الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد الشناوي يكتب: ثقافة الاختلاف ورقيها

صدى البلد

أنت اليوم غيرك البارحة، وغدا ستكون غيرك اليوم، وبين هذا وذاك تغير واختلاف على مستوى الثقافة والفكر والرؤيا إلى الكون والحياة واﻹنسان، وربَّما اختلاف في بعض الأمور التي كنت تعتقد بها وتدافع عنها بدمائك، فمهما ارتقى العنصر البشري في مستويات تفكيره ووصل إلى درجة عالية من الوعي والرقي الفكري، فقد يختلف في رأيه بينه وبين نفسه، وذلك بحسب أحواله وطبيعة عصره وزمانه ومكانه.

ولكن المتابع لبعض صفحات السوشيال ميديا(الفيسبوكيين)يشاهد وابلا من تبادل السب والقذف والاسقاط والتهكم؛ تحويلا منهم للاختلاف إلى الخلاف شحنا للنفوس؛ وخلقا للعداوة وهذه ظاهرة مخيفة؛ ونعرة من نعرات الجاهلية؛ حاربها المعصوم عليه أفضل الصلاة والسلام؛ ووأدها في مقتل؛نأيا لنا من السير في طريقها؛لكونها تفرق لا تجمع؛وتهدم لا تبني.

ولا شك أنه عبر التاريخ عانت الجماعات البشرية من عصبيات متعددة ، والعصبية تعني أن الشخص يشعر بإنتماءه لشيء ما بنسبة تفوق انتماءه لوطنه أو لجنسه البشري أو أي مصلحة عامة.

 وبناءً عليه فهو يتصرف تبعا لإملائات ما ينتمي إليه ويشعر بأنه منفصل عن أي شيء آخر، من أهم سمات التعصب أنه يجعل الإنسان يرى كل ما حوله من زاوية واحدة فقط وتجعله يقوم بحساباته تبعا لمصلحة ما ينتمي إليه على حساب أي شيء آخر.

ولذا يتم وصف المتعصبين بأنهم قاصرين عقليا وذلك نظرا لعدم قياس الأمور بطريقة عقلية منطقية بل قياسها بحيث يبررون كل أفعالهم وقضاياهم صحيحة كانت أو خاطئة بحيث يحسمون نتائجها قبل البدء بالتفكير أصلا أو المناقشة ، عدا عن أنهم لا يكتفون بالانتصار لأفكارهم بل هم يروحون لتخطيء كل ما هو عداهم والتقليل من شأنه واعتباره غير موجود أو لا يستحق الوجود أصلًا ، حتى لو كان هذا الآخر لا يعنيهم ولا يكترث لهم.

ولعلنا نستدعي_ هنا_ من مضبطة التاريخ هذا الأثر الطيب الذي ينقل لنا فلسفة السابقين من رواد الأمة ومصلحيها؛برؤيتهم الصادقة؛وحسهم المجتمعي لرأب الصدع؛تفويتا للتفرق  والتشرذم .

حين اختلف يونس بن عبد عبد الأعلى مع أستاذه اﻹمام ” الشافعي ” في مسألة ، قام ” يونس ” غاضبًا .. وترك الدرس .. وذهب إلى بيته ..
فلما أقبل الليل … سمع ” يونس ” صوت طرق على باب منزله ..
فقال يونس : من بالباب ..؟ .
قال الطارق : محمد بن إدريس ..
فقال يونس : فتفكرت في كل من كان اسمه محمد بن إدريس إلا الشافعي ..
قال : فلما فتحت الباب ، فوجئت به ..
فقال اﻹمام الشافعي :
يا يونس ، تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة .. !!! .
يا يونس ، لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات .. فأحيانا ” كسب القلوب ” أولى من ” كسب المواقف ” …
يا يونس ، لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها .. فربما تحتاجها للعودة يوما ما .
اكره ” الخطأ ” دائمًا … ولكن لا تكره ” المُخطئ ” .
وأبغض بكل قلبك ” المعصية ” … 
لكن سامح وارحم ” العاصي ” …
يا يونس ، انتقد ” القول ” … لكن احترم ” القائل ” … فإن مهمتنا هي أن نقضي على ” المرض ” … لا على ” المرضى “!
اختلف ولكن لا تخرب ولا تدمر ولا تفرق؛ وإلا فأنت تحتاج إلى تصحيح مسار فكرك و حياتك مرة أخرى .