EN 
ظهرت في مصر قديما سُنة جاهلية وبدعة شيطانية زرعت فيهم النفاق وأسست فيما بينهم الشقاق؛ فبعد أن بلغ السلطان سليم شاه من ملك الديار المصرية مُناه، وقتل من قتل من الجراكسة سأل خاصته وأصدقاءه: هل بقي منهم أحد؟ فقالوا له: بقي رجل قديم يدعى سودون الأمير طاعن في السن، رزقه الله بولدين شهمين فارسين لا يضاهيهما أحد، لكنه بعدما مر بالبلاد اعتكف في منزله وحبس ولديه، وسد أبواب المنزل بالحجارة واعتكف على العبادة.
ووفقا لكتاب "تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار" للجبرتي، أمر السلطان بزيارة الرجل، أحسن الشيخ استقبال السلطان ثم أحضر ولديه وأخرجهما من محبسهما فنظر إليهما السلطان فرأى فيهما مخايل الفرسان الشجعان وخاطبهما فأجاباه بعبارة رقيقة وألفاظ رشيقة ولم يخطئا في كل ما سألهما فيه.
في اليوم التالي ركب السلطان مع القوم وخرج إلى الخلا بجمع من الملا، ونبه على جميع أصناف العساكر بالحضور فلم يتأخر منهم أحد واحضر الأمير سودون وولديه ثم قال لهم: أريد أن يركب قاسم وأخوه ذو الفقار ويترامحا ويتسابقا بالخيل في هذا النهار، فامتثلا، وأظهرا من أنواع الفروسية الفنون التي أذهلت الجميع.
في اليوم الثاني حضر الأمراء والعسكر جميعهم فأمرهم السلطان أن ينقسموا بأجمعهم لفريقين؛ فريق يكون رئيسهم ذو الفقار والثاني أخوه قاسم الكرار.
ثم ميّز الفقارية بلبس الأبيض من الثياب، وأمر القاسمية أن يتميزوا بالأحمر وأمرهم أن يتنافسوا في القتال أمامه كفريقين، فأذعنوا وعلوا على ظهور الجياد وساروا بالخيل وانحدروا كالسيل وانعطفوا متسابقين ورمحوا متلاحقين وتناوبوا في النزال واندفعوا كالجبال وأثاروا العجاج ولعبوا بالرماح وتقابلوا بالصفاح وارتفعت الأصوات والصيحات وقرب أن يقع القتل والقتال فنودي فيهم عند ذلك بالانفصال.
ومنذ ذلك اليوم افترق أمراء مصر وعساكرها فرقتين واقتسموا بهذه اللعبة حزبين؛ حزب الأبيض وحزب الأحمر.
استمر كل منهم على محبة اللون الذي ظهر فيه وكره اللون الآخر في كل ما يتقلبون فيه حتى أواني المتناولات والمأكولات والمشروبات وصارت قاعدة لا يمكن الانحراف عنها بحال من الأحوال ولم يزل الأمر يفشو ويزيد ويتوارثه السادة والعبيد حتى تجسّم ونما عبر جميع العصور المتعاقبة حتى أصبح الفريق الأبيض يمثل نادي الزمالك والأحمر يمثل الأهلي.
