الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم لبس الكمامة في الصلاة .. المفتي يجيب

الصلاة بالكمامة
الصلاة بالكمامة

ما حكم لبس الكمامة في الصلاة تحرُّزًا من الإصابة بعدوى الكورونا؟ سؤال حائر بين كثير من الناس، أعادت دار الإفتاء المصرية، نشره مرة أخرى، وأجاب عنه الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية قائلًا: «لا مانع من لبس الكمامة في الصلاة؛ تحرُّزًا من عدوى فيروس "كورونا" (19–COVID)، ولا يدخل ذلك تحت تغطية الفم والأنف المنهي عن تغطيتهما في الصلاة.

وأضاف المفتي: «بل هو عذرٌ من الأعذار المبيحة، وحالة من الحالات المستثناة من الكراهة؛ كالتثاؤب المأمور بتغطية الفم طروِّه من المصلي، وأجاز الفقهاء حالات أخرى يستثنى فيها تغطية الفم والأنف في الصلاة؛ كالحرِّ والبرد ونحوهما من الأعذار العارضة؛ لأن النهي هو عن الاستمرار فيه بلا ضرورة؛ بل أجاز بعضهم استمراره في الصلاة لٍمَن عُرفَ أنه من زيِّه، أو احتيجَ له لعمَلٍ أو نحوه، وقد ثبت ضرر هذا الفيروس وسرعة انتقاله عن طريق المخالطة؛ فيكون اتِّقاؤه والحذر منه أشد، فتتأكد مشروعية تغطية الأنف والفم بالكمامة في جماعة الصلاة؛ حذرًا من بلواه، واجتنابًا لعدواه، واحترازًا من أذاه».

الفتوى تفصيلًا
أكد مفتي الجمهورية، أن الشرع الشريف نهى عن تغطية الفمِ والأنف في الصلاة؛ لِما في ذلك من شغل عن الخشوع وحُسن إكمال القراءة وكمال السجود؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السَّدْلِ في الصلاة، وأن يُغَطِّيَ الرجلُ فاهُ" أخرجه أبو داود في "السنن"، والبزار في "المسند"، وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، والبيهقي في "السنن الكبرى".

واستدل بما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَضَعَنَّ أَحَدُكُمْ ثَوْبَهُ عَلَى أَنْفِهِ فِي الصَّلَاةِ، إِنَّ ذَلِكُمْ خَطْمُ الشَّيْطَانِ» أخرجه الطبراني في معجميه "الأوسط" و"الكبير"، ورواه ابنُ وهب في "الجامع" و"الموطأ" وأبو داود في "المراسيل" عن وهب بن عبد الله المعافري مرسلًا، وعن عبد الرحمن بن الْمُجَبَّرِ "أنه كان يرى سالم بن عبد الله، إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي، جبذ الثوب عن فيه جبذًا شديدًا، حتى ينزعه عن فيه" رواه مالك في "الموطأ".

ونقل قول العلامة الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح": ["وأن يُغَطِّيَ الرجلُ فاهُ"، أي: فمه في الصلاة، كانت العرب يتلثمون بالعمائم، ويجعلون أطرافها تحت أعناقهم، فيغطون أفواههم كيلا يصيبهم الهواء المختلط من حرٍّ أو برد، فنهوا عنه؛ لأنه يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود].

وأفاد بأن الكراهة الواردة في هذه الآثار كراهة تنزيهية لا تمنع صحة الصلاة، والفقهاء مختلفون علة النهي التي يدور معها وجودًا وعدمًا؛ فقيل: لأنها عادة جاهلية، وقيل: لِما فيها من التشبه بالمجوس، وقيل: لِما فيها من معنى الكِبر. كما أن النهي عن تغطية الفم في الصلاة ليس على إطلاقه؛ فالفقهاء متفقون على أنه يُشرَعُ للمصلي إذا تثاءب في صلاته أن يغطي فَمَهُ؛ التزامًا بالأدب في مناجاة الله، ودفعًا للأذى والضرر، وذهب بعضهم إلى أن أصل الكراهية لمن أكل ثومًا ثم تلثَّمَ وصلى على تلك الحالة: قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط": [إن ترك تغطية الفم عند التثاؤب في المحادثة مع الناس تعد من سوء الأدب؛ ففي مناجاة الرب أولى].

وقال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع": [ويكره أن يغطي فاه في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك؛ ولأن في التغطية منعا من القراءة والأذكار المشروعة؛ ولأنه لو غطى بيده فقد ترك سنة اليد، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ فِي الصَّلَاةِ»، ولو غطاه بثوب فقد تشبه بالمجوس؛ لأنهم يتلثمون في عبادتهم النار والنبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التلثم في الصلاة، إلا إذا كانت التغطية لدفع التثاؤب: فلا بأس به]، وقال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح": [فيكره التلثم وتغطية الأنف والفم في الصلاة؛ لأنه يشبه فعل المجوس حال عبادتهم النيران]، وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار": [وأما تغطية الفم والأنف في الصلاة فمكروه لمن أكل ثومًا، وإنما أصل الكراهية فيه؛ لأنهم كانوا يتلثمون ويصلون على تلك الحال، فنهوا عن ذلك].

ورأى الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في "المنتقى شرح الموطأ": [روى ابن القاسم عن مالك في المجموعة لا يلتثم المصلي ولا يغطي فاه، ومعنى ذلك: أن الخشوع مشروع في الصلاة، واللثام ينافي الخشوع؛ لأنَّ معناه الكبر].

وذكر الإمام النووي الشافعي في "المجموع": [يكره أن يصلي الرجل متلثمًا، أي: مغطيًا فاه بيده أو غيرها، ويكره أن يضع يده على فمه في الصلاة، إلا إذا تثاءب: فإن السنة وضع اليد على فيه.. والمرأة والخنثى كالرجل في هذا، وهذه كراهة تنزيه لا تمنع صحة الصلاة. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في "فتح الباري": [وفي معنى وضع اليد على الفم وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود، وإنما تتعين اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها، ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره؛ بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم، ويستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه].

وأكمل: وقال العلامة زين الدين المناوي في "فيض القدير": [(وأن يغطى الرجل فاه)؛ لأنه من فعل الجاهلية: كانوا يتلثمون بالعمائم فيغطون أفواههم، فنهوا عنه؛ لأنه ربما منع من إتمام القراءة أو إكمال السجود]، وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" : [وله: (وأن يغطي الرجل فاه) قال ابن حبان: لأنه من زي المجوس قال: وإنما زجر عن تغطية الفم في الصلاة على الدوام لا عند التثاؤب بمقدار ما يكظمه].

وواصل: والتثاؤب عذرٌ من الأعذار التي تُعرض للمصلي، يدخل فيه من كان في معناه، مما تدعو إليه الحاجة؛ كالحَرِّ أو البردِ أو نحوهما؛ فيأخذ حكمه من استثناء التغطية والاتِّقاء، فالمراد من النهي عن التغطية: الاستمرار فيه بلا ضرورة، أما عروضها ساعة لعارضٍ أو لحاجة؛ يدخل ضمن الرخصة والجواز، ولذلك أجاز العلماء التلثم في الصلاة لٍمَن عُرفَ أنه من زيِّه، أو أُحتيجَ له لعمَلٍ أو نحوه: فعن قتادة: "أن الحسن كان يُرَخِّصُ في أن يصلي الرجل وهو متلثم إذا كان من بردٍ أو عذرٍ" أخرجه عبد الرزاق في "المصنف". وقال العلامة الملا علي القاري الحنفي في "مرقاة المفاتيح" (2/ 336): [والفرق ظاهر؛ لأن المراد من النهي استمراره بلا ضرورة، ومن الجواز عروضه ساعة لعارض].

واستطرد: وقال العلامة أبو عبد الله المواق المالكي في "التاج والإكليل": [واستخف ابن رشد تلثم المرابطين؛ لأنه زيهم، به عرفوا، وهم حماة الدين، ويستحب تركه في الصلاة، ومن صلى به منهم فلا حرج، انتهى. انظر قول ابن رشد، لأنه زيهم، نحوه: نقل البرزلي عن بعض شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نهى العرب أن يتشبهوا بالعجم ولم يأت أنه نهى وفدًا قدموا عليه من وفود الأعاجم أن ينتقلوا عن زيهم إلى زي العرب، والمراد بهذا النهي: التشبه بالعجم فيما فعلوه على خلاف مقتضى شرعنا، وأما ما فعلوه على وفق الندب، أو الإيجاب، أو الإباحة في شرعنا: فلا يترك لأجل تعاطيهم إياه، فإن الشرع لا ينهى عن التشبه بمن يفعل ما أذن له فيه. وقد قال مالك في المظال: ليست من لباس السلف، وأباح لباسها قال: لأنها تقي من البرد].

وأردف: وقال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 503، ط. دار الفكر): [(وتلثم) ش: قال الشيخ زروق في "شرح الإرشاد"؛ عند قول صاحب الإرشاد: ويمنع التلثم في الصلاة: أما التلثم فيمنع إذا كان لكبر ونحوه، ويكره لغير ذلك، إلا أن يكون ذلك شأنه؛ كأهل الْمُتُونَةِ، أو كان في شغلٍ عَمِلَهُ من أجله: فيستمر عليه].

ونبه المفتي على أن لبس الكمامة في الصلاة اتقاء عدوى فيروس كورونا الوبائي لا يخرج عن جملة هذه الأعذار؛ بل هو أشدُ رخصةً وآكدُ مشروعية؛ لِما ثبت لهذا الفيروس من ضرر وأذى؛ فقد أفادت منظمة الصحة العالمية (WHO) أن فيروس "كورونا" (19–COVID)، ينتشر بسرعة فائقة عن طريق العدوى بين الأشخاص، سواء كانت عن طريق الجهاز التنفسي والرذاذ المتناثر من الأنف أو الفم المحمَّل بالميكروب عندما يسعل المصاب بالفيروس أو يعطس، أو عن طريق المخالطة وملامسة المرضى والأسطح المحيطة بهم دون اتخاذ تدابير الوقاية والنظافة، وقد أثَّرت العدوى في ارتفاع أعداد الإصابات وتضاعف حالات الوفيات؛ حتى استوجب إعلان حالة الطوارئ الصحية العامة، كما أخبرت المنظمة بأن مدة حضانة الجسم لهذا الفيروس تصل إلى 14 يومًا، يكون الإنسان خلالها حاملًا للفيروس ومصدرًا لانتقاله للآخرين، وأن مدة بقاء الفيروس على الأسطح التي لا يتم تطهيرها باستمرار تصل إلى 9 أيام، كما توصلت إليه الدراسة المستخلصة من 22 بحثًا طبيًّا في هذا الشأن، ومن الممكن أن يكون فيروس "كورونا كوفيد-19" كذلك؛ بل هناك دراسة صينية نشرتها دورية "نيو إنغلاند" (NEJM) الطبية، تؤكد وجود مخاوف انتشار المرض ونقل العدوى عن طريق أشخاص قد لا تظهر عليهم أعراض هذا الفيروس، ولذلك من الممكن أن ينتقل الفيروس من أناس تظهر عليهم بعض أعراض الفيروس الخفيفة؛ أو عن طريق أشخاصٍ لا يعانون من أي أعراض للفيروس أصلًا.

ونوه بأن العدوى كما عرفها قطاع الطب الوقائي التابع لوزارة الصحة هي انتقال الكائن المسبب لها من مصدره إلى الشخص المعرض للإصابة، وإحداث إصابة بالأنسجة قد تظهر في صورة مرضية (أعراض) أو لا، مضيفا: وهو ما عرف به العلماء في كثير من الأمراض الوبائية؛ كالجُذام، والجرب، والجدري، ونحو ذلك؛ قال الإمام الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (9/ 2979، ط. مكتبة نزار الباز): [العدوى: مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره، يقال: أعدى فلانٌ فلانًا من خلقه أو من علة به، على ما يذهب إليه المتطببة في علل سبع: الجذام، والجرب، والجدري، والحصبة، والبخر، والرمد، والأمراض الوبائية].

وسبقت الشريعة إلى نظم الوقاية من الأمراض المعدية والاحتراز من تفشيها وانتشارها؛ رعايةً للمصالح، ودفعًا للأذى، ورفعًا للحرج، حتى لا تصبح الأمراض وباءًا يضرُّ بالناس ويهدد المجتمع؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» أخرجه البخاري في "صحيحه". وفي رواية: «اتَّقُوا الْمَجْذُومَ كَمَا يُتَّقَى الْأَسَدُ» أخرجه ابن وهب في "جامعه"، والفاكهي في "فوائده" وأبو نعيم في "الطب النبوي" وابن بشران في "أماليه"، قال الإمام زين الدين المناوي في "فيض القدير": [أي: احذروا مخالطته وتجنبوا قربه وفرُّوا منه كفراركم من الأسود الضارية والسباع العادية].

ولفت إلى أن النهي عن المخالطة لمريض الجذام آنذاك؛ لأنه كان من العلل المعدية "بحسب العادة الجارية عند بعض الناس"؛ كما قال العلامة الكماخي الحنفي في "المهيأ في كشف أسرار الموطأ"، فيدخل فيه ما كان في معناه من الأمراض المُعدية، ويكون ذلك أصلٌ في نفي كل ما يحصل به الأذى، أو تنتقل به العدوى.