الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: حزب ظاظا

صدى البلد

ما أن أعلن قصر الإليزيه عن إصابة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفيروس كورونا كملايين الذين أصيبوا به حتى عجّت صفحات الشامتين والكارهين له بمختلف أنواع العبارات والتعليقات المحملة بكافة أنواع الشماتة والدعوات بالثبور والهلاك مع تلك الفرحة بما أصاب الرجل من مرض لا يفرق بين إنسان وآخر، بل وربما يصيب بعضًا من هؤلاء الشامتين.
 
ولا أدري ما هو مصدر هذا السلوك البغيض الذي أخذ يتنامى ويستفحل بفعل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فلا نجد في ثقافتنا - حين نبحث - في القديم منها والحديث إلا مشاعر التسامح والتعاطف مع ما يصيب الآخرين من مصائب - لا دخل للإنسان بها - كالأمراض والكوارث الطبيعية، فمنذ انهيار برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك وموت آلاف الضحايا جراء هذا العمل الإرهابي وقد زادت تلك النظرة الشامتة خصوصًا من هؤلاء المناهضين للسياسات الأمريكية والغربية التي ربما كانت سببًا في تنامي ذلك الشعور لدى البعض، ولكن مهما كان الخلاف والصراع بين بعض المعسكرات والثقافات، هل يمكن أن يصل ذلك إلى هذا الحد من الشماتة في الأمراض والكوارث الطبيعية التي لا تفرق بين معسكر وآخر؟

لقد كان المشهد الذي صاغه يوسف السباعي بالاشتراك مع نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي في فيلم "الناصر صلاح الدين" حين ذهب صلاح الدين لعلاج قائد الجيوش الصليبية ريتشارد الأول - رغم عدم صحة الواقعة تاريخيًا – مثالًا على أخلاق الفرسان وروح التسامح التي يتميز بها مجتمعنا، والتي كنّا نتباهى بها، بينما كانت مشاعر الشماتة تلك تقتصر على بعض ما كان يتم التندّر به من العبارة الشهيرة للراحلة "رجاء الجداوي" في مسرحية "الواد سيد الشغال": ((يا شماتة أبله ظاظا فيّا))، إلا إنه كما يبدو أن الكثيرين قد انضموا مؤخرًا إلى حزب ظاظا للشامتين معلنين استراتيجيتهم في الشماتة في كل ما يصيب مخالفيهم من مرض أو موت أو كوارث طبيعية!

فإذا ضرب إعصار بعض مناطق الولايات المتحدة الأمريكية كإعصار "كاترينا" تجد الشامتين يفرحون واصفين هذه الكارثة الطبيعية بغضب من الله قد أصاب القوم الظالمين، في حين أنه إذا أصاب مناطق أخرى من العالم تتبعهم يكون ابتلاءً من الله به رحمه! 

أي معيار يمكن القياس عليه إذًا؟  لقد انساق هؤلاء خلف ذلك الفكر المتطرف الذي لا يعرف معنى التسامح الذي تنادي به كل الأديان، ولا يدرك موروث الأخلاق التي كانت تنتسب للفرسان الذين يترفعون عن الشماتة فيما يصيب حتى أعدائهم من مرض أو كوارث، بل وينهضون لتقديم يد العون لكل من ألمت به كارثة.

إذا كان هناك خلاف في السياسات أو في الآراء أو حتى وصلت تلك الخلافات للحروب، فإن قيمنا وأخلاقنا لن تتبدل، ولن ننساق خلف قطعان وسائل التواصل الاجتماعي الذين يقودهم كتائب تعمل على تغيير موروثاتنا النبيلة لصالح مصالحهم الخاصة ونشر ذلك الفكر المسموم تحت دعاوى الحفاظ على الدين الذي هو بريء من تلك الممارسات الخبيثة.

فلتعلو القيم الإنسانية وتنتصر على ثقافة الكراهية والحقد وليسود السلام والحب جنبات العالم وليخسأ أصحاب المصالح من الكتائب الإلكترونية التابعين لجماعات الغل والإرهاب والدماء.

وليتوقف حزب ظاظا عن الشماتة في أمراض وكوارث الآخرين حتى لا يصيبه ما أصابهم، فليس الذي أصابهم منه ببعيد!