الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هادي التونسي يكتب: رسالة في لحظة فارقة

صدى البلد

قاعة فخيمة، تماثيل مذهبة، لوحات تزين سقف، تتدلي منه ثريات قصور، زهور زاهية تزدان وتتخلل وتصطف، عازفون لروائع موسيقي شتراوس ولانر وهايدن  بتقنيات صوت في القاعة بين الأفضل عالميا، في حفلة هذه المرة بلا جمهور في زمن الكورونا تنقلها قنوات تليفزيونية في نهاية العام إلي ٩٠ بلدٍ، و تصفيق مشاهديها نسمعه من خلال تطبيقات الإنترنت.

تنقلنا المشاهد التي كنوز معمارية و مشاهد تراثية و شعبية و طبيعة خلابة  في محافظات النمسا، تنطق بالإبداع والرقي والإتقان و الجمال، ثم إلى قصور وحدائق ومتاحف، لنشاهد راقصي باليه بالغي الوسامة والرشاقة والأناقة توحي حركاتهم علي أنغام الڤالس بالانطلاق والفرح في حلم سعادة وحب وسلام.

هكذا اختارت ڤيينا أن تقيم حفلها الأشهر عالميا هذا العام، لم تشغلها احترازات الكورونا التي اختبروا لأجلها عازفيها  عن رسالة بهجة و أمل، تطمئن بها النفوس الخائفة، و تشجع بها من يأسوا و اكتأبوا في جائحة طال زمنها، رسالة حب و جمال و إتقان تشيع المعاني السامية، و تغمر الروح فرحة و طاقة، رسالة تعلم قادة العالم أن التنمية ليست فقط مادية و تعليمية و لادعوية تتضارب تفسيراتها، بل أيضا ثقافية تشبع الوجدان بالقيم الإنسانية العليا، و تقرب بين الشعوب في محبة و احترام و سلام، فتتعارف و تتضامن بلا تمايز و استعلاء. 

الرسالة حقا ذكية و سياحية؛ فلك أن تتخيل كم في تسعين بلد سيودون زيارة بلد جميل الهمهم الأمل و الجمال، و خاطب وجدانهم في لحظة حيرة فارقة؛ حيرة بين واقع ثقيل و أمل لا تحيا دونه القلوب، حيرة في ساعات صخب و انفلات لجماهير تحتفل حول العالم يأسا من طول حظر و قيود، فمنحهم فنًا رصينًا  متقنًا  و جمالا في كل التفاصيل و المشاهد، يزكي فيهم إرادة البقاء  و الانتصار علي جائحة طالت، ليعودوا الي عالم واعد، ينتظرهم بعد أن أدركوا قيمة ما لديهم، و ما فاتهم. هذه المرة هي النمسا تذكرنا ان هدف التنمية و صانعها هو الإنسان روحا و جسدًا ؛ ذلك الإنسان الراقي إنسانيا و فنيا ومهنيا و إبداعًا، هو من ينجز و يلهم، و من يقدم المثل و الأمل، يبحث عما يجمع، و يبني علي المشترك، ويشيع المحبة و السلام، ويثمر التقدم والتضامن نفسه.