الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: في عيدهن.. ما لهن وما عليهن

صدى البلد

 حفظناها عن ظهر قلب بعضًا من الجمل أو الحكم المتوارثة من أمهاتنا اللواتي كنَّ يعلمننا إياها، لكننا إلى الآن نرددها فقط من دون إدراكها وتطبيقها وفوق ذلك نعلمها لأطفالنا. "المرأة نصف المجتمع" و "الجنة تحت أقدام الأمهات" و "المرأة حياة" و "الأم مدرسة"، جمل براقة وملفتة للانتباه كثيرا وبنفس الوقت مُحَفِزة لنا كي نتلقفها بفخر على أن النساء بالفعل هنَّ كذلك، ولكن بنفس الوقت حينما نرى الواقع وكيف نتعايش معه وكيف يتقرب الآخر مننا وفق هذه الكلمات البسيطة، نرى هناك بونٌ شاسع ما بين نردده وما نطبقه ونعيشه.

إن توقفنا على هذه الأمثلة من الجمل والكلمات التي نكررها دائما نرى بكل وضوح أن لها وقعٌ كبير على وجدان النسوة حينما تسمعها أو ترددها، لكن يبقى تطبيقها هو الأمر الهام في معرفة معناها ودوافعها ولماذا قيلت بالأساس. نعم، ربما تكون كلها صحيحة وسليمة وتُظهر بعضًا من الحقيقة بين حروفها، لكن مجرد تكراراها وعدم تطبيقها يحولها إلى مجرد للُبَّان لا فائدة منها حتى تتحول مادة للسخرية مننا نحن النسوة قبل الطرف الآخر، أو تتحول لشعارات لمجرد يوم واحد في السنة ننتظر فيه الهدايا والتبريكات.

مع العلم أن المرأة عبر التاريخ كانت هي محور الحياة وتطورها وحتى وصولها لما هو عليه الآن. كانت آلهة ومخترعة الزراعة والبناء العائلي، تلك المؤسسة التي لا يمكن لأي مجتمع أن يتواجد من دونه. ربما كانت عوامل أو ظروف موضوعية عملت على الخط من شأن المرأة، لكن يبقى السؤال الهام هو؛ لماذا قبلت المرأة الوضع الجديد الذي وصلت إليه، حتى بات جزءًا من حقيقتها وواقعها المؤلم الآن؟ وما العمل للخروج من هذه الدوامة؟ والسؤال الهام هو؛ كيف نعيش؟

المجتمع ليس نصفه فقط امرأة، بل لربما يكون المجتمع معظمه يحمل بصمات المرأة إن هي كانت أساس الحياة فيه وهي المسؤولة عن ضمان استمراريته في تأمين سُبل الحياة له. ولا يمكن لأي مجتمع أن يتشكل بعيدًا عن المرأة وهذه حقيقة لا يمكن غض النظر عنها مهما قيل، لأن المجتمع الذي يغيب عنه دور المرأة الفاعل فيه يتحول إلى مجتمع لا طعم له ولا صفة، وتكون عوامل استمراريته مشلولة بكل معنى الكلمة. وهذا ما نراه في وقتنا الحاضر إن أردنا توصيف الحالة التي نعيشها في مجتمعاتنا الغريبة عن ذاتها والمقلدة لكل شيء إلا لنفسها. المرأة المتمسكة بثقافتها الذاتية والمنتجة والمحافظة على تماسك العائلة بدهائها وعفويتها الطبيعية البعيدة عن الأنانية وحب الذات، تعتبر المحرك الأساس في لملمة المجتمع المتشتت لأجزاء وأجزاء متناثرة بين فكي كماشة الضغوط الحياتية التي تصدرها لنا القوى المهيمنة للنظم التسلطية الناهبة لثقافة المجتمع المنتج والملتف حول المرأة كمحور له، لتحوله إلى مجتمع مستهلك تكون فيه المرأة على هامش الحياة لا دور لها سوى انجاب الأطفال وطاعة الرجل الذي بات هو محور الحياة وإرضاءه واشباع رغباته وشهواته باتت الوظيفة الرئيسية للمرأة. كي لا يغضب عليها وتذهب للجحيم، على أساس أن أكثر أهل النار هن النساء. إرهاب فكري ونفسي كبير تم تطبيقه على المرأة كي تتقبل هذا الأمر ولتتحول من بعده لكائن لا حول لها ولا قوة تنتظر رحمة من لا رحمة عنده.

هي مدرسة، لكن يمنع عليها العلم والتعليم وما فائدة شهادتها العلمية بعد الزواج لأنها وظيفتها لتكون انجاب وتربية الأطفال على أساس انها المدرسة، لتكون النتيجة أن نصف المجتمع مشلول. والجنة تحت اقدامهن بشرط أن يكون زوجها راضي عنها لأنه المقياس في ذلك، وإلا لكانت في النار. وبهذا الشكل من الكلمات والجمل المتناقضة يتم وصف المرأة فيه بيوم واحد فقط من السنة ليكون يوم المرأة العالمي، والذي كانت فيه المرأة أيضًا هي ضحية العمل عند أرباب العمل من الذكوريين. لتنتفي معها الجملة الأخيرة على أساس أن "المرأة حياة"، لتتحول حياتها وحياة المجتمع إلى جحيم بكل معنى الكلمة. جحيم من قبل العادات والتقاليد التي تحبس أنفس المرأة وتجعلها تختنق في هذه المستنقع الذي صنعوه لها بدلًا من الجنة.

تكون المرأة هي الحياة حينما تكون إرادتها بيدها وليس بيد الطرف الآخر، لأن ما يميز الانسان عن غيره هو امتلاكه لإرادته في إعطاء جواب السؤال الهام الذي طرحناه سابقًا ألا وهو؛ ما العمل؟ وكيف نعيش؟

ما العمل؟ جوابه هو التمرد على كل شيء يعيق انطلاق حرية المرأة في امتلاك إرادتنا الذاتية لنكون ذاتنا ولسنا كوبي أو مقلدات لما يريده الرجل مننا في شكلنا ومظهرنا وحتى جوهرنا. العمل هو امتلاكنا للوعي المجتمعي الذي انطلقنا منه لنكون إلهة فيه ونتجاوز مرحلة الاغتراب هذا بالعودة لحقيقة المرأة المختبئة ضمن المجتمع الذي شكلناه. إذ، لا يمكن تعريف المرأة وعملها إلا ضمن المجتمع الذي تمحور حولها لتكون فيه هي رائدة الإنتاج العائلي وتوجيهه نحو الهدف السامي في تطوير الحياة واعطائها المعنى الذي افتقدته حينما اغتربت عنه.

كيف نعيش، بنفس الأسلوب المتبع والذي يعتمد على ماهية العمل الذي سنقوم به نحن النساء. فالحياة الحرة لا يمكن أن نعيشها بقبول العيش بشكل سطحي ساذج لا معنى له سوى قبول ما هو موجود من عادات وتقاليد، بل ينبغي علينا تطوير الجيدة منها وتجاوز السلبيات منها أيضًا، وهذا مرتبط بشكل وثيق بإنتاجية المرأة من أفكار ورؤى وتصورات عن معنى الحياة التي سنسعى إليها ليكون السلام بدلًا من العنف هو الأساس.

في 8 من آذار الذي هو يوم المرأة العالمي هناك الكثير مما يقع على عاقتنا من واجبات ومسؤوليات علينا القيام بها، لنتخلص من الحالة التي نحن فيها وكذلك تحرير المجتمع من الحالة المزرية التي هو فيها بنفس الوقت. فلا يمكن تحرير المجتمع من القيود المفروضة عليه ونحن النساء غير مباليات ولا نشعر بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا. بناء المجتمع هي من أُولى وظائفنا التي تنتظرنا بعين الأمل. وهذا الأمل لن يتحقق بانتظار الرحمة من الطرف الآخر، بل علينا أن نقاوم بشتى الطرف كل ما يعيق تحررنا من أغلال العادات والموروثات المجتمعية البالية التي تحولت إلى أصفاد تكبلنا أرواحنا وفكرنا ووعينا ونفسيتنا أكثر من تبيلها لأجسادنا. وكل يوم نقاوم به هو عيدٌ بالنسبة لنا وبنفس الوقت كل يوم نتقبل الخنوع والذل وطأطأة الرأس هو استمرارية للحياة التي لا معنى لها.