الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د هادي التونسي يكتب: الألم دافع النضج والعطاء والإبداع

صدى البلد

الألم الذي لا يمكن إصلاحه ماذا نصنع معه إلا أن نتسامح مع الماضي و الآخر و قوانين الحياة و الموت التي نحن جزء منها ؟ إجترار الآلام و الشفقة علي الذات ماذا تخلف غير مزيد من الألم؟ اذا كنا لا نستطيع أن نغير عالمنا فلماذا لا نقبله و نغير أنفسنا ؟ ماذا جني الإنسان من السعي وراء المتعة و النجاح الا تراوحا مستمرا بين الرضا و الاحباط ؟ ماذا لو نظرنا الي دنيانا كمهمة تعليمية للروح, فنسعد عندما نربح و نسعد ان لم نربح عندما نتعلم دروسا تجعلنا أقوي و أصفي و أسعد و أكثر إستغناء ؟ ماذا لو نبذنا كل المشاعر الداخلية السلبية و ملأنا الفكر و الشعور بكل ماهو إيجابي؟ إذا كان صوفيا زاره حاكم في محبسه شماتة يقول إن جنته في صدره, فلماذا لا نستطيع ان نخلق سعادتنا بأنفسنا بإختيار ما نشعر و نفكر فيه خارج ذواتنا؟ هل نستطيع دوما ان نحصل علي كل ما نريده؟ و ما الفارق بين متعة زائلة بزوال ما احتجناه و سعادة باقية طالما هي حالة ذهنية اخترناها و رأينا من خلالها الدنيا حولنا ,فوجدنا فيهاسعادة من خلال العيش من خلال الاخر و الادراك الواسع و الحس المرفه, و شعرنا فيها بسكينة من خلال حكمة الفهم المستوعبة و رؤية المعرفة و الحدس المنطلق من خلال سلام النفس المستغني عن التعلق و المتمسك بإلإنصات النزيه الي الحاسة السادسة؟هل لو امعنا الانتباه و الحس بالاخر تصبح مشاعره جزءا منا تشعرنا بمسئولية ضمنية عن إسعاده فيكون العطاء للاخر مسعدا للذات، يخفف الالم المنقول، و يزيد الفرحة المشتركة, و يصبح العطاء للاخر قبل اي شئ اخر عطاء للذات ؟ربما، لكن أليس من حق من يعطي ان يحصل علي مقابل مستحق من المال و المجد و الشهرة بل و ربما السلطة، كيف إذن أن يكون سعيدا ان كانت سعادته في أيدي الآخرين و القدر؟

في أي مجتمع و ربما بدرجات مختلفة، وفق مدي التقدم العلمي و التحضر الإنساني و سيادة القانون، يقابل المبدعون  معارضة أعداء النجاح من الغيورين و ذوي المصالح المتعارضة و المتشككين المنغلقين و الأميين و أنصاف المتعلمين  و من يطلقون الإتهامات و الإشاعات عن الغش و المصالح الأنانية زورا و عدوانا، بل و من ينسبون الي انفسهم فضلًا كاذبا سعيا لحب الظهور و ادعاء المعرفة و الفتوي دون علم. كما و قد تمتد القائمة الي شركات و مهن لها مصالح مالية تتعارض مع بعض الاكتشافات، و كثيرا ما نجح كل هؤلاء في الإعاقة و سلب الحقوق و سرقة الأضواء علي حساب المبدعين و الصالح العام، فكيف يمكن للمانح أن يكون سعيدا في ذلك المناخ، و كيف يمكن للمبدع ان يستمر وسط كل تلك المقاومة؟ 

علي المبدع ان يدرك ان ما يسميه مجدًا او مالا او شهرة او سلطة مستحقة يعني انه متعلق بتلك الإنجازات، لانه يريد ضمانا يورثه القلق، سعيًا لتحقيق ما يراه عدلا فيضع شروطًا علي دنيا الله، و هو ما لا يجوز ان أسلم نفسه بالإيمان بأن الله يعطينا ما يراه احتياجًا لنا ،و ليس بالضرورة ما نريده،و بأننا لا نعرف ما تخبئه الأقدار إن حصلنا علي ما نريد أو ان سلمنا بما قدره الله لنا، فإن اردت ان تعطي و تبدع في سعادة فلتتخل عن التعلق و الضمان، و لتتقبل مغامرة الحياة بترحاب، و لتجعل دافع الجهد ارضاء ضميرك و وفاء لأمانة أودعها الله فيك ،لتؤديها لمجتمعك و للعلم و الإنسانية، فهكذا نتعلم دروس العطاء في تواضع يسمو بالإيمان، و يدعم الطاقة في مواجهة متاعب الحياة، و يجعل السعادة حالة ذهنية و مواقف و مشاعر نختارها دافعًا و إسلوب حياة.