الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عمران يكتب: اعملوا من أجل مصر

صدى البلد

هى مصر التى حظيت بالتشريف وخلدها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وورد ذكرها أكثر من مرة موصوفة بالأمن والأمان والخيرات والجنات والزروع والمقام الكريم، وليس فى العالم بلد أثنى الله عليه فى القرآن بمثل هذا الثناء ولا وصفه بمثل هذا الوصف ولا شهد له بالكرم غير مصر .


وليس فى العالم بلد أوصى به وبأهله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غير مصر التى حظيت وشرفها الله عز وجل بأنبيائه الذين عاشوا على أرضها, فنبى الله إدريس أول من علم المصريين المخيط وبعث بأرض الكنانة، وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام أقام بين أهلها وتزوج هاجر المصرية أم إسماعيل الذى باركه الله, فكان صديقا نبيا ومن إسماعيل خرج أعظم الأمم وهى العرب .


ومنها تزوج نبى الله يوسف, ووفد إليها يعقوب عليه السلام وأخوة يوسف وعاشوا على ارض الكنانة، ونشأ بأرضها أنبياء الله موسى وهارون، ونبى الله دانيال ويوشع, وإلى أرضها أتت مريم وعيسى عليهما السلام فكانت مصر حصن أمان لهما. وأعظم هذا التشريف هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكما كان لإبراهيم الخليل زوجة مصرية كان لرسول الله «مارية القبطية المصرية» التى أنجبت له إبراهيم.


ولم ينس النبى مصر فقد كانت فى قلبه، صلى الله عليه وسلم. ومع درس الوفاء والعرفان نستحضر قيمة عليا هى قيمة حب الوطن لنوقن ـ حق اليقين ـ أنها شعبة من شعب الإيمان. وهو ما علمنا إياه سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، حين بارح دروب مكة وشعابها وأوشك على الانفصال عن جبالها ووديانها وهضابها فوجه إليها خطابه وكأنما هو يناجيها مع مرارة فراق ما فيها ومن فيها، ويقول: «والله إنك لأحب البلاد إلى الله وأحب البلاد إلىّ ولولا أن قومك أخرجونى منك ما خرجت».


وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى ذكر مصر أنه قال: (ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لكم منهم ذمة ورحما) رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض، قال أبو بكر لمَ يا رسول الله؟ قال لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة).


فمصر هى حمى الإسلام بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعاء الأنبياء آدم ونوح ووصفها بالأرض الطيبة المباركة التى هى أم البلاد وغوث العباد. الانتماء إلى وطن قيمة افتقدت فى زماننا هذا، وقد كانت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مظهرة هذه القيمة، لتبرز من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتمائه إلى مكة، ولقد بين الحق سبحانه أن وجود الناس فى هذه الأرض لغاية وهو إعمارها, قال تعالي: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا», وقال جل شأنه: «هُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِى الْأَرْضِ»، وخليفة الله فى أرضه إنما ينتمى إلى هذه الأرض التى استخلفه الله فيها، فهو يتخذ من الوسائل ما يتحقق به إعمارها, ولذا فإن الانتماء إلى الأرض أو الموطن أو إلى جماعة أو أسرة، أو نحو ذلك, قيمة وخلق إسلامي, وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل للناس بانتمائه إلى مكة وحبه لها, يدل على ذلك ما صدر عنه بعد خروجه منها مهاجرا إلى المدينة, حيث توجه إلى مكة وقال: «أما والله لأخرج منك وإنى لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىّ وأكرمه على الله, ولولا أن أهلك أخرجونى ما خرجت».


بهذه الكلمات التى تفيض حبا وانتماء إلى بلد الله الحرام يودع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلده التى نشأ فى ربوعها وبعث فيها, وبلغ دعوته إلى الله سبحانه بين أهلها, فكانت هجرته مظهرة لهذا الانتماء, ومصر بلد عزيز على الله سبحانه وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم, ويكفى للتدليل على ذلك, أن الله تعالى ذكرها فى كتابه أكثر مما ذكر بلده الحرام, وربط بينها وبين الأمن والخير الذى يفيض فى ربوعها, يقول سبحانه: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين», وقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصر, وقد رويت عنه أحاديث جمة فى الوصية بها وبأهلها، منها: «ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا فإن لكم منهم ذمة ورحما», ومنها: «إذا فتح الله عز وجل عليكم مصر, فاتخذوا بها جندا كثيفا, فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال أبو بكر لم يا رسول الله؟ فقال: لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة», وإذا كانت تلك مكانة مصر عند الله تعالى وعند نبيه, وكان الانتماء إلى الموطن قيمة إسلامية, فحرى بأهل مصر أن ينتموا إليها, وأن يقوموا بواجب هذا الانتماء, والعمل الدائم لرفعة هذا البلد, والنهوض به, وجعله كما أراد الله ورسوله فى النصوص السابقة وغيرها, لأن تحقيق ذلك مقصد تشريعي.


مصر تقع دائما فى مكان الحب لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، رغم أنه لم يدخلها إلا عابرا فى رحلة الإسراء والمعراج، وصلى بجبل الطور ركعتين كما تروى كتب السير، أنه كان يركب البراق خلف جبريل عليهما السلام، ومر بأرض ذات نخل فقال ما هذه يا أخى يا جبريل؟، قال هذه طيبة، طيب الله ثراها، وكانت هذه المدينة المنورة، قبل أن تنار بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان اسمها يثرب وطيبة، ثم مر بأرض بيضاء، فقال ما هذه يا أخى يا جبريل؟ قال هذا الوادى المقدس طوى الذى كلم الله عليه موسي، فنزلا وصليا ركعتين، ثم واصلا رحلتهما) فهذا يؤكد منزلة مصر ومكانتها، لأنها البلد الوحيد فى العالم الذى تجلى عليه الله لموسى عليه السلام حين قال «رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) وكان ذلك فى جبل الطور أيضا. وأشار إلى أن مصر ذكرت فى القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرة، تصريحا وتلميحا، فهى بلد يستحق أن نحبه، وأن ندافع عنه، ونبذل كل غال ونفيس فى سبيله، فهل رأيتم بلدا ذكر فى القرآن مثل ما ذكرت مصر؟، وأقول لشبابنا: هذه مصركم فافخروا بها، وارتفعوا معها، واجعلوها فى قلوبكم، واعملوا من أجلها، وتجاهدوا فى سبيلها، ثم لا تتركوا لحاقد أو حاسد مجالا بينكم وإنما تقفون بالمرصاد لكل من يحاول أن ينال من هذا البلد.