الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم إنكار العدوى بفيروس كورونا .. المفتي يجيب

مفتي الجمهورية
مفتي الجمهورية

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن المرض لا يعدي بنفسه، وأن العدوى لا تصيب الإنسان بذاتها، وإنما بقضاء الله تعالى وقدره، فهناك أمراض جعلها الله تعالى سببًا لنقل العدوى بالمخالطة ونحوها، وكل هذه المؤثرات وما شابهها إنما تقع إن وقعت بإرادة الله، وقد يتخلف وقوعها، وهذا كله من جهة الإيمان به والاعتقاد فيه.

جاء ذلك في إجابته عن سؤال: «ينكر البعض وجود عدوى الكورونا، بدعوى التوكل على الله تعالى، محتجين بما ورد في السنة النبوية بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر في الأحاديث الصحيحة بأنه «لا عَدْوَى»، فما رأي الشرع في هذه الدعوى؟».


وأوضح أن المقصود بنفي العدوى الوارد في النصوص الشرعية هو نفي تأثيرها بذاتها والاعتماد على مسبباتها كما كان يُعتَقدُ قبل الإسلام، وأنه يجب رد حصولها إلى قضاء الله تعالى وقدره؛ لأنه المؤثر الحقيقي في الأشياء، وليس معنى نفي العدوى نفي وجودها، وإلَّا فقد حذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث متكاثرة من مخالطة المجذوم وأصحاب العدوى، ونهى عن الدخول إلى بلد انتشر فيه الطاعون، ولم يصعب على العلماء سلفًا وخلفًا الجمع بين هذه الروايات والتوفيق بينها، ونصُّوا على أنه لا بد مع الإيمان بأن الفعل من الله تعالى من الاحتراز عن الأوبئة والأمراض المؤذية، وهو عين مراد الله عز وجل، ومن لم يعتقد ذلك كان خارجًا عن نمط العقلاء.

وأضاف: من المقرر في عقائد المسلمين أن المؤثر الحقيقي في الأشياء هو الله تعالى، وأن الأشياء ليس لها تأثير ذاتي، كما أن الأسباب لا تؤثِّر في وقوع مسبباتها بذاتها وإن حصلت عندها، فحصول المسببات بالأسباب عندها لا بها، ولا بد من إضافتها إلى الله تعالى مشيئةً وتقديرًا، وخلقًا وإيجادًا؛ فيعتقد المسلم أن المؤثر الحقيقي في الكون هو الله تعالى وحده لا شريك له، ثم هو يتعامل مع الأسباب؛ تأدبًا مع الله الذي خلقها، واتساقًا مع مراد الله تعالى فيها، ويعتمد على رب الأرباب؛ الذي خلق الأسباب ولو شاء خرقها؛ كما حصل في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، وعبر عن ذلك العلماء بقولهم: "ترك الأسباب جهل، والاعتماد على غير رب الأرباب شرك".

وتابع: وعلى ذلك يُحمل ما وَرَدَ في بعض الأحاديث الشريفة مِن نفي حصول العَدوى؛ كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوى، وَلَا طِيَرَةَ ولا هامَة». فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال إبلي، تكون في الرمل كأنها الظباء، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها؟ فقال: «فَمَن أعْدَى الأَوَّلَ؟» متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفتَ الأعرابي إلى أن مَرَدَّ كلِّ شيء إلى قضاء الله تعالى ومراده، وأنه الخالق القادر على كل شيء.

اقرأ أيضًا:
ونقل قول الإمام العمراني في "البيان" (9/ 292، ط. دار المنهاج): [إنما نفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العدوى التي يعتقدها الملاحدة وهي أنهم يعتقدون أن الأدواء تعدي بأنفسها وطباعها، وليس هذا بشيء، وإنما العدوى التي نريدها أن نقول: إن الله أجرى العادة بأن يخلق الداء عند ملاقاة الجسم الذي فيه الداء، كما أنه أجرى العادة أن يخلق الأبيض بين الأبيضين، والأسود بين الأسودين، وإن كان في قدرته أن يخلق الأبيض من الأسودين، لا أن هذه الأدواء تعدي بنفسها].

وعرض قول الحافظ بن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 242، ط. دار المعرفة): [وهو جواب في غاية البلاغة والرشاقة؛ وحاصله: من أين جاء الجرب للذي أَعدى بزعمهم؟ فإن أجيب: من بعير آخر، لزم التسلسل، أو سبب آخر، فليفصح به. فإن أجيب بأن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني، ثبت المدَّعَى؛ وهو أن الذي فعل بالجميع ذلك هو الخالق القادر على كل شيء؛ وهو الله سبحانه وتعالى].

وأردف: ونفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعدوى في قوله: «لَا عَدْوى» إنَّما هو نفيٌ لتأثيرها بذاتها وطبعها، لا لوجودها وتقرير ضررها؛ إذ العدوى موجودة، وضررها متقرر، ويدل عليه نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مخالطة المجذوم؛ دفعًا لأذاه، وخوفًا من عدواه؛ كما سبق بيانه من أحاديث الفرار من المجذوم، وعدم إيراد الممرض على المُصحِّ، ولا اختلاف بين هذه الأحاديث وبين قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى»، ولا تعارض بين معانيها؛ بل لكل منها وقته وموضعه، ومعناه ومرجعه؛ قال الإمام ابن قتيبة الدينوري في "تأويل مختلف الحديث" (ص: 168، ط. المكتب الإسلامي): [إنه ليس في هذا اختلاف، ولكل معنى منها وقتٌ وموضعٌ، فإذا وضع بموضعه زال الاختلاف].

وواصل: غير أن العلماء سلكوا في تحقيق مناط عدم التعارض بين هذه الروايات مسالك متعددة: جماهير العلماء سلفًا وخلفًا على إمكانية الجمع بينها، ونصوا على أنَّ مقصود قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى» نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده من أن المرضَ يُعدي بطبعه، لا بفعل الله عز وجل، فأراد إضافة الأشياء إلى القَدَر، ومراد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ» رواه البخاري الإرشاد إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره، فنفى في الأول حصول العدوى بطبعها، ولم ينفِ حصول الضرر، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز والوقاية مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته؛ كالورود إلى بلد الطاعون والوباء.

قال الإمام ابن الجوزي في "كشف المشكل" (2/ 471-472، ط. دار الوطن): [«لَا عَدْوى، وَلَا طِيَرَةَ»: كانت العرب تتوهم الفعل في الأسباب، كما كانت تتوهم نزول المطر بفعل الأنواء، فأبطل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بقوله: «لَا عَدْوى»، وإنما أراد إضافة الأشياء إلى القدر؛ ولهذا قال في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «فَمَن أعْدَى الأَوَّلَ؟».

ونهى عن الورود إلى بلد فيه الطاعون؛ لئلَّا يقف الإنسان مع السبب وينسى المسبِّب، وسيأتي في "مسند أبي هريرة": «لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ»، «وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»، ثم قد يسقم الإنسان لمصاحبة السقيم؛ من جهة أن الرائحة كانت سببًا في المرض، والله تعالى قد يُعمِل الأسباب وقد يبطلها.. فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إضافة الواقعات من الضرر والنفع إلى الله عز وجل].

وذكر الإمام أبو عمرو بن الصلاح في "معرفة أنواع علوم الحديث" (ص: 390، ط. دار الكتب العلمية): [يمكن الجمع بين الحديثين ولا يتعذر إبداء وجه ينفي تنافيهما، فيتعين حينئذ المصير إلى ذلك والقول بهما معًا، ومثاله حديث: «لَا عَدْوى، وَلَا طِيَرَةَ» مع حديث: «لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ»، وحديث: «وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ».

وجه الجمع بينهما: أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببًا لإعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب].

ورأى الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (14/ 213-214، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال جمهور العلماء: يجب الجمع بين هذين الحديثين، وهما صحيحان؛ قالوا: وطريق الجمع: أن حديث: «لَا عَدْوَى» المراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده؛ أن المرضَ والعاهة تعدي بطبعها، لا بفعل الله تعالى، وأما حديث «لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره، فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها، ولم ينفِ حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره. فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء، ويتعين المصير إليه].

كما ذهب بعض العلماء إلى القول بالتخصيص؛ محاولين بذلك الجمع بين الروايات ودفع التعارض الظاهر بينها؛ فنصوا على أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى» مخصوصٌ، والروايات ظاهرها العموم؛ فلا ينكر أن يخصص العموم بقولٍ آخر، أو مستثنى منه.

ورأى الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/ 410، ط. مكتبة الرشد): [قال أبو بكر بن الطيب: زعم الجاحظ عن النظام أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» معارِض لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى»، قال ابن الطيب: وهذا جهل وتعسف من قائله؛ لأن قوله: «لَا عَدْوَى» مخصوص ويراد به شيء دون شيء، وإن كان الكلام ظاهره العموم؛ فليس ينكر أن يخص العموم بقول آخر له أو استثناء، فيكون قوله: «لَا عَدْوَى» المراد به إلا من الجذام والبرص والجرب، فكأنه قال: «لَا عَدْوَى» إلا ما كنتُ بينته لكم أن فيه عدوى وطيرة، فلا تناقض في هذا إذا رُتبت الأحاديث على ما وصفناه].

ويرى بعض العلماء أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى» ليس معناه نفي العدوى؛ بل هو نهي عنها؛ فلا ينبغي لأحدٍ أن يعدي غيره، قال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "مفتاح دار السعادة" (2/ 268، ط. دار الكتب العلمية): [قوله فيه: «لَا عَدْوَى» نهيٌ لا نفيٌ، أي: لا يعدي الممرض المصح بحلوله عليه].

كما أن هناك من العلماء من ذهب إلى القول بالنسخ بين الروايات، لكن هذا القول مردود بإمكان الجمع بينها، وأن النسخ إنما يصار إليه إذا تعذر الجمع، قال الإمام أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (7/ 264، ط. مطبعة السعادة): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى»، إن كان بمعنى الخبر والتكذيب بقول مَن يعتقد العدوى، فلا يكون ناسخًا، وإن كان بمعنى النهي يريد لا تَكرَهوا دخول البعير الجَرِب بين إبلِكم غيرِ الجربةِ، ولا تمنعوا ذلك ولا تمتنعوا منه، فإنا لا نعلم أيَّهما قال أولًا، وإن تعلقنا بالظاهر فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى» ورد في أول الحديث؛ فمحال أن يكون ناسخًا لما ورد بعده، أو لما لا يُدرى ورد قبله أو بعده؛ لأن الناسخ إنما يكون ناسخًا لحكم قد ثبت قبله]. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 242، ط. دار المعرفة): [وأما دعوى النسخ فمردودة؛ لأن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال، ولا سيما مع إمكان الجمع].

ومما تقدم يتبين أنه لا تعارض بين هذه الروايات ما دام أن الجمع بينها ممكن؛ فالمرض لا يعدي بنفسه، وأن العدوى لا تصيب الإنسان بذاتها، وإنما بقضاء الله تعالى وقَدَره، فهناك أمراض جعلها الله تعالى سببًا لنقل العدوى بالمخالطة ونحوها، على سبيل العادة الجارية؛ كتأثير النار بالإحراق، والماء بالري، والطعام بالشبع، فإن كل هذه المؤثرات وما شابهها إنما تقع إن وقعت بإرادة الله، وقد يتخلف وقوعها، وهذا كله من جهة الإيمان به والاعتقاد فيه.

أما في جانب العمل فلا بد للأصحاء أن يحترزوا عن الأمراض المؤذية والأوبئة الفتاكة؛ حتى لا يكون سببًا لجريان تلك العادة عليهم، وأن هذا الاحتراز يُحقِّقُ مراد الله تعالى؛ إذ يجب على الإنسان المحافظةُ على نفسه من الأمراض والأسقام وما يُعرِّضها للتلف.

قال الإمام القرافي المالكي في "الفروق" (4/ 238، ط. عالم الكتب): [فالخوف في هذا القسم -أي: ما جرت به العادة- ليس حرامًا؛ لأنه خوف عن سبب محقق في مجاري العادة، وقد نقل صاحب القبس عن بعض العلماء أنه قال: معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى» محمولٌ على بعض الأمراض؛ بدليل تحذيره صلى الله عليه وآله وسلم من الوباء والقدوم على بلد هو فيه. وهذا حق؛ فإن عوائد الله إذا دلت على شيء وجب اعتقاده؛ كما نعتقد أن الماء مُرْوٍ، والخبزَ مُشبِعٌ، والنارَ محرقةٌ، وقطعَ الرأس مميتٌ، ومنعَ النَّفَس مميتٌ، ومن لم يعتقد ذلك كان خارجًا عن نمط العقلاء، وما سببه إلا جريان العادة الربانية به، وكذلك ما كان في العادة أكثريًّا].

وقال العلامة أبو عبد الله المواق المالكي في "التاج والإكليل" (6/ 338، ط. دار الكتب العلمية): [وقال محيي الدين النووي: جمهور العلماء أن حديث «لَا عَدْوى» وحديث «لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ» حديثان صحيحان يجب الجمع بينهما.. وقال الطرطوشي: ومن اكتوى أو رُقِيَ معتمدًا على ما أجرى الله عادته وسنته عندها فهو معتمِد على خالقه الله سبحانه، إنما يقدح في التوكل أن يرى البُرء من قِبَل الاكتواء والرُّقَى خاصة].

وقال الإمام القسطلاني الشافعي في "إرشاد الساري" (7/ 96، ط. الأميرية) في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَخُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: 102]: [ودلّ ذلك على وجوب الحذر عن جميع المضار المظنونة، ومن ثَم علم أن العلاج بالدواء والاحتراز عن الوباء والتحرز عن الجلوس تحت الجدار المائل واجب].

وقال الإمام ابن الجوزي الحنبلي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/ 217، ط. دار الوطن): [والفرار من المَخوف مشروع، وكذلك الاحتراز منه، قال عز وجل: «وَخُذُوا حِذْرَكُمْ» [النساء: 102]، وقد مرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحائط مائل فأسرع، واستعمل الدواء، ولبس الدرع، فهذه الأشياء موضوعة على قانون الحكمة، فليس لقائل أن يعتمد على القدر ويُعرِض عن الأسباب؛ فإن الرزق مقدر، والكسب مشروع، والوباء عند المتطببين أنه يعرض للهواء فيفسده].

وقال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "زاد المعاد" (4/ 196، ط. مؤسسة الرسالة): [لما كانت الصحة من أجَلِّ نِعَم الله على عبده وأجزل عطاياه وأوفر مِنَحه بل العافية المطلقة أجَلُّ النعم على الإطلاق، فحقيقٌ لمن رُزِقَ حظًّا مِن التوفيق مراعاتُها وحفظُها وحمايتُها عما يُضادُّها].

بل عقد الشيخ ابن القيم الحنبلي في "الطب النبوي" (ص: 109، ط. دار الهلال) فصلًا في هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التحرز من الأدواء المعدية بطبعها، وإرشاده الأصحاء إلى مجانبة أهلها، وقال فيه (ص: 110): [وهذه العلة عند الأطباء من العلل المعدية المتوارثة، ومقارب المجذوم وصاحب السل يسقم برائحته، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لكمال شفقته على الأمة، ونصحه لهم، نهاهم عن الأسباب التي تعرضهم لوصول العيب والفساد إلى أجسامهم وقلوبهم، ولا ريب أنه قد يكون في البدن تهيؤ واستعداد كامن لقبول هذا الداء، وقد تكون الطبيعة سريعة الانفعال قابلة للاكتساب من أبدان من تجاوره وتخالطه؛ فإنها نقَّالة، وقد يكون خوفها من ذلك ووهمها من أكبر أسباب إصابة تلك العلة لها، فإنَّ الوهم فعَّال مستولٍ على القوى والطبائع، وقد تصل رائحة العليل إلى الصحيح فتسقمه، وهذا معاين في بعض الأمراض، والرائحة أحد أسباب العدوى، ومع هذا كله فلا بد من وجود استعداد البدن وقبوله لذلك الداء].