الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: طيش الآباء يدفع ثمنه الأبناء

صدى البلد

ما بين عام يمضى وعام يأتي، نلحظ سلوكيات مستحدثة كخطوط الموضة، وأشكالًا جديدة للانحراف قد دخلت على مجتمعنا وكأن ريحًا قد حملتها فانتشرت بين المراهقين، لتشوه ملامح المجتمع، وتهدم كيانه، وتهدد استقراره.
نجد تصرفات غريبة بين فئة الشباب، وسلوكًا منحرفًا لم يكن لنا به سابق عهد أو معرفة!
فمن المسؤول عنه وعن تغيُّر أسلوب الحياة؟ 
هل طبيعة الحياة وسنة الكون في التغيُّر والتجدد؟
أم هو الدور السلبي للأسرة التي فقدت التحامها بسبب انشغال الآباء بمشاكلهم عن ملاحظة الأبناء واحتوائهم؟

ربما الأخير هو السبب الأقرب للحقيقة؛ ولا أدلّ على ذلك مما نراه من حولنا، عندما نجد الابن يقضي أغلب وقته خارج البيت مع أصدقائه، لعله يجد ما يعوضه عن أشياء يفتقدها بين أسرته رغم وجود الأب والأم! 
فلا يجد أمامه سوى الخروج؛ للقاء أصدقاء غالبًا ما يكونوا من أمثاله، يمرون بنفس الظروف، فيقضي معهم أغلب وقته، ثم يتسلل إليه تدريجيًا الشعور بعدم الاستقرار وفقدان الأمان، عندما يرى من بعض أصدقائه تصرفات غريبة لا يقبلها، لكنهم أصبحوا رغم فسادهم جزءًا من حياته لا يمكن الاستغناء عنهم، فيتبعهم إلى نفس الطريق دون أن يلاحظه الآباء.

أما إذا وضع القدر في طريقه أصدقاء أسوياء يعيشون في بيئة صحية بين أسرة مترابطة، فلن يجذبوه نحو الانحراف، لكنه غالبًا لن يكون بِمَنْأىً عنه؛ إذا شعر بالنقص عندما ينظر إلى أقرانه فيراهم سعداء ينعمون بالاستقرار العائلي، وهذا في الغالب ما سيحدث، فيصيبه الحزن، وغالبًا ما يكون لذلك تأثيرًا سلبيًا في نفسه فيصبح عدوانيًا، لأنه يشعر بالضياع ولا يجد من يقف إلى جانبه!

هذا بالنسبة للأبناء الذكور، أما البنات رغم قبوعهن في البيوت وعدم الخروج إلاَّ للضرويات؛ بحكم جنسهن، إلاَّ أن هذا لا يشكل درعًا واقيًا من الانحراف؛ فقد يفقدون الرغبة في التعلم بسبب الظروف العائلية، والخلافات المستمرة، التي تؤثر بلا شك على توازن أفرادها، فالمنزل هو المؤسسة الأولى في المجتمع، وهو أساس العلاقات الاجتماعية والمُخَرِّج الأهم لأفراد أسوياء نفسيًا، وهذه المؤسسة لا تستقيم إلاَّ إذا استقام بها أهم ركيزتين تربويتين الأب والأم، لكن أحيانًا نجدهما أول من يضرب في الأساس ليسقط البيت، وتتشوه الصورة الذهنية لدى الابن أو الابنة عن فكرة الزواج والاستقرار بسبب أنانية الأبوين وعدم التفكير إيجابًا في مصلحة الأبناء،
أو جهلهما بالمسؤولية التي تقع على عاتقهما، فتتحول الحياة فيما بينهما إلى دوامة من الصراع والأنانية لا تنتهي إلاَّ بكارثة يفقد على إثرها الأبناء الشعور بالطمأنينة، وتظهر علامات الانهيار المعنوي، كالأحلام المزعجة أو إهمال الدراسة أو الانطواء والعزلة أو العدوانية، أو تفريغ هذا الغضب مع الآخرين، ويكون السلوك الخاطئ للوالدين ونزاعهما أمام أطفالهما واضطراب الأسرة، وضعف الأواصر بين الزوجين هو دافع الطفل إلى الشعور بفقدان الأمن، خاصة عند محاولة أحد الزوجين، أو كلاهما أن يستغل وجوده وأشقائه للتعاطف مع أحدهما دون الآخر، واستمالته له ضد الطرف الآخر، فهناك من يختار الأم، وهناك من يختار الأب، فيجعلوا الأخوة أيضًا أعداء ويدخلوا في دائرة الصراع وربما الكُره، وتصبح الأسرة الواحدة مقسمة بين حزبين، يعيشون غربة نفسية، ويشعرون بعدم بالانتماء، ويبحث كل منهم عن سعادته دون الآخر، فينظر للحياة بعين متشائمة ويراها غابة لا تعترف إلاَّ بالقوي المسيطر.

بعكس الطفل الذي نشأ في بيئة صحية يسودها الود والتعاطف، ولم ير والديه يومًا متخاصمين، فيعتقد الطفل أن حياته هذه، والدفء الذي ينعم به بين أبوين متفاهمين ينطبق على جميع الأسر، ونموذج والده ووالدته موجود داخل كل بيت، لكن عندما يكبر ويختلط مع العديد من الأقران سيعرف أنه بنعمة عظيمة، لم يحظى بها إلاَّ القليل، ويشتاق للعودة إلى المنزل؛ ليقضي وقتًا ممتعًا مع والديه وأشقائه، ولن يتخلف أبدًا عن أي جلسة عائلية، 
بعكس من يهربون من منازلهم؛ للابتعاد عن مشاكل الآباء التي تبدأ بسيطة ثم تتراكم وتتكرر وتستمر، فتتحول إلى مشاكل معقدة، تؤثر في نفسية الأبناء، ويستمر هذا التأثير إلى مدى العمر، عندما تتشكل لديهم صورة سلبية للحياة الزوجية فيمارسون ما شاهدوه وتعلموه في الصغر، وتتكرر تجربة الأبوين الفاشلة مع الأبناء، ويظل المجتمع هكذا يدور في حلقة مفرغة لا يستطيع الخروج منها.

ما كان هذا إلاَّ اجتهاد نحمد الله الذي هدانا إليه، فإن وجدتم فيه من توفيق وخطوة لإصلاح المجتمع فشاركوني نشره؛ لتعم الفائدة، وإن كان به من خطأ أو تقصير فأعينوني على تصويبه.