الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستشار سُليمان عبد الغفار يَكْتُب: «سِنْدِباد الدُبْلوماسيَّة».. السَفير الفَنَّان أحْمَدْ عَبْدِ المجيد (1-2)

صدى البلد

بَعْد إعْلانِ اسْتِقْلال مَصْر فَوْر صُدور تَصْريح 28 فبراير 1922م – بادَرَتْ حُكومَة السُلْطان فؤاد الذي أصْبَحَ مَلِكًا بِموجَبِ ذَلِكَ التَصْريح – إلى وَضْعِ أساس لِتَنْظيمِ وَزارةِ الخارجية القائِمة، تَمْهيدًا لِإنْشاءِ بِعْثاتٍ دُبْلوماسيَّة وقُنْصُليَّة في مُخْتَلَفِ الدُوَلْ – كَمَظْهَرٍ مِنْ مَظاهِرِ سيادة الدُوَلِ المُسْتَقِلَّة.


وقَدْ بَدَأتْ هَذِهِ البِعْثات في مُمارَسةِ مَهامِها مِنْ بِداية عام 1924م بَعْدَ أنْ عادَ إلى مَصْر مَنْ كانَتْ الحُكومة قَدْ أوْفَدَتْهُم مِنْ خيرَةِ الشَباب إلى لَنْدَنْ وباريس لِلتَخَصُّصِ في دِراسَةِ العُلومِ السياسيَّة والاقْتِصاديَّة.


كانَ هؤلاء الشَباب هُم الرَعيل الأوَّل مِنَ الدُبْلوماسيين الكِبار فيما بَعْد – مِنْهُم عَبْد الخالِق حَسُّونَة ومُحَمَّد كامِل عَبْدِالرحيم وأحمد فَتْحي العَقَّاد وغَيْرهم؟! – ولَمْ تَكُنْ "نِظارةِ الخارجية" في ظِلِّ الحِماية البريطانية (1914 – 1922م) تُمارِسُ أيّ نَشاط خارِجي كالتَفاوضِ وعَقْدِ المُعاهَداتِ أوْ تَبادُلِ التَمْثيلِ الدُبْلوماسي مَعْ مُخْتَلَف الدُوَل – إنَّما كانَ بِها قِسْمان (قِسْم إفْرَنْجي) و(قِسْم عَرَبي) – وكانَ "القِسْم الإفْرَنْجي" يَتَلَقَّى مُذَكِّرات المُعْتَمدين الأجانِب في مَصْر الذينَ كانوا يُعْرَفون بِاسْم "القَناصِل العُموم" ثُمَّ يُحيلُها لِلْقِسْمِ العَرَبي الذي يَقوم بِتَرْجَمَتِها لِعَرْضِها على المَسْئوليينِ المَصْريين – وكانَ القِسْمان يَتَّبِعان مَجْلِس الوُزراء في ذَلِكَ الوَقْت – غَيْر أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمَصْر سِفارات في الخارِجِ قَبْل عام1936م "عِنْدَما تَمَّ عَقْد "مُعاهَدَة 36" مَعْ بريطانيا" وتَمَّ بِموجَبِها تَبادُل التَمْثيلِ الدُبْلوماسي على مُسْتَوى السُفَراء بَيْنَ البَلَدَيْن – وفي ذَلِكَ العام أنْشأتْ مَصْر سِفارات لَها في عَواصِمِ أرْبَع دُوَل كُبْرى "لندن وروما وواشنطن وباريس"؟!

يُشيرُ السَفير "أحمد عبد المجيد" في مُذَكِّراتِهِ إلى الْتِحاقِهِ بِوَظائِفِ السِلْكِ الدُبْلوماسي في عام 1930م، حَيْثُ اشْتَغَلَ مِنْ  قبْل في المُحاماة ومِنْ بَعْدِها النيابة العامَّة، وكانَ مِنْ بَيْنِ مَسوغاتِ التَعْيين التي تَنْفِردُ بِها وَزارةِ الخارجية آنَذاك – طلَبْ شَهادة مُدْعَمة بِالأسانيد يَتَبَيَّن مِنْها ما يَمْلكهُ وَليِّ أمْر الموَظَّف مِنْ عَقار – حَتَّى يَتَمَكَّنَ أنْ يَبْعَثَ لِابْنِهِ بِقَدْرٍ مِنَ المال مِنْ دَخْلِ ذَلِكَ العَقار يُعادِلُ مُرَتَّبَهُ مِنَ الوَزارة بِسَبَب ضآلة المُرَتَّبات حينَها.


وبَعْد إتْمامِ فَتْرَة تَمْرينِ الموَظَّفين الجُدُد صَدَرَتْ حَرَكة التَنَقُّلات لِتُصْبِح "اليونان" هى البَلَد المُقَرَّر أنْ يُسافِر إليْها وقَدْ تَمَّ تَعْيينَهُ سكرْتيرًا لِلقُنْصُليَّة المَصْريَّة العامَّة في ميناء "بيريه" اليوناني، الأمْرِ الذي جَعَلَهُ يَشْعُر بِسَعادةٍ بالِغة، فَقَدْ شاءَ لَهُ القَدَر أنْ تَكون أوَّل صَفْحة مِنْ كِتابِ "العَمَل الدُبْلوماسي" في بَلَدِ الفَنِّ والشِعْرِ والحُبِّ والجَمالْ، خُصوصًا إذا عَلِمْنا أنَّ "صاحِب الذِكْريات" هوَ شاعِرٌ وفَنَّان.


شَدَا "المُوسيقار المُبْدِع مُحَمَّد عَبْدالوهاب" بِأعْذَبِ الألْحانِ مِنْ كَلِماتِ أشْعارِهِ، ومِنْ أشْهَر تِلْك الاُغْنيات "مَرِّيت على بيتِ الحَبايب" و"كُلِّنا بِنْحِبِّ القَمَرْ... والقَمَرْ بيْحِبِّ مين" و"حَسَدوني وباين في عينيهم"... وغَيْرِها مِنْ أرْوَعِ ما غَنَّى عبد الوهاب في مَرْحَلةِ الشَباب؟!


وكانَ شاعِرُنا صَديقًا لِأميرِ الشُعَراء "أحْمَدْ شَوْقي" فَضْلًا عَنْ صَداقَتِهِ لِعَبْدِ الوَهاب الذي أحْيا لَيْلَة وَداعِهِ لِلسَفَرِ إلى اليونان في دارِ أحَدِ الأصْدِقاءِ المُشْتَرَكين وبَعْد يومٍ مِنْ تِلْك السَهْرة تَوَجَّه شاعِرُنا لِلسَفَرِ إلى الإسْكَنْدَريَّة، وقَبْلَ أنْ يَتَحَرَّكَ القِطار بِخَمْس دَقائِق جاءَ عَبْدِالوَهاب لِوَداعِهِ مُناوِلًا إيَّاه ألْبومًا يَضُمُّ عَدَدًا وَفيرًا مِنِ اسْطِواناتِهِ الغِنائيَّة، مِنْ بَيْنِها الكَثير مِنْ أغانيه التي تَغَنَّى بِها موسيقار الأجْيال؟!



في كِتابِهِ صَغير الحَجْم الذي يُفيضُ بِالشَّاعِريَّة والعُذوبَة والصِدْق – بِعُنْوان "سِنْدِباد دُبْلوماسي" يَتَناوَل "سَفيرُنا الفَنَّان" بَعْض المواقِفِ والطَرائِف التي صادَفَتْهُ في أسْفارِهِ المُتَنَوِّعة بَيْن دُوَلِ الشَرْقِ والغَرْبِ بِأُسْلوبٍ رَشيق في اخْتيارِ المَعاني والكَلِماتْ – ولَكُمْ أتَمَنَّى على "دارِ المَعارِف" أو "الهَيْئَة المَصْريَّة لِلْكِتاب" أنْ تَهْتَمَّ بِإعادَةِ طَبْعه – بِاعْتِبارِهِ "تُحْفة أدَبيَّة" يَسْتَفيدُ مِنْها القُرَّاء لاسيَّما "شَباب الدُبْلوماسيِّين" لِما فيْهِ مِنْ مَعْلوماتٍ نادِرة – رُبَّما يَجْهَلُها الكَثيرين؟!


يُوَضِّح "مؤَلِّف الكِتاب" الذي وَصَلَ في بِدايَةِ عَمَلِهِ الدُبْلوماسي إلى الأراضي اليونانيَّة، أنَّ عَلاقة مِصْر بِاليونان في ذَلِكَ الوَقْت كانَتْ في أعْلى مَراتِبها، وكانَتْ "حُكومَة أثينا" تَعْتَبِرُ المَصْريِّين القادِمين إلى اليونانْ مِنْ رَعايا الدَوْلة الاكْثَر رِعاية، مِثْلَما كانَ اليونانيُّون يَنْعَمون بِحياةٍ طَيِّبة في الدَوْلة المِصْريَّة، وأنَّ أوَّل ما جَذَبَهُ واسْتَرْعى انْتِباهَهُ أنَّ الشَعْبَ اليوناني شَعْب يَتَمَيَّز بِالجِدِّيَّة في وَقْتِ العَمَل، ويَتَّصِفُ بِالمَرَحِ في أوْقاتِ الفَراغ – وأنَّهُ على مَدى العامَيْن – مُدَّة إقامَتِهِ بِاليونان – لَمْ يُشاهِدْ تَشْييع جَنازة – حَتَّى كادَ أنْ يَسْتَقِرَّ في ذِهْنِهِ أنَّ اليونانيين لا يَموتون – فَهُم شَعْبٌ طروبٌ لا يَمِلّ عَزْف الموسيقى والرَقْصِ والغِناء؟!


يؤكِّد "السَفير أحْمَدْ عَبْدِ المجيد" عَلى عُمْقِ الرَوابِطِ بَيْن مِصْر واليونان مُنْذُ "التاريخِ القَديم"، موَضِّحًا أنَّ "حَضارة مِصْر القَديمة" قَدْ رَبَطَتْها بِحَضارةِ اليونان صِلات ووشائج زادَتْها الأيَّام فَهْمًا وقُرْبًا حَتَّى العَصْرِ الحالي – رَغْم ظُهور الحَضارة اليونانيَّة بَعْد الحَضارة المِصْريَّة بِآلافِ السِنين – ومِنَ الثابِت أنَّ (طاليس) أوَّل الفَلاسِفة اليونانيين وأحَدِ الحُكَماء السَبْعة أقام في مِصْرسَنَواتٍ طَويلة تَعَلَّم فيها الرياضيات والفَلَكْ – ليؤَسِّسَ عِنْدَ عَوْدَتِهِ الهَنْدَسة النَظَريَّة على أساسٍ مِنَ المَعارِفِ التَجْريبية المِصْريَّة.


أمَّا "فيثاغورس"، فَقَدْ تَلَقَّى العُلوم الرياضية على أيْدي الكَهَنة المِصْريين عِنْدَما جاءَ إليْها، بَيْنَما نَجِد أنَّ أفلاطون بَعْد حُكْمِ الإعْدام على أسْتاذِهِ سُقْراط اعْتَزَلَ الحَياة في بِدايةِ الأمْر، وبَعْدها قَرَّرَ الذَهاب إلى مِصْر ليَتَعَلَّمَ الرياضيَّات، فاليونان التي تُعَد مَهْد الفَلْسَفة في العالَمْ، تدينُ بِهَذِهِ السُمْعة الرَفيعة لِفلاسِفَتِها الثَلاثة (سقراط وأفلاطون وأرسطو)، ومِمَّا يُذْكَر أنَّ أرسطو الذي كانَ يُلَقَّب بِالمُعَلِّمِ الأوَّل – هو مِنْ أعْظَم مُفَكِّري العالَم – لا سيَّما إذا عَلِمْنا أنَّهُ كانَ أُسْتاذًا ومُسْتَشارًا وصَديقًا لِلإسكندر الأكْبَر الذي فَتَحَ العالَم شَرْقًا وغَرْبًا، وعِنْدَما اتَّجَهَ لِغَزْوِ مِصْر وهو في طَريقِهِ إلى الشَرْق أقامَ مَدينة "الإسْكندرية" التي أصْبَحَتْ على مَدارِ التاريخ مَرْكَزًا لِلعُلومِ والفُنونِ والآداب؟!


في طَريقِهِ مِنَ الإسْكَنْدرية إلى اليونان راحَ سَفيرُنا الأديب يَتَفَكَّر في مَسالِكِ ودُروبِ الحياة – وعادَتْ بِهِ الذاكِرة إلى ما مَضى مِنْ تاريخِهِ القَصير في الوَظائِفِ العامَّة – فَعِنْدَما اشْتَغَلَ "بِالمُحاماة" كانَتْ مُهِمَّتَهُ الدِّفاع عَنِ  المُتَّهَمين إما لِتَبْرِئَتِهِم أو تَخْفيف الحُكْم عَلَيْهِم – وفي "النيابة العامَّة" كانَ دَوْره هو القيام بِالدِّفاعِ عَنْ المُجْتَمَعِ في مواجَهةِ المُنْحَرِفين مِمَّنْ يَعْبَثون بِالقانون وأقْدارِ النَّاس، ليَكْشِفَ النِّقاب عَنْ جَرائِمِهِم مُطالِبًا بِتَطْبيقِ العُقوبات التي تَتَناسَب مَعْ تِلْك الجَرائِم – أمَّا "الوَظيفة الدُبْلوماسيَّة" الجَديدة التي يَبْدأ أوَّل مَهامها في البَلَدِ الحَبيب إلى قَلْبِهِ اليونان، فَإنَّهُ يَرى أنَ دَوْره هو الدِّفاع عَنْ وَطَنِهِ في أيِّ مَكان يَرَى فيهِ انْتِقاصًا مِنْ قَدْرِهِ أو مُحاوَلة تَجْريحَهُ والتَجَنِّي عَلَيْه؟!


ويَتَعَجَّب السَفير المُفَكِّر مِنْ تَصاريفِ الأقْدار التي رَسَمَتْ لَهُ خُطاهُ ومَسارَهُ ودَوْرَهُ في الحياة مُنْذُ البِداية؟! إنَّما مثار التَعَجُّب أنْ يَكونَ السَيْر في طُرُقٍ مُتَّحِدةِ الغايَة لَكِنَّها مُتَباينة المَسالِكِ والدُروبْ، وهَكَذا تَكونُ مَصائِرُنا كالسُحُبِ الشارِدةِ في سَماءِ الحياة، أمام دَفْعِ رياحِ القَدَرِ والمَصير التي تَذْهَبُ بِها إلى الغاية التي مابَعْدَها غاية؟!


مِنِ الحِكاياتِ المؤثِّرة المَليئَة بِالحُزْنِ والشَجَنِ التي يَرْويها لَنا سَفيرُنا الفَنَّان وقَدْ لَفَتَتْ نَظَرَهُ إبان فَتْرَة إقامَته القَصيرة في اليونان التي لَمْ تَدُمْ سِوَى عامَيْن، أنَّهُ ومُنْذُ وُصولِهِ إلى هُناك وهو يَسْتَمِعُ إلى أُغْنيَّة تَمْلِكُ عَلَيْهِ وجْدانَهُ وفؤادَهُ بِموسيقاها المؤثِّرة الشَجيَّة، رَغْمَ عَدَمْ فِهْمِهِ لِمَعاني كَلِماتِها بِما يؤكِّد أنَّ الموسيقى هى "لُغة عالَميَّة" تُوَحِّد بَيْنَ الشُعوبْ، وكانَ يَتَعَجَّب مِنْ سِرِّ الإنْتِشارِ الواسِعِ لَها، فَهى تَنْطِلِق في كُلِّ مَكان مِنَ الجرامافونات أو الرادْيو، فَضْلًا عَنْ قيامِ عازِفو "البيانولَّا" بِعَزْفِها في الأماكِنِ العامَّة – كَما تُذاع في فَتَراتِ الإسْتِراحة بِالسينما وفي المُنْتَدَياتِ والحَدائِقِ والمُتَنَزَّهات – لَمْ يَكُنْ يَعْرِف لِلأُغْنيَّة إسْمًا أو عنْوان – إلى أنْ قامَ أحَد أصْدِقائِهِ اليونانيين بِدَنْدَنة مَقْطَع مِنْها أمامَهُ.


فَبادَرَ بِسؤالِهِ في لَهْفة عَنْ أسْبابِ ذيوعِ وانْتِشارِ هَذِهِ الأُغْنيَّة بِهَذا الشَكْلِ المُلْفِت لِلنَّظَرْ، أجابَهُ الصَديق بِأنَّ لِلأُغْنيَّة حِكاية واقِعيَّة حَدَثَتْ مُنْذُ عَهْدٍ قَريب؟!


فَقَدْ أحَبَّتْ أرْمَلة على ابْواب الخَريف شابًَّا وَسيمًا في عُمْرِ الرَبيع، اتَّخَذَتْهُ المَرْأة صَديقًا ورَفيقًا لَها، وراحَ الفَتي يَرْفَلُ في النَّعيمِ الذي أغْدَقَتْهُ عَليْهِ مِنْ مالٍ وفيرٍ وعَيْشٍ رَغيدْ، غَيْر أنَّ طَبيعَة الحياة هي الغالِبة، فَلَمْ يَلْبَثْ الرَبيع أنْ أصابَهُ المَلَلْ مِنَ الخَريف، لِيَتَطَلَّعَ إلى رَبيعٍ آخَر في عُمْرِ الزُهور، تارِكًا جَفاف الغُصونِ وذُبولِ الأوْراقِ لِمَصيرِها المَحْتوم؟!


أحَسَّتْ الأرْمَلَة ِغَدْرِ رَفيقِها – حاوَلَتْ إثْناءَهُ تارَةً بِالِّلين، وبِمَزيدٍ مِنَ المال تارَةً أُخْرَى – وأخيرًا بِالتَّهْديدْ؟! بَيْنَما الفَتَى لا يَلْتَفِتُ إليْها – فَقَدْ كانَتْ مَحَبَّتَهُ لِفَتاتِهِ أقْوى مِنْ كُلِّ إغْراء أو تَهْديدْ؟! – وفي لَيْلَةٍ زادَتْ حِدَّة الخِلاف بَيْنَهُما – وفي لَحْظَةٍ غابَ فيها الوَعْي وسَيْطَرَ جُنون الغيرَة – أخْرَجَتْ الأرْمَلَة مُسَدَّسًا مِنْ حَقيبَتِها لِتُصَوِّبَ إلى رَفيقِها رَصاصَةً اسْتَقَرَّتْ في قَلْبِهِ – فَماتَ على الفَوْر؟!


راحَتْ تَبْكيهِ في جُنون حَتَّى فَقَدَتْ عَقْلَها – ولَمْ تُصَدِّقْ أنَّهُ ماتْ – وظَلَّتْ تَعْتَقِدُ أنَّهُ في غَفْوَةٍ لا يَلْبِث بَعْدَها أنْ يُفيقْ – وكانَ مآلَها مَصَحَّة الأمْراضِ العَقْليَّة، حَيْثُ قَضَتْ نَحْبَها لِتَلْحَق بِهِ بَعْد أيَّامٍ قَليلة؟!


الْتَقَطَ خيط القِصَّة الأليمة شاعِرًا شَعْبيًَّا ومؤلِّف موسيقى قَدير – تَعاوَنا مَعًا على إخْراجِها في صورَةٍ دِراميَّةٍ مؤثِّرة، وموسيقى شَجيَّة تَنْبُضُ بِالإحْساسْ – ولَمْ تَلْبَثْ الأُغْنيَّة أنْ اسْتَحْوَذَتْ على مَشاعِرِ الجَماهير لِتُحَقِّقَ رَواجًا مُنْقَطِع النَظيرْ – دامَ سَنَوات وسَنوات؟!


تَقول بَعْض كَلِماتِ الأُغْنيَّة التي صاغَها الشاعِر تَعْبيرًا عَنْ "الحِكاية الحَزينة":
"... اصْحَ يا حَبيبي ... ألَمْ تَسْمَعْ نِدائي ...!؟!...
... لَطالَما كُنْتَ تُجيبُ ... كَما يُجيبُ الحَبيبُ ...!؟!...
... أما زِلْتَ نائِمًا ... كالبَدْرِ في المَغيبِ ...!؟!...
... لَكِنْ يا إلهي – لَقَدْ قَتَلْتُ حَبيبي ...!؟! بيَدي قَتَلْتُ حَبيبي ...!؟!...
... وكَيْفَ يَصْحو قَتيلٌ ...!؟!... نَعَمْ قَتَلْتُ حَبيبي ...!؟!..."


وهَكَذا كانَتْ إقامة "سَفيرُنا الأديب" بِاليونان – أشْبَهْ ما تَكون بِالحِلْمِ الجَميل – غَيْرَ أنَّهُ لا بُدَّ لِكُلِّ حُلْم أنْ يَصْحو صاحِبَهُ على واقِعِ الحياة وما فيها مِنْ آلام؟! – وهَكذا كانَتْ رِحْلة سَفيرُنا التالية إلى "سان فرانسيسكو" بِالغَرْبِ الأمْريكي ليُشاهِدَ آثار الأزْمة الاقْتِصاديَّة العالَميَّة الطاحِنة التي ضَرَبَتْ أمْريكا – ليَظَلَّ هُناك عامَيْن – ليَنْتَقِلَ بَعْدَها إلى "القُنْصُليَّة المِصْريَّة العامَّة بِالقُدْس" ليَكَونَ شاهِدًا على مأْساة فلسطين مُنْذُ ثَلاثينياتِ القَرْنِ الماضي – اسْتَمَرَّ عَمَلّهُ بِالقُدْس لِمُدَّة خَمس سنوات – تَعَلَّمَ فيها الكَثير والكَثير؟!


في المَقالِ التالي سَوْفَ يَكْشِفُ لَنا السَفير أحمد عبد المجيد عَنِ المؤامَرات والمآسي التي تَعَرَّضَ لَها الشَعْب الفلسطيني، إلى أنْ يَتِمَّ طَرْده مِنْ أرْضِهِ وقيام دَوْلة إسرائيل؟!