الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نيفين عباس تكتب: أشياء يفعلها الإنسان تؤدي إلى الوفاة

صدى البلد


خونة هؤلاء الذين قدموا للعالم أشياء قاتلة، أم أن الأمر أعقدُ من ذلك! الطريق إلي رحلة البحث عن الحياة البعيدة عن المخاطر، يلقي بك في النهاية داخل بحر من التساؤلات التي تفرض حتميتها بأن أغلب ما يحيط بنا قاتل.. فيما تتواري يوماً بعد يوم حقائق بأن لا سلام كامل علي الأرض!
تلتقط أول خيوط الشك، عندما تنظر حولك لتجد نفسك واحداً ممن ساهموا في فعل أشياء، تعلم جيداً أنها مميتة وبالرغم من ذلك تفعلها، علي سبيل المثال لا الحصر، التدخين، وهو مادة قاتلة يطلق آلاف التحذيرات منها لكن دون جدوي، يعلم الجميع عنها ولكن لا أحد يستمع، وبالرغم من ذلك تذهب بمحض إرادتك لشراء السجائر وتدخينها وكأنك تساعد علي إلحاق الضرر البليغ برئتيك، وبالنهاية تصبح ممزقاً بين كونك تستمتع بلحظات دخان سجارة تذهب بعقلك لعالم آخر، وبين كونك إنساناً أستحق أن يعيش حياة أخري خالية من الأمراض، وهنا أنت لا تقتل نفسك فحسب، بل تقتل المحيطين بك دون أي إحساس بالذنب أو المسؤولية، فمخالطتك للأخرون وأنت تحمل سيجارة، لن يضمن لك الحب والإحتواء بقدر ما سيملئ نفوس الأخرين حولك بالإختناق والهروب منك دون أن تعلم أو تحدد السبب
أرقام وإحصائيات مخيفة عن حجم التدخين والمدخنين، والكمية المستهلكة يومياً للإنسان من الدخان، تجعلك تظل تفتش عن إجابة لسؤالك.. هل أنا ضحية جهلي الشخصي بأضرار التدخين؟ أم أنني جاني علم جيداً أضرار التدخين ومع ذلك إستمر في تناوله؟
هناك ملايين الضحايا لهؤلاء الذين أمطرونا برسائل طمأنينة بأن كل شيئ علي ما يرام، هؤلاء الذين قدموا لنا أطباقاً سامة غنية بالمبيدات القاتلة والتلوث.. مهما غابت عنك فكرة أن التلوث بعيداً عنك، ستجدها بالأخير حاضرة أمامك وأنت مغمض العينين قابع داخل أحد المستشفيات تتلقي علاجاً لمرضٌ يفتك بعظامك، وقتها ستفتح عيناك لتجد أعينهم ترصدك لكن بعد فوات الأوان، سيقفون علي أعتاب حياتك متنتظرين نتاج حصاد الأمس، الذي جعلك اليوم تتناول أطباقاً غنية بمواد ضارة لا تري بالعين المجردة، أعلنت عن نفسها داخل أعضاء جسدك مع مرور السنوات، بالرغم من معرفتهم بأضرار تلك المواد، إلا أنه لا أمل في التراجع عن إستخدامها حتي ولو كان علي حساب الشخص نفسه أو أسرته، فالأمر لا يتعدي كونه عملية ربحية ممنهجة للسير داخل أسراب الأشخاص اللا منتمين سوي لمصالحهم الخاصة، لأجل أن تفهم تلك التعقيدات ستضطر لتهدم ذاتك، فلا يمكن الإقدام أو الإنصراف عن شيئ إلا بعد فهم كل جوانبه جيداً، والإدراك علي الأرض بوجه عام يكلف كثيراً، وفي بلاد العرب بوجه خاص قد يقتلك!، لن تفلح معك كل محاولات التنبه بأن الإقدام علي الدخول في تفاصيل تلك الأمور سيكون نتائجه شنيعة
ولتعلم بأن أكبر عدو للإنسان هو نفسه، خاصة حين يسد أذنيه عن حقائق ويعتنق أفكار توصله لحافة الهاوية، متي؟ وكيف؟ وأين؟ الإجابة ببساطة حين يغتر بذاته، حين لا يري أبعد من أنفه ويتملكه الخوف من الإعتراف بأنه أخطئ، حين يتلذذ بنشوة الإنتصار وكسب إهتمام الأخرون بالإدعاء وإصدار الأحكام المسبقة علي الغير دون دليل، حين يقتل أحدهم نفسياً ومعنوياً ويدمره ويدمر كيانه بتناقل أخبار كاذبة عنه دون البحث عن الحقيقة أو حتي أسلم الحلول تركه وشأنه!، حين ينشر الفوضي والرعب داخل النفوس إعلاءاً لمصالحه الخاصة، حين يجتاح العالم وباء فتاك وبالرغم من ذلك يتهاون في حق نفسه وصحته ويتغاضي عن حمايتها وحماية الأخرون من جحيم العدوي القاتل، حين يتناول أدوية يظن بأنها حل سحري يخلصه من مشكلات تؤرق حياته كالسمنة أو سوء التغذية وهو يري بعينه أن لها أضرار علي المدي البعيد وبالرغم من ذلك وجد أنها حلاً أسرع للتخلص من مشاكله دون أن يبذل جهد
"الملاذ الوحيد للحياة الآمنة هو الجهل بتفاصيلها"، جملة في قمة الخطورة لا تطبعك بمحاسن العزلة أكثر من أنها تغيب عقلك عن الفهم والإدراك، فهذا يسمي "إختراع للعزلة" التي تهرب فيها من ثقل الأفكار، لأنك لا تتصور بأن تلك الإجابات  المفزعة هي الحقيقة، ترعبك كثيراً فكرة التصديق فتقرر الهرب حتي من ذاتك، ليس الضرر في إجبار نفسك علي التفتيش عن الحقائق، لكن الضرر الحقيقي يكمن في الإندماج مع الأخطاء وجعلها جزءاً من حياتك والتسليم بها، أنت لست موضع إتهام حين تفتش عن حل لمشكلاتك الصحية، لكنك تصبح مذنب في حق نفسك حين تفتش عن حلول سريعة لا تجني ثمارها، كان سيكفيك شرف السعي لحل أكثر منطقية حتي ولو كان به قليل من التعب، فبكل الأحوال لن يكون الأمر مكلفاً بقدر ذلك الطريق السريع الذي إخترته للوصول لحل أسرع
ماذا يضر العالم لو نعيش في سلام؟؟ سؤال تحطمت إجابته أمام صخرة الإستخدام الخاطئ للتكنولوجيا والسعي وراء الشهوات وسوء الظن والشك والجهل بالمعلومات، إنها جُملة أشياء جعلتنا في حالة إصراف في العداء مع أطراف أخري أقل بطشاً منا، قبل ذلك بسنوات، كانت الحياة أقل تعقيداً من الأن بالرغم من أننا نعيش كل سبل التطور التي قدمها الإنسان وتحولت فيما بعد إلي سلاح يقتل به نفسه، فبسبب الإستخدام الخاطئ للتكنولوجيا فقد الإنسان متعة السعي وراء الأشياء، فقد شغف العيش داخل تفاصيل الحاضر فقرر الرجوع للعيش في تفاصيل الماضي، فلا يوجد أي وجه للمقارنة بين الأمس واليوم، أصبحت المقارنة بين الماضي والحاضر أشبه بالعبور نحو مجهول بالرغم من توافر كل أدوات المعرفة اليوم، لكن لا يمكن إنكار حقيقة أننا نعيش علي تنبؤات من سبقونا بسنوات، وهذا ما يفسر جهل الإنسان حالياً بالإستخدام الحقيقي للتكنولوجيا، فقد تحولت الآلة مقياس للعلاقات بين الناس، فيمكن أن تنهي أو تبدأ علاقة بضغطة زر، يمكن أن تكره أو تحب شخصاً لمجرد أنك "سمعت عنه" أشياء قد لا يعلم هو نفسه عنها شيء ونسبت إليه، تحولت طرق الإستمتاع بتفاصيل الحياة إلي سجن بأربع زوايا بداخله شاشة صغيرة يمكنها تحويل حياتك لجحيم حين ينقطع عنها الإنترنت أو حين تصبح "بطيئة"! إنها متعة مزيفة بعيدة عن إستشعار قيمة الشيئ علي أرض الواقع، تحولت التكنولوجيا لأداة رفض وقبول وسخط علي الأقدار بعد إنفتاح حياة الناس علي بعضهم البعض، تحولة لساحة إرتكاب للجرائم والخيانة بعد سهولة الوصول وإختراق الأخرون، تحولت لساحة تصفية حسابات وتشهير وتناقل أحاديث وأخبار كاذبة، لأنها لا تضمن للجاني عقاب بقدر ما توفر له سبل تصفية الطرف الآخر من غير قيود، تحولت لمنبر يخاطبنا فيه من لا يريد لنا أن نفهم، أفكاره المغلفة برداء من الوطنية بالرغم من أنه كاذب، سمحت بإبداء الآراء لمن ليس آهلاً لإبداء رأيه، ففي عصرنا هذا لكي تكون مسموع يكفي أن يؤهلك لذلك عدد المتابعين لديك لا أكثر، تحولت لمنبع للخارجين عن القانون، حيث إحتلال لحياتك من نوع آخر، يترتب عليه آلاف الجرائم والسرقات وحالات الإبتزاز والتزوير والفبركة والتنمر وتدمير أشخاص وأسر بأكملها، بمشاعر خالية من أي ملمح من ملامح الإنسانية يستخدم البعض الجانب المظلم من التكنولوجيا، إنه تطوير أوصله لغايات وأهداف دنيئة لا كريمة، جعله في مركز قوي أمام ضحية ضعيفة تبحث عن صوت يسمعها أو حتي إفساح المجال لها للدفاع عن نفسها أمام وابل من الإتهامات، ولمن يحاول تكذيب الحقائق، فلينظر لحجم تداول الفضائح مقارنة بحجم تداول أخبار براءة أصحابها لكي يتأكد
الموت لا يقتصر علي خروج الروح من الجسد، بل له أشكال عدة، منها الموت النفسي والمعنوي، أن يفقد الإنسان نفسه وسط زحام الأخرون، أن يفقد سعيه للنجاح بعد إصطدامه بموجات الخذلان وإعطاء الفرص لمن لا يستحق، أن تجبره الأقدار علي ترك منزلة عالية إجتهد طويلاً في بنائها، أن يظل حبيساً داخل آلة يعطيها كل الحق في تشكيل ملامح حياته وتفاصيل يومه، أن يفقد الطمأنينة حتي من نفسه، أن يصبح مادة للسخرية بسبب تمسكه بالأخلاقيات في زمن المصالح، أن يظل يطرق باباً كبيراً محاولاً فتحه لطرد الظلام ليجد نفسه أمام باباً أكبر وأشد، أن يعيش علي ذكريات الماضي ويموت في الدقيقة ألف مرة تحسراً علي تبدل الوجوه والتناقضات والعلاقات السامة الملتوية، حين لا يجد الجدية الكافية في التضامن مع مشكلاته حتي ولو كانت صغيرة بالنسبة للغير فهي بالنسبة له أمور كبيرة لم تكن تستحق الإستهانة بها، حين تتغير أمامه الوجوه والمشاعر كما يغير الناس ملابسهم، حين يبذل قصاري جهده لتحقيق الكمال في حياته ويفاجئ بالنهاية أن كل أساس كان يضعه هدمه الطرف الأخر خلفه بكل بساطة..
أعلم أن تغيير الحياة وطريقة النظر إليها ليس بالأمر السهل، لكنه حتماً لن يكون أصعب من إستفاذ طاقتنا في التمسك بأشياء توصلنا لحافة الموت يوماً تلو الأخر