الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رمضان البيه يكتب: قضية التسيير والتخيير‎

صدى البلد

هل الإنسان في رحلة حياته الدنيوية مسير أم مخير؟ .. قضية شغلت الناس قديمًا وما زالت، وهى قضية ( هل الإنسان مسير أم مخير ) ؟..
أولا، معلوم أن الله تعالى هو صاحب المراد والأمر، ومعلوم أنه سبحانه أعلن عن مراده في الإنسان من قبل أن يخلقه، وهو أن يكن له خليفة في الأرض، حيث قال تعالى للملائكة ( إني جاعل في الأرض خليفة ) ، هذا وعندما خلق الله تعالى آدم عليه السلام وخلق منه حواء واسكنهما الجنة، وأباح لهما التنعم بكل ما فيها ونهاهما من أن يأكلا من شجرة معينة اختلف وحذرهما من غواية الشيطان وكيده، وكان ذلك هو الأمر فوسوس لهما الشيطان وأغواهما وغرر بهما في صورة الناصح الأمين، وقال لهما الأ أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى، وأشار لهما إلى الشجرة التي نهاهما الله عنها، وقال لهما الشيطان تغريرًا بهما: ما نهاكما الله من الأكل منها إلاّ لتكونا ملكين وتكونا من الخالدين..

هنا نسى آدم نهى ربه من الأكل من الشجرة، ونسى أيضًا تحذيره تعالى له من الشيطان، وغلب عليه ضعفه خاصة بعد إلحاح حواء عليه في الأكل منها طمعًا في الخلد، والملك، فأكلا منها وكان ذلك سببًا لنزولهما إلى الأرض، وكان ذلك تحقيقًا لمراده عز وجل، وهو نزولهما إلى الأرض..

هنا يتجلى السؤال في القضية وهو الأمر من الله تعالى، ألاّ يقربا الشجرة وألاّ يأكلا منها، والمراد الألهي أن ياكلا منها حتى يكن ذلك سببًا لنزولهما إلى الأرض، ويتحقق مراد الله تعالى وتكون الخلافة فيها كما أخبر سبحانه الملائكة قبل خلق آدم بقوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة).

ومعلوم أن الإنسان مخير في الأمر فله أن يطيع وله أن يُعصي هذا بالنسبة إلى الأمر، ومراد الله تعالى أن يأكلا من الشجرة ولا حيلة لهما في مراده تعالى وصدق الله تعالى إذ قال: (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ومعنى هذه الآية الكريمة أن مراد الله تعالى فوق أمره عز وجل، وهو تعالى الفعال لما يُريد، والذي لا يقع في ملكه عز وجل إلاّ ما يُريد، وهو الذي لا يطاع بإكراه ولا يُعصي بغلبة...
هذا وقد اختلف الناس في هذه القضية، وقالوا فيها أقوالًا كثيرة منها إن الإنسان يجمع ما بين التسيير والتخيير في آن واحد، فهو مُسير فيما لا اختيار له فيها، من ذلك مُسير في مصدر وجوده في هذه الحياة، فهو لم يخترهما مُسير في رزقه، حتى وإن كان آخذًا بالأسباب، فالرزق مقسوم ومقدر أزلًا ولا حيلة فيه، مُسير في عمره وأجله فهو مقدر من قبل أن يُخلق..

والإنسان مُخير فيما أمره تعالى وكلفه به، من ذلك ما يتعلق بقضية الإيمان والكفر والطاعة والمعصية، فله أن يؤمن وله أن يكفر.. قال تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) والإنسان محاسب عما خيره الله تعالى فيه، ولا يغيب عنا أن الله عز وجل في مسألة الاختيار يعلم مسبقًا ماذا سنختار، وعلى أثر علمه السابق فينا كتب الأقدار وسطرها في لوحه المحفوظ، والله تعالى لم يكره أحدًا على فعل شيء سواء كان طاعة أو معصية، فالله تعالى لا يريد بعباده الكفر بل يُريد بهم الخير كل الخير.

هذا وليس من المنطق والأدب أن ننسب إليه تعالى معاصينا، ونقول إننا مسيرين في كل أحوالنا وأمورنا، لأنه لو كان ذلك فلماذا سوف يحاسبنا في الآخرة..
هذا وألفت نظر عزيزي القارئ إلى أن أقدار الله فينا كتبها سبحانه بعلمه القديم الأزلي، وعلمه تعالى قديم بقدمه عز وجل وصفة القدم المنسوبة إليه تعالى ليست متعلقة بالزمان، فالزمان خلق له تعالى وهو قديم حيث لا قدم، فهو الأول بلا ابتداء وهو الآخر بلا انتهاء ( كان الله ولا شيء معه)..

هذا وعلمه سبحانه بما كان كعلمه عز وجل بما هو كائن، وبما سوف يكون بل علمه عز وجل سابق ومتقدم على ما كان وما هو كائن وما سيكون، إذ إنه تعالى أحاط بكل شيء علما..

الخلاصة على قدر فهمي في هذه القضية أن الله تعالى قد كتب أقدار خلقه بعلمه فيهم والإنسان، يجمع بين التسيير والتخيير، مسير في المراد ولا يسأل عما سير فيه، ومخير في الأمر ويسأل فيه والله تعالى أجل وأعلم بمراده في خلقه.