الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رمضان أبو الخير يكتب: هل استوعب العالم الإسلامي الدرس؟

صدى البلد

لا يخفى على أحد تأثير تكرار استخدام مصطلحاتٍ على وزن "الإرهاب الإسلامي" وغيرها من خلق تعميمات زائفة، ونسبتها الإرهاب والتطرف إلى مئات الملايين ممن ينتمون إلى الإسلام  على غير الحقيقة وبدون ذنب منهم،سوى أن مرتكب الحادث ينتمي شكليا إلى ديانتهم، وقد طالب شيخ الأزهر مرارًا وتكرارا بضرورة الانتباه إلى خطورة ذلك، وطالب المسئولين في الغرب بأن يتوقفوا عن استخدام تلك المصطلحات المضللة، وكانت مطالبته صريحة لوزير الخارجية الفرنسي" جان ايف لودريان" خلال زيارته الأخيرة للأزهر حين عبر عن رفضه الصريح لاستخدام هذه المصطلحات، فقال للوزير الفرنسي ما نصه "ليس لدينا وقت ولا رفاهية الدخول في مصطلحات لا شأن لنا بها، وعلى الجميع وقف هذا المصطلح فورًا لأنه يجرح مشاعر المسلمين في العالم، وهو مصطلح ينافي الحقيقة التي يعلمها الجميع"، في عبارة تدل على أن الكيل قد فاض برأس المؤسسة الأزهرية من هذا التزييف المتعمد للحقائق، وتعمد غض الطرف عن المطالبات المتكررة بالتوقف عن هذا التضليل والخداع، وهو ما دفع بالمؤسسة إلى انتهاج خطابٍ إعلاميٍ جديدٍ غلب عليه ما يمكن تسميته بـ "حرب المصطلحات" أو "المصطلحات الموازية".


هذا المشهد يكشف فطنة شيخ الأزهر إلى حقيقة تأثير تداول هذه المصطلحات في عقول الغربيين، وكيف يمكن تشكيل صورة نمطية سواء بالسلب أو الإيجاب على قطاع عريض من البشر فقط عن طريق كلمة ملصقة فيها وصف!، الإمام الأكبر قارئ جيد للتاريخ، يعلم جيدا كيف نجحت أجندات سياسية مغرضة باستخدام وسائل إعلام واستراتيجيات أبرزها التكرار في تشويه فئات بناء على دين أو جنس أو لون، في أذهان قطاعات عريضة من المتلقين، وهو ما يقوم به تماما أصحاب الأجندات في نشر مصطلحات الاسلاموفوبيا وإلصاق الإرهاب بالإسلام لتشويه الدين الإسلامي بشكل متعمد ومقصود. 


والحقيقة، أنه لا بد من الإشادة بتلك السياسة التي انتهجها الأزهر الشريف مؤخرًا في خطاباته الإعلامية عامةً، والموجهة للغرب خاصةً، بعد أن استخدم في بياناته الأخيرة عددًا من المصطلحات التي يمكن تسميتها بـ "المصطلحات الموازية" مثل "الإرهاب اليميني" و "الإرهاب الصهيوني" وغيرها، مستخدمًا في ذلك نفس السلاح الذي تستخدمه المؤسسات الغربية، الرسمية وغير الرسمية، في توصيف الهجمات الإرهابية التي وقعت مؤخرًا حين استخدمت مصطلح "الإرهاب الإسلاموي"، إلا أن الأزهر، ورغم ذلك، حافظ على معاييره الأخلاقية ومبادئه الثابتة في عدم نسبة الإرهاب إلى ديانة بعينها، وتحميل دين تصرفات منحرفة ناتجة عن بعض اتباعه، فلم نره يطلق مصطلحات "الإرهاب المسيحي" أو "الإرهاب اليهودي"، وهو ما أراه عادلًا إن فكرنا بتجرد وبنفس الطريقة الغربية، بل نسب الأزهر الإرهاب في مصطلحاته الجديدة إلى تيارات يعرف عنها التطرف والتشدد العنيف ولايخفى على أحد ممارستها له على أرض الواقع مثل "اليمين المتطرف" الذي ارتكب العديد من الهجمات الإرهابية والتي من أكثرها فظاعة "مذبحة كرايست تشيرش" بنيوزيلندا وهجمات النرويج الشهيرة، و"التيار الصهيوني" وجرائمه الإرهابية لا تعد ولا تحصى، وهو ما تغافل عنه الخطاب الغربي الذي كان أمامه مصطلحات كـ "الإرهاب الداعشي" أو "الإرهاب القاعدي"، إلا أنه لم يستخدمها في تضليل متعمد وتجاهل واضح للعدالة المبنية على الإنصاف والتجرد.


إن حرب المصطلحات هذه ليست جديدة، بل تعد واحدة من أشهر الأساليب التي استخدمت في تشكيل صورة ذهنية سلبية عن قضية أو جماعة أو ديانة ما، وقد رأينا أثرها التدميري الواضح نتيجة استخدام مصطلح "الإسلاموفوبيا" و"الإرهاب الإسلامي" وغيرها من المصطلحات المضللة، التي اعتمدها الغرب في تكوين صور نمطية حول قضايا أو مجتمعات بعينها - وقد قصدوا هنا الدين الإسلامي -، ونجحوا، من وجهة نظري، إلى حدٍ كبيٍر في الوصول إلى ما يريدونه من ذلك، فكان ولا بد من الالتفات إلى أهمية اللجوء إلى خيار بديل، وأن يتم الدخول إلى ذلك المضمار واستخدام نفس الأسلحة، عبر اعتماد مصطلحات موازية، تعكس الحقيقة، وإن كانت أقل فجاجة عن نظيرتها التي اعتمدت في الغرب، إلا أن تلك الخطوة تظهر أن الأزهر الشريف واع لما يحاك من خططٍ، معلنة كانت أو خفية، تهدف إلى النيل من الإسلام والإساءة له، بل وقادر على مجابهتها فكريا بكل قوة وحسم، وإن كانت موازين القوى مختلة، إلا أن ذلك لن يعوقه عن أداء رسالته في حفظ الدين واظهار الحقيقة وكشف الستار عن الباعث الحقيقي للإرهاب.