الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: فيلم حظر تجول.. السهل المُمتنع

صدى البلد

بدعوة من الفنانة الكبيرة إلهام شاهين، حضرت العرض الخاص لفيلمها الجديد "حظر تجول"، وسط نخبة من المثقفين والإعلاميين وصناع الفيلم.

كنت متشوقًا مع الحاضرين لمشاهدة هذا الفيلم الذي حظي باهتمام العديد من النقاد السينمائيين وما لاقاه من ترحيب وإشادة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخير، خصوصًا بعدما نالت الفنانة القديرة إلهام شاهين جائزة أحسن ممثلة عن دورها في هذا الفيلم.

ومع بداية أحداث الفيلم الذي تدور أحداثه في أقل من يوم يتضح لك أنه من نوعية تلك الأفلام التي تغرد خارج السرب التجاري، وتعود بك إلى زمن أفلام الجوائز والمهرجانات التي يهتم صانعوها بالفن في المقام الأول.

قدمت الفنانة إلهام شاهين دور "فاتن" التي قضت عشرين عامًا من عمرها بالسجن في قضية لم تبح بأسرارها لابنتها "ليلى"- الفنانة أمينة خليل-، ومع كل تفصيلة صغيرة في أحداث الفيلم تستمتع كمشاهد بالأداء المتمكن من الفنانة إلهام شاهين التي تجاوزت حد الإجادة بحدود، فقد استطاعت أن تعبّر من خلال أدائها في كل نظرة أو لمحة أو تحرّك عن كم هائل من المشاعر والاحساس الذي اكتسبته من خبرة وثقافة وابداع راق عبر مشوارها الفني الزاخر مما أعطى للفيلم ثقلًا فنيًا كبيرًا، وهو ما فسّر حصول الفنانة على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهو أيضًا ما كان عاملًا مساعدًا لجميع الفنانين المشاركين معها في العمل للرقي بالأداء خصوصًا الفنانة الشابة أمينة خليل التي أدت دورًا متميزًا للغاية.

وبالنظر إلى القضية الشائكة التي يتناولها الفيلم والتي يصعب الاقتراب منها في الأعمال الدرامية مما قد يصيب المجتمع من بعض الأمراض السلوكية والتي يقتضي تناولها الكثير من الحرص والحرفية حتى يمكن إلقاء الضوء عليها دون اسفاف أو عمل خلط للمفاهيم، نجد الكثير من الجرأة والدقة مع المهنية في الكتابة والإخراج للمبدع "أمير رمسيس" الذي قدم هذه القضية بطريقة السهل الممتنع دون الانزلاق إلى مشاهد فجة أو حوار غريب، بل اتسم عرض القضية بسلاسة مدهشة توصل للمشاهد الفكرة بمنتهى البساطة والقوة في التأثير مع كم المشاعر الهائل المتداخل والمتزامن مع توقيت حدوث القصة أثناء حظر التجول عام 2013 الذي كان يطبق بمنتهى الحزم نتيجة الأحداث الارهابية التي تعرضت لها البلاد بعد التخلص من فترة الحكم الظلامي التي عاشته مصر على مدار عام كامل.

أماكن التصوير والديكور والملابس والإضاءة أضفت على الأحداث التأثير والواقعية المقنعة والمرتبطة بتطور الأحداث والمشاعر بين الأم التي حُرمت من ابنتها لعشرين عامًا كانت كفيلة ببناء جدار نفسي كأنه من الخرسانة، يفصل بينهما طيلة هذه الأعوام، استطاعت الأم في ليلة واحدة بمنتهى التلقائية والبساطة أن تهدمه دون أن تجيب الابنة على السؤال المحير عن سبب قتلها لأبيها وحرمانها منهما معًا منذ أن كانت طفلة، لكنها أذابت كل الحواجز بينهما بتصرفاتها الطبيعية التي يغلب عليها خبرات السنين من معاناة السجن ومشاعر الأمومة الفطرية...

وتتصاعد الأحداث للحظة تتويج تلك المشاعر الإنسانية باعتراف الابنة بمشاعرها نحو أمها قولًا وفعلًا بتحقيق حلم الأم الذي امتد لعشرين عامًا من أن تتمكن من احتضان ابنتها بذلك الفيض الهادر من المشاعر الإنسانية التي تُبكي المشاهد من شدة الصدق في التعبير وقوة المشهد...
كل التقدير للفنانة الكبيرة إلهام شاهين وكل صناع هذا الفيلم المميز الذي يقدم فنًا حقيقيًا والذي يثبت أن السينما المصرية مازال لديها القدرة على تقديم الفن الراقي الذي يناقش كل القضايا بمنتهى المهنية ويضيف إلى قوانا الناعمة.