الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: ڤاليري جيسكار ديستان

صدى البلد

في شتاء عام 2019 قررتُ تلبية رغبة أسرتي الصغيرة في القيام برحلة لكل من الأقصر وأسوان بعد تأجيلٍ تكرر عدة سنوات، وأعددنا العُدة، وحزمنا الأمتعة متجهين إلى "طيبة" عاصمة مصر الجنوبية ويحدونا الأمل بأن نتمكن من الاستمتاع بطقسها الدافئ وآثارها الخالدة المنتشرة في بَرّيها الشرقي، والغربي ونيلها الشاهد على فصول التاريخ الذي كُتب على جدران المعابد الخالدة وفي بطون المقابر التي مازالت تحتفظ بألوانها الخلابة ونقوشها المدهشة التي تتحدى السنين.

ومع الاعتناء ببرنامج الرحلة التي عكفنا على إعداده مستعينين بمرشدة سياحية خاصة، كي يتثنى لنا الغوص في أعماق ما وراء النقوش من قصص وتاريخ، ومع تدخلي المستمر في عمل المرشدة المسكينة والاختلاف معها في بعض التفاصيل، قرر أفراد الأسرة الاستغناء عنها والاستعانة بخدماتي في شرح معبد الكرنك المحبب لي والقريب إلى قلبي، وبالمرة معبد الأقصر أيضًا، وكم كانت فرحتي كبيرة بهذا القرار الذي سيمكنني من ممارسة هواية تمنيت لو أقوم بها يومًا لشغفي وحبي لتلك الأماكن والآثار، ولكن ما لبثت أن تَكَشَّفت النوايا التي تنطوي على مؤامرة كبرى من أسرتي وهي الارتياح من مناقشاتي مع المرشدة السياحية، وتوفير الوقت، مع تركهم لي لأقول و أشرح ما يروق لي عن تلك الأماكن دون أن يهتم أحدهم بما أقول! 

وفي خضم المناقشات وترتيب الأوقات والأماكن، فوجئنا بتشريفة كبيرة وسيارات دبلوماسية تملأ المكان وتواجد أمني مكثف، وكما بدا أن هناك شخصية هامة تقوم بزيارة مدينة الأقصر وبالتحديد معبد الدير البحري حيث حتشبسوت العظيمة في نفس توقيت تواجدانا هناك، ومن باب الفضول سألت أحد رجال الشرطة المصاحبين للموكب، يا ترى من هذا الضيف الذي يزور معنا معبد حتشبسوت؟ فكان رده وزميله: إنه رئيس فرنسا الأسبق
أنا: أهو السيد فرانسوا أولاند؟
رجل الشرطة: لا
أنا: فهو نيكولا ساركوزي؟
نظر كل منهما للآخر وقالا: لا لا ليس هو، ليس هذا اسمه
أنا: أيكون جاك شيراك – لم يكن توفى بعد في شتاء 2019 – لكنه رحل في خريف 2019
فكانت إجابتهما: لا ليس هو، فاستغربت جدًا لأنني أعلم أن فرانسوا ميتران الذي سبق جاك شيراك في رئاسة فرنسا قد توفي منذ زمن بعيد (عام 1996) 

وهنا تذكرت أنني لا أعرف ما إذا كان "ڤاليري جيسكار ديستان" الرئيس الفرنسي الذي سبق ميتران مازال حيًا أم لا، فنطقت اسمه من باب اليأس من معرفة اسم الضيف، وهنا صاحا نعم انه هو... هذا هو الاسم!

فاستعجبت جدًا وأخذت أشرح لأولادي أن هذا الرجل قد حكم فرنسا منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي حتى مطلع الثمانينيات ابّان فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات وأنه كان قد زار مصر حينها رفقة زوجته، فاستغربوا جدًا من قِدَم الحدث ومن ذِكري لتلك الزيارة، فكل الزعماء يقومون بزيارات رسمية للدول الصديقة، فلماذا أتحدث عن تلك الزيارة؟ فأجبتهم لأن هذه الزيارة موثقة بقصيدة للفاجومي أحمد فؤاد نجم - رحمه الله – وتحمل اسم هذا الرئيس، ومُلحنة ومُغناه بصوت الشيخ إمام عيسى – رحمه الله – وأخذت أنشدها لهم:

ڤاليري جيسكار ديستان والست بتاعه كمان
حيجيب الديب من ديله ويشبع كل جعان
يا سلاملم يا جدعان ع الناس الجنتلمان
داحنا حنتمنجه واصل وحتبقى العيشه جنان
التليفزيون حيلون والجمعيات تتكون
والعربيات حتمون بدل البنزين بارفان
وحتحصل نهضه عظيمه وحتبقى علينا القيمه
في المسرح او في السيما او ف جنينة الحيوان
وحتبقى الأشيا زلابيه ولاحوجه لسوريا وليبيا
وحنعمل وحده أرابيا مع لندن والفاتيكان
والفقرا حياكلوا بطاطا وحيمشوا بكل ألاطه
وبدال مايسموا شلاطه حيسموا عيالهم جان
ودا كله بفضل صديكي ديستان الرومانتيكي
ولا حدش فيكو شريكي في المسكن والسكان


وهنا انتبه الجميع لهذه الأبيات الساخرة البديعة التي نظمها نجم ولحنها وغناها الشيخ إمام وزاد فضولهم على فضولي للاقتراب من الرئيس الفرنسي الأسبق وهو بصحبة زوجته أيضًا لتحيته وسط مجموعة من السُياح الفرنسيين الذين تعرفوا عليه وأكدوا لنا أنه هو وأنه لا يزال يتمتع بصحة جيدة، نزل مع زوجته من السيارة وترجلا ببعض الخطوات في ساحة معبد الدير البحري ثم جلسا على كرسيين في مواجهة المعبد تحت أشعة الشمس الدافئة وهم ينظران إلى المعبد، ثم غادرا في هدوء...

وفي صباح الخميس الماضي طالعتنا وكالات الأنباء بخبر وفاة الرئيس الفرنسي الأسبق ڤاليري جيسكار ديستان عن عمر ناهز 94 عامًا جراء الإصابة بفيروس كورونا اللعين...
فلترقد روحه في سلام، وليبقى العالم يبحث عن حلٍ لمعضلة كورونا المستعصية التي كانت سببًا في ازهاق الكثير من الأرواح دون تمييز.