الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هبة عثمان تكتب: داعش من الشرق الأوسط إلى أفريقيا

صدى البلد


أينما تتواجد الثروات تنشأ الصراعات والأزمات على كل المستويات، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ويظهر ذلك جليا في القارة الأفريقية، حيث تحتل أفريقيا مركز الصدارة في اهتمامات العديد من القوى الدولية، نظرا لموقعها الإستراتيجي في قلب العالم، عوضا عن كثرة الثروات والكنوز والموارد المختلفة فيها، منها ما قد تم اكتشافه ولم ينضب رغم مرور عشرات السنوات من نهبه حتى الآن، ومنها ما لم يتم استخراجه بعد أو حتى لم يعلن عن اكتشافه إلى يومنا هذا.

منذ عقود وتعاني إفريقيا من الكثير من الصراعات السياسية والانقلابات العسكرية والمعارك الاقتصادية حامية الوطيس، وانعدام الأمن وانتشار الفوضى والفساد، فتجد القوى الدولية في اجتماع كل تلك العوامل فرصة ذهبية لاستغلال الموارد الأولية الطبيعية الضخمة للقارة الأم؛ وربما تسعى لإبقاء الوضع على ما هو عليه لتحقيق مصالحها.

سباق دولي محموم على ثروات القارة السمراء ينبئ بصراعات كبيرة بين القوى العظمى.

يخبرنا "مايكل كلير" من خلال كتابه "حروب مصادر الثروة" الصادر عام 2002 "إن أفريقيا ستكون هي الهدف، وستكون مسرحًا للحروب القادمة بين القوى المتصارعة". 

لم تكن رؤية كلير مجرد استشراف للمستقبل بل كانت مبنية على معطيات تصل لنتيجة محددة.

تتجه بعض الدول الكبرى إلى الشكل التقليدي للاستعمار الجديد من خلال استغلال الثروات مقابل التواجد العسكري في المنطقة وبسط النفوذ السياسي كفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وتركيا.

وهناك من يتجه إلى بسط نفوذه الاقتصادي عن طريق ضخ استثمارات كبيرة لاستغلال ثروات تلك الدول الأفريقية مثل الصين وألمانيا وإيطاليا والهند وتركيا، علاوة على أن أفريقيا تعد سوقا استهلاكيا كبيرا جدا، حيث تعد أفريقيا ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، تأتي في المرتبة الثانية بعد آسيا، تبلغ مساحتها 30 مليون كم مربع تقريبا، وتتوقع الأمم المتحدة طبقا لدراساتها الإحصائية أن نمو السكان في العالم بعد 80 عاما أي حتى عام 2100م سيبلغ نحو 10,9 مليار نسمة، وتتوقع أن يصل النمو السكاني للقارة الأفريقية بحلول عام 2100م إلى 4,3 مليار نسمة لتكون بذلك القارة الأفريقية ثاني أكبر كتلة سكانية على الأرض بعد آسيا والتي ستصبح عدد سكانها 4,7 مليار نسمة.

وتجد دولا أخرى شكلا أخر من التواجد وبسط النفوذ عن طريق زرع كيانات إرهابية تجد في وسط الصراعات والنزاعات القبلية وانتشار البطالة وضعف القبضة الأمنية بيئة خصبة للتوسع و الانتشار والتمدد.

وغالبا ما تتمركز تلك الجماعات أينما وجدت الثروات والمواد الخام مثل اليورانيوم والبترول والذهب والفحم والألماس والياقوت والكوبالت.... وغيرها من الموارد الطبيعية الكثيرة والمتعددة.

تعمل تلك الجماعات الإرهابية المسلحة والتي تحركها دول لها أطماع توسعية كتركيا بإنتاج تلك العناصر المتطرفة "الجماعات الوظيفية" والتي تعمل بالوكالة لصالح قوى عظمى تتستر خلفها لكي لا تتصدر للصراع بشكل مباشر، حيث أنه من وظائفها أن تعرقل مصالح الدول الكبرى كالصين وفرنسا وايطاليا وغيرها.. وتستحوذ على بعض من تلك الثروات لصالح محركيها ومن يتسترون وراءهم؛ فربما يكشف ذلك حقيقة الصراع البارز مؤخرا بين الفرنسيين والأتراك.

كما أن تواجد تلك الجماعات الإرهابية يعطي ذريعة لقوى دولية كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها للتدخل في الشؤون الأفريقية على المستوى العسكري والسياسي زاعمة أنها تنتوي مكافحة الإرهاب مقابل استغلال ثروات وكنوز تلك الدول الضعيفة الهشة.

ووفق تقرير صادر عن "معهد الاقتصاد والسلام" للمؤشر العالمي للإرهاب ومقره في سيدني الأسترالية والصادر بالتعاون مع مركز مكافحة الإرهاب والتطرف بجامعة ميريلاند الأمريكية، فقد بلغت خسائر أفريقيا الاقتصادية بسبب الإرهاب 13 مليار دولار أمريكي في عام 2019م.

وبسبب العمليات الإرهابية ارتفع نصيب أفريقيا من التداعيات الاقتصادية العالمية للإرهاب من 3,1% عام 2007م إلى 49,2% في عام 2019م.

وأوضح التقرير أن نيجيريا والصومال ومالي كانت الدول الأكثر تأثرا بتداعيات الإرهاب في القارة، وتحملت 86,8% من الخسائر الاقتصادية للإرهاب على القارة مقابل 8,2% لباقي دول إفريقيا.

وكشف التقرير عن تضاعف التداعيات الاقتصادية للإرهاب على قارة أفريقيا بمقدار 15 ضعفا منذ 2007م، موضحا أن قارة أفريقيا خلال الفترة من عام 2007م إلى عام 2019م تكبدت خسائر بسبب الإرهاب بلغت 171,7 مليار دولار.

وأشار التقرير إلى أن "هذه التقديرات للخسائر ستكون أعلى بكثير جدا إذا ما جرى احتساب خسائر استثمارات التجارة والسياحة والنشاط الاقتصادي غير الرسمي والنفقات الأمنية الإضافية ومكافحة الإرهاب واللاجئين والمهجرين داخليا."

ومع ذلك لا يبدو في الأفق أن هذا الإرهاب في طريقه للانحسار وخصوصا مع تعاظم تواجد الجنود الغربيين الذين يتوافدون على أرجاء القارة أملا في وضع نهاية لهذا الإرهاب المتنامي، حيث نشر "مؤشر الإرهاب العالمي" الصادر في نوفمبر 2020م أن تنظيم  "داعش" نقل مركز ثقله من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية حيث شهدت منطقة الساحل في ذلك العام زيادة في أعمال القتل بنسبة 67%، مقارنة بالعام 2019م.

وشهدت دول جنوب الصحراء الكبرى أكبر زيادة في عملية القتل التي تنتسب للجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة "داعش" والتي تبلغ 982 حالة قتل، وهو ما يمثل 41% من إجمالي أعمال القتل.

وتقع 7 دول من الدول العشر التي شهدت تصاعدا في الأعمال الإرهابية في جنوب الصحراء الكبرى وهي (بوركينافاسو- موزمبيق - جمهورية الكونغو الديمقراطية- مالي- النيجر-الكاميرون- إثيوبيا).

وحسب رأي الخبير في شؤون الجماعات المسلحة "اوليفيه جييتا" من مؤسسة "جلوبال سترات" للمخاطر الأمنية الاستشارية فإن إفريقيا ستكون ساحة الجهاد العالمية خلال السنوات العشرين المقبلة بدلا من الشرق الأوسط.

اليوم وبعد كل تلك التقارير نتذكر سويا الدعوة المصرية لدول القارة الأفريقية خلال خطاب تسلم مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي ضمن الكلمة الافتتاحية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حين أعلن استعداد مصر لاستضافة القمة الإفريقية لبحث إنشاء قوة إفريقية لمكافحة الإرهاب.

 تتضح اليوم الرؤية المصرية الثاقبة في تحقيق السلم والأمن في أفريقيا بسواعد أبناءها بعيدا عن مطرقة القوات الأجنبية سواء الشرقية أو الغربية وسندان نيران الإرهاب المحلي والدولي المتصاعد بصورة تهدد عجلة النماء والبناء في القارة الأفريقية.