الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نرمين الشال تكتب: حاتم علي دراما الموت والحياة

صدى البلد

تمنت لو أني أستهل العام الجديد بمقال يحمل عبارات التهنئة والدعوة   للتفاؤل، لكن القدر أبى أن لا ينقضي العام إلا وقد فارقنا شخصا عظيما يستحيل أن لا نجعل  كلماتنا   وقفا لتحيته  ووداعه،  وإن كان رحيله أكبر من الكلمات، ووداعه لا يُختصر في  لحظات ولا ساعات التشيع والحداد، وما تسكبه الأعين من عبرات. 
ولم أتصور  مثلي مثل الملايين من أبناء الوطن العربي أن يأتي رحيل  المخرج السوري  حاتم على، مفجعا ودراميا لهذه الدرجة، وأن يتقاسم عامان في وداعه وتشيعه أحدهم ودع روحه في القاهرة  والأخر شيع جسده في دمشق، وكأن الاقتران باسم حاتم علي شرفا تتبارى لنيله  السنوات.  
 كان ابن هضبة الجولان رائدا ورمزا للثقافة  العربية، أعماله  مرآة تعكس شخصية ذاقت مرارة التهجير بسبب الاحتلال، وصعوبة العيش في المخيمات وهو طفلا لم يتجاوز عمره الخمس سنوات، فشب مهموما بقضايا أمته، حاملا لواء التنوير في وقت كثرت فيه الردة في  الفكر والثقافة والدين والسياسة.
 عُرف بين زملائه بالمخرج الذكي والفنان الشغوف، أما  الجمهور العربي  فأحبه كفنان محترف، ومثقف أمين، حين سألوه عن فلسفته في اختيار أعماله قال: للأسف إن شعوبنا لا تقرأ،  لا تهتم بالكتب ولا بالثقافة، ومصدر وعيها هو الصورة والتلفاز، لذا علينا أن نعمل بجد لنعوض النقص في الثقافة لدى شعوبنا، فنقدم صورة جمالية، ووجبة فكرية. 

الذين بحت أصواتهم وهم يتحدثون عن الفن كقوة ناعمة وأداة لنشر الوعي،  سبقهم حاتم علي،  بعقود  فكان رائدا  ونجح  في ذلك بجدارة،  فقدم ملحمة " التغريبة الفلسطينية" التي  جسدت  فصولا من الأسى وعذاب أبناء الشعب الفلسطيني الذين هجروا من ديارهم، بالرغم من هذا  بعثت فينا الهمة، وجعلتنا  نشعر  أن الانتماء لقضية فلسطين هو فرض عين على كل عربي،  أما ثلاثية الأندلس، التي قدمت  فصولا مختصرة من تاريخ المسلمين في الأندلس،  فأثرت  شغفنا وتطلعنا لقراءة التاريخ، والبحث في الحاضر. 
 قائمة الأعمال تطول وجميعها علامات بارزة في تاريخ الدراما السورية والعربية، والباحث في سيرة حاتم علي، ومشواره منذ ولادته في بلدة الفيق  بهضبة الجولان وحتى وفاته بنوبة قلبية في القاهرة  سيجد من الثراء الفكري والإنساني ما يصلح لأن يكون مادة أدبية وإنسانية، أما أنا فسأكتفي بتلك الكلمات البسيطة جدا أقولها في رثاء حاتم علي،   والحقيقة أني أرثي بها  حالنا  دونه


أحقًا مُت يا حاتم
وهل غادرت دُنيانا
أحقًا  فارقتك الروح
 وهجر النبض شريانَ
وهل دسرت أكفانا
توقفت عن الأمل
 أريد منك برهانا
أيأتي الصبح لا يلقاك
ويُمسي الليل بردانا

تَراه الموت غير الموت 
حين يُلاقي صوانا 
هل أتاك في استعجال  
بلا سبب وتبيان
أم أتاك بالبشرى  
لتلقى وجه رحمَنا 
وبشرك بفردوسٍ 
ورحمات وغُفرانا 
وقال هلم يا ابن الشام 
يا سهم  شَق جولانا 

أحقًا مُت يا حاتم
وضعت الأن من يدنا
كقدس ضاع أزمان
وعز غاب بالأندلس
وصدع وسط بنيانا 
وشرخ  طال مأذنة
وجرحًا لَف أوطانا 

 أحقًا مُت يا حاتم
أم سنغيب بعض الوقت 
تشبهت بموج البحر 
إذ ينحسر  احيانا
تراك عائدًا قطعا
ستأتي مثل طوفان
لتحملنا إلى عزا 
ومكرمة وأزمانا
يرفرف فيها طير الحب 
فوق سماء لبنان  
تزف الشمس قُرطبة 
ويزهو الشام  فرحانا

تنبأ باسم الأخبار 
يقولوا كسر سندانا
سنحمله لموطنه
 ويُدفن يوم جُمعانا 
فيا بُشرى لأرض الشام 
بطيب ثراك تزدانا 
يَفوح المسك من جنبيك 
وفي الشهداء عُفانا .