الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة يدعو لتأسيس منهج أخلاقى نبوى مع بداية العام الجديد

علي جمعة: في بداية
علي جمعة: في بداية عام جديد نريد تأسيس منهجًا للأخلاق

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إنه في بداية عام جديد نريد أن نؤسس لأنفسنا منهجًا للأخلاق التي بُعِثَ بها رسول الله ﷺ ، نحاول عسى الله أن يوفقنا أن نتخلق بأخلاقه الشريفة المنيفة، فنفوز بخيري الدنيا والآخرة، هيا بنا نستمع إليه في وصاياه حول الأخلاق، ونطبقها على أنفسنا، وعلى أهلينا، وعلى مَنْ حولنا، ونبدأ بأنفسنا، ثم بِمَنْ يلينا، وَمَنْ نعول، «ابدأ بنفسك ثم بِمَنْ تعول»، حتى نكون أسوة حسنة، كما كان ﷺ أسوة حسنة للعالمين.

أوضح جمعة عبر الفيسبوك أن من تلك الأخلاق، أخلاق أساسية اشترك فيها العالم في الدعوة إليها، حتى بدايات هذا العصر النكد، الذي خلقنا الله فيه، فصارت وكأنها مَنْقَصَة، فينبغي عليها أن نتمسك بها، وذلك ما يقوله رسول الله ﷺ حينما يقول: «مما ترك الأنبياء: إذا لم تستح، فاصنع ما شئت»، من كلام الأنبياء الأوائل، الدعوة إلى الحياء، وأن الحياء إذا افتقدته الأمة، وافتقده المجتمع، وافتقده الإنسان مع نفسه، فليصنع ما يشاء، تخيل نفسك تصنع ما تشاء، ستكون مدمرًا لنفسك، وَلِمَنْ حولك، لحياتك ولآخرتك، تخيل سيارة تسير بلا قائد، فتذهب في أي اتجاه كان، فإنها ستصطدم بالإنسان فتقتله، وبالشجر فتدمره، وبكل كائن ومكون، ثم بعد ذلك تنفجر؛ لأنها صارت بلا ضابط، والحياء هو ضابط الإنسان، الذي يجعله عابدًا لربه، معمرًا لكونه، مزكيًا لنفسه، وتخيل أن الحياء قد نزع، فاصنع ما شئت، «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت». أخرجه البخاري.

وتابع: جاء أحدهم إلى رسول الله ﷺ يلوم أخاه في الحياء، وأنه حيي، فقال له رسول الله ﷺ : «دعه، فإن الحياء خير كله». كل أنواع الحياء خير، وليس هناك في نفي الحياء خير، بل الشر كل الشر في نفي الحياء النبي ﷺ قال في شأن الحياء، وهو يقرب إليه عثمان بن عفان: «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة».
تخيل أن حياء عثمان قد بلغ إلى الغاية، حتى إنه كان حييًّا مع الله، حييًّا مع نفسه، فما بالك مع الخلق، فإن الله غفور، والله معنا في كل وقت وحين، فتخيل أنه حيي في الخلوات، فما بالك بالجلوات، الله يغفر، والإنسان لا يغفر، الله يعلم، والإنسان لا يعلم، لكن هذا الولي التقي سيدنا عثمان، يستحيي من الله في خلواته، حتى استحت منه الملائكة، والملائكة عندها هذا الخلق.

وأكمل: زوَّج سيدنا النبي ﷺ سيدنا عثمان بنتيه؛ السيدة رقية وماتت عنده، ثم السيدة أم كلثوم فماتت عنده، فكان ذو النورين، نور السيدة رقية، ونور السيدة أم كلثوم، وقال: «لو كان عندي ثالثة لزوجته»؛ وذلك لدرجة الحياء التي وصل إليها سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه في جملة طويلة كبيرة من المناقب.

وعندما جاء جبريل إلى رسول الله ﷺ في بدء الوحي، فكان يحكي للسيدة خديجة أن جبريل يأتيني ولا أعرف هل هو ملك، هل هو غير ذلك؟ فقالت: إذا أتاك فأخبرني، فأتاه، فخلعت ما على رأسها من خمار، فذهب؛ لأنه كان يستحيي من السيدة خديجة، فلما ارتدت الخمار مرة أخرى، ظهر، فعرفت أنه مَلَك؛ لأن هذا ليس من أخلاق الشياطين، بل إن أخلاق الشياطين قلة الحياء، وأخلاق الملائكة الكرام الحياء، معيار واضح وحاد، وصريح، فقالت: ما هذا بشيطان، هذا ملك من الرحمن.


ونوه بأن الحياء خير كله، والنبي ﷺ عندما حدد لنا الحياء، وأنه في أصله حياء من الله، فدرب نفسك على هذا، واعلم أن الله معك بالليل والنهار، في الحل والتَّرْحَال، وأن الله سبحانه وتعالى لا يفارقك وهو عليم بذات الصدور، فهناك عَلَاقة بين الحياء وبين الذكر، {اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}؛ لأن الذكر هو الذي يعينك على الحياء من الله، فإذا نشأ في قلبك الحياء من الله، فإن الحياء يظهر على وجهك، وعلى سلوكك بين الناس يشيع في وسط الناس مقولة: "لا حياء في الدين". وهي مقولة فاسدة، لم ترد لا في كتاب ولا في سنة، وإنما صحتها: "لا حرج في الدين"؛ ولذلك أباح الدين أن نسأل، حتى في المسائل التي قد يكتنفها شيء من الغموض، أو شيء من الحياء، وأن نكتفي بالإجمال دون التفصيل.

جاءت أم سُلَيْم بنت مِلْحَان رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي أم أنس بن مالك، وكانوا من الأسر التي كانت في خدمة رسول الله ﷺ ، وفي شأن القيام بشأنه ﷺ ، وأم سُلَيْم جاءت والنبي ﷺ عند زوجته السيدة أم سلمة، فسألته: ماذا تصنع المرأة يا رسول الله إذا احتلمت؟ قال: «عليها الغسل». واكتفى. أخرجه البخاري تحت باب عنونه بأنه هذا ليس من الأشياء المرفوضة ما دمنا نتعلم، وليس هذا في مقام الحياء، الذي ندعو إليه، إن أصل الحياء الذي يدعو إليه رسول الله؛ إنما هو في الْعَلَاقة بينك وبين الله، حتى يُفِيض الحياء عليك من نوره، فتكون حييًّا بين الناس، وليس معناه أن نكتم العلم، ولا أن نتعلم، حتى في المواطن التي هي محدودة، تتعلق بالشخص وبحياته وبأسراره وبمكنون نفسه، إلا أن الحياء خير كله.

وجاءت امرأة تسأل عن كيفية التطهر من الحيض، فأجابها النبي ﷺ ، فلم تكتفِ بمقالته، فقام وانصرف، وأخذتها السيدة عائشة حتى تعلمها كيف تتطهر من دم الحيض.

وأكد أن التفتيش قد يصل بنا إلى مرحلة تضاد الحياء، والإجمال قد يكفينا في دين الله، كما وصف لنا رسول الله ﷺ ، وتكلم عن كل شيء، وعلمنا كل شيء، بوضوح، وبقلب مفتوح، والصحيح أن نقول: لا حرج في الدين. أما الحياء فهو خير كله.

واختتم الدكتور علي جمعة:  أن الإنسان استحى من الله، واستحى من الناس، لأبطل كثيرًا من الآثام، ولكانت الأخطاء غير مقصودة، تقع من الإنسان من ضعفه، من ظروفه، من مقامه، ولكن يرجع مرة أخرى فيستغفر ربه، ويذكر ربنا سبحانه وتعالى، باب الحياء كبير، وهو أصل من أصول هذا الدين، حتى قال النبي ﷺ: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن طريق الناس». ثم يقول: «والحياء شعبة من شعب الإيمان».
لماذا اختار رسول الله ﷺ شعبة من بضع وسبعين شعبة، ذكر لنا أعلاها وأدناها، فَلِمَ اختار فيما بينهما شعبة الحياء، الحياء مدخل لبقية أخلاق الإسلام، الحياء مفتاح يمكن أن نقول عنه "مفتاح سحري"، تُفَتَّحُ لك به الأبواب، الحياء خير كله، حاول أن تكون حييًّا مع الله، حييًّا مع النفس، حييًّا مع الأهل والجيران، حاول أن تكون حييًّا مع الناس، فإذا فشلت فحاول مرة أخرى؛ لأن الأمر مهم، والباب خطير.