفريقي لكرة القدم تحدد حصول بطل دوري أبطال إفريقيا على 2.5 مليون دولار، فيما يحصل الوصيف على 1.25 مليون دولار، ولا يحصل المشجعون إلا على التناحر وارتفاع ضغط الدم وقد يصل الأمر إلى أزمات قلبية تفتك بصاحبها لتجعله شهيد العصبية الزائدة أثناء متابعة مباراة في كرة القدم.

في عالم العقلاء يضعون الأشياء في مكانها الصحيح، ولا يبالغون في فرح أو حزن، ويدركون أن الرياضة لعبة تنافسية الهدف من مشاهدتها هو المتعة والترفيه، والانتماء لأحد الفرق هدفه التشجيع من أجل الفوز، فإن لم يتحقق الفوز فهذا شيء عادي لا يعني أي شيء يمثل لك أهمية تربط بها حياتك أو تؤثر على نفسيتك ومعيشتك، فالفائز أو الخاسر هو الفريق الذي تشجعه وليس أنت.